كان من المفروض أن يستقر النقاش حول العلمانية في معترك الفكر، والتناظر الديني، وحقول الفكر السياسي في المنطقة العربية منذ عصر النهضة، والى اليوم.
غير أن هذا المعترك ( ولأسباب تاريخية) لم يسمح بحسم هذا النقاش طالما أنه ظل مسيجا بالعنف، والترهيب، والتقتيل، والتكفير...وبكثير من المغالطات والمناورات.
وفي بلادنا، لم يبرز هذا النقاش الا بشكل عرضي، طالما أن تشكل الثقافة الوطنية، والأسس الفقهية المكونة لإسلامية الدولة السنية رسما لهذا المعترك حدودا، في النظرية، وفي الممارسة أيضا.
ومن نتائج هذا الوضع، تكريس سوء فهم عميق للموضوع أو تشويه للمفاهيم المؤطرة له، تماما كما يحصل اليوم في بلادنا، بعد الخرجة الإعلامية للتوفيق وزير الشؤون الاسلامية والمعنونة ب " رسالة من أحمد التوفيق إلى عبد الاله بنكيران"، وهي الرسالة التي تلصق ب " علمانية المغرب" مفاهيم لا علاقة لها بالمنظور الفلسفي والثقافي والديني الذي يؤطر تشكل الدولة المدنية العلمانية.
والحال أن الوزير، اذا توفق فعلا في بناء متن لغوي رفيع المستوى، في المبنى. الا أنه في المعنى، يخلط الأوراق، دفاعا عن إسلامية إمارة المؤمنين التي لا تخرج عن ثوابت النظام السياسي، ومرجعيات الدولة المغربية، كما أنها لا تخرج عن إسلامية الدولة كما قد يتصورها عبد الإله بنكيران نفسه، وطيف كبير من الحركة الاسلامية.
وها هي اللغة التي يعتمدها الوزير صاحب الرسالة تفصح في الجوهر، عن هذا التوجه (...شكوت الى الله- الدولة دولة امارة المؤمنين- خادم في تدبير الدين- الأئمة لها صبغتها- الحزب نظام غربي علماني- المصلحة العقلانية نظام غربي علماني- التاريخ قضاء الله وقدره- امارة المؤمنين تحمي كليات الدين وقطعياته- الغزو بالأخلاق- توحيد الله- الشرك الخفي...الخ....) . وكل هذه المفاهيم الواردة في رسالة الوزير ليست، في الواقع، الا تصحيحا وتصويبا لما سبق أن فاه به في البرلمان، طالما أن النطق بمصطلح " العلمانية" كاف أن يضع صاحبه موضع " مساءلة"،
أما بعض المفاهيم الواردة في الرسالة، من قبيل ( الحزب السياسي العصري- أصوات الناخبين ، قوانين تخدم المصلحة العقلانية- تصويت البرلمان- الحريات الفردية- النظام العام- المواطنة- مظاهر التقدم- حرية الدين...) فإنها لا ترد في منطوق الرسالة الا كاستراتيجية تلفظية ل محاصرة " بنكيران" الذي يصوره الوزير كرئيس لحكومة " علمانية"، ولكنها في دولة اسلامية.