قضايا

المؤشرات العشرة المفقودة لجودة العيش فـي المدن المغربية

عبد الرحيم أربري ( مدير نشر جريدة " أنفاس")

 

هناك عشرة مؤشرات تؤخذ بعين الاعتبار من طرف معظم خبراء التخطيط الحضري بالعالم للحكم على جاذبية وقوة مدينة معينة.

 وهذه المؤشرات هي:

أولا: عدد السكان، أي هل المدينة ذات حجم ديمغرافي كبير أم أن عددهم صغير لا يمثل أي رهان استهلاكي أو إنتاجي أو معرفي.

ثانيا: حجم الرواج بالمطار (بملايين الوافدين)، لمعرفة هل المدينة مدرجة في الخريطة العالمية للتنقل أم لا؟ وهل تفتح شهية السياح ورجال الأعمال أم لا؟

ثالثا: عدد الأقطاب التكنولوجية الموجودة بالمدينة التي تسيل لعاب الشركات الباحثة عن يد عاملة مؤهلة ومدربة.

رابعا: فورة البورصة بالمدينة، أي هل السوق المالية تعرف تكثيفا واندفاعا للشركات والأفراد للاكتتاب، أم هي مجرد سوق مالي صغير لا تروج فيها سوى بضعة ملايين من الدولارات.

خامسا: المهرجانات الكبرى، أي هل المدينة تنظم فيها المهرجانات الفنية التي تقوى على جذب السياح من كل الأقطار.

سادسا: المؤتمرات، أي ما هو عدد المؤتمرات والصالونات والمعارض واللقاءات الدولية (اقتصادية، سياسية، رياضية، تكنولوجية، الخ...) التي تحتضنها المدينة، وكم عدد الوافدين عليها لعرض بضائعهم أو أفكارهم أو مشاريعهم.

سابعا: المآثر والمنشات الفنية والمسارح والمتاحف ودور العرض، التي تختزنها هذه المدينة بحكم أن هذا المؤشر يغري العاشقين للسياحة الثقافية والبيئية بالعالم.

ثامنا: الميترو والترام والطوبيس، أي هل المدينة تتوفر على وسائل نقل جماهيرية جيدة وفعالة وأنيقة ونظيفة وآمنة، تتيح تنقل الاف المواطنين في يسر وسرعة وفي ظروف آدمية، أم العكس.

تاسعا: مخطط التنقلات الحضرية، أي هل المدينة لديها مخطط التنقلات يجيب عن إشكاليات التنقل (طاكسيات، حافلات، باركينات، سيولة السير بالشوارع، تناغم الإشارات الضوئية، وحجم صبيب السيارات، تنظيم الملتقيات الطرقية..إلخ.).

عاشرا: حصة المواطن من المساحات الخضراء بمدينته، وهل هناك حدائق ومنتزهات وتشجير بكل الشوارع والساحات العامة التي تضفي بهاء على الفضاء العام، وتضفي مسحة جمالية على المدينة، أم أن هذه الأخيرة عبارة عن سجن عمراني بالإسمنت، «يهرف» على كل المجالات بدون ضمان حق المواطن في رؤية الخضرة.

هذه هي الشبكة المرجعية التي تمثل الحدود الدنيا للقواسم المشركة في جل مراكز البحث والتخطيط الحضري بالعالم. وهي المراكز التي يمكن لأي مسؤول مغربي أن يستفيد من تراكم بحوثها حول الظاهرة الحضرية بربط الاتصال بأقرب سفارة أوربية أو أمريكية من منزله بالرباط.

ورغم سهولة الحصول على كل هذه البحوث والدرسات، فالمتأمل لما يجري بمدننا يكشف أن المغرب يسير وكأنه لا يتوفر على لوحة قيادة تتحكم في ضبط المجال الحضري وتمكينه من مقومات رغد العيش ورفاهية الحياة الحضرية، وكذا تمكين المدينة المغربية من الجاذبية والحرص على توفير المونطاج المالي لتمويل ماهو  مسطر في وثائق التعمير من مشاريع، والتقيد بتنفيذها وفق الجدولة المسطرة في كل وثيقة ولكل مدينة.

لنأخذ مؤشرا واحدا من المؤشرات العشرة المذكورة وقياس مدى توفر الدار البيضاء، مثلا، على مقومات مدينة عالمية، ونعني به مؤشر التنقل. إذ لا يخفى على أحد أن التنقل بالدار البيضاء أضحى أخطر وأفظع. فسواء كان المرء راجلا أو راكبا أو مستعملا للسيارة والدراجة، فإن التذمر والغليان هو السمة البارزة، بحكم حجم الضياع الذي يهدره المرء في التنقل والاختناق المروري بالعاصمة الاقتصادية، لفشل الأجهزة العمومية في إخراج المشاريع الواردة في المخطط المديري في الآجال المحددة وعدم توفير الأغلفة المالية اللازمة.

مثلا، كان من المفروض أن يرى القطار الجهوي السريع RER الرابط بين المحمدية ومطار محمد الخامس عبر زناتة والبرنوصي والقطب المالي والكليات وسيدي معروف وبوسكورة النور في عام 2013، وها نحن على مشارف 2025، ولم تنجز حتى الدراسات التقنية الخاصة بالمشروع، فأحرى إعلان الصفقة واختيار الشركات الفائزة  والبدء في إنجاز الورش.

نفس الأمر يصدق على المحاور الطرقية الكبرى (les pénétrantes)، وعلى الطريق الدائري المنصوص عليه في وثائق التعمير والمعلق إلى يومنا هذا، وأقصد بذلك طريق 40 (أي La voie de 40)، الممتدة من حي النسيم إلي أناسي مرورا بتراب سيدي معروف وعين الشق وبنسميك وسيدي عثمان والهراويين بمحاذاة شريط المدار الجنوبي الغربي، إذ رخصت الدولة لعشرات الآلاف من الوحدات السكنية، دون أن يصاحب ذلك التقيد بتوفير المونطاج المالي لإخراج المشاريع المذكورة لتلبية الطلب وتخفيف عذابات المواطنين.