فن وإعلام

الموت مهزلة الحياة!

محمد بوخزار ( كاتب صحفي)

لم أره يوما ،يرفع صوته على أحد؛ في خضم  النقاش الحاد والعادي بين الطلبة؛ أو حتى اثناء قراءة شعره ، بينما القاعة تطلب منه  المزيد بصوت أعلى  .

أتذكر فرحتنا بديوانه الأول( الحب مهزلة القرون) والطقوس الاحتفالية التي استقبلته بها المنظمة الطلابية الملتحمة الصامدة:الاتحاد الوطني لطلبة المغرب. كانت ملانا الفكري والإنساني. في ظلها عرفنا من صاروا احبابا واصدقاء،  وربما اصهارا في  فاس.

صار عنوان المجموعة، قولا مأثورا متداولا، بايحاءاته السياسية المعلنة ؛ بل أصبح  مضرب المثل في المجتمع الطلابي الزاخر بالصخب والأحلام المستحيلة التي ميزت ذلك الوقت العصيب، من عقد الستينيات شديد الاحتقان وآلام انسداد الافق السياسي.

وخلال لقاءاتنا  البعدية،القليلة في المناسبات الثقافية؛ في الدار البيضاء أو الرباط، وربما في أماكن اخرى، كنت القاه بنفس السمت والهدوء الطلابي. لم تتغير ملامحه كثيرا . واحيانا كنت اخاطبه مازحا : أحمد الله أن الرأس اشتعل شيبا ،ولكن الشعر مقاوم، يرفض إخلاء الصلعة الصامدة .

 واليوم وقد  هزني هذا الخبر. لا ادعي معرفة استثنائية بالفقيد؛ فقد باعد بيننا الزمن وطبيعة عمله التعليمي قبل التقاعد؛ لكنني كنت أحب الرجل بصدق واعزه كثيرا؛ لتواضعه الانساني الصافي. لم يكن مكثرا في الشعر ، لكن تجربته متفردة  ونوعية في المشهد الشعري الحديث. وحمدا للله أن جائزة وزارة الثقافة  أدركته دون أن يسعى إليها أو يشكل حواريين حوله. لم يكن نرجسيه قطعا ولم  يتباه بشاعريته ابدا ؛ مثلما ظل صراعه مع المرض اللعين خفيا ، حتى فجعنا رحيله يوم ولد  المسيح.

وداعا السي محمد ..السكينة لروحك. لم ندرك قلقك الدفين ووجعك الممض. اغفر لنا أن نسينا أو أخطأنا في حقك.. لم يكن الحب " مهزلة القرون" بالمعنى السياسي الذي قصدته..فقد آثرت عليه " النضال" الطبقي..والحقيقة أن الموت؛ هو أو هي، "  مهزلة الحياة" بقرونها الموغلة في القدم. غفر الله لنا ولك.