قضايا

الليبيون في المغرب.. في مدرسة الوساطة المغربية

عادل الزبيري/ بوزنيقة

لماذا يأتي الليبيون إلى المغرب؟ وتحديدا إلى مدينة بوزنيقة، على المحيط الأطلسي، الواقعة بين العاصمة الرباط وبين العاصمة الاقتصادية الدار البيضاء!!!

في بداية القصة لا بد من الرجوع إلى التفاصيل الأولى؛ فبعد سقوط النظام الليبي السابق لامعمر القذافي، وجد الليبيون أنفسهم لأول مرة، أمام تمرين غير مسبوق لمحاولة التفاوض، بطريقة غير مباشرة، بوساطة من دبلوماسي إسباني، يحمل قبعة الأمم المتحدة، في بلدة اسمها الصخيرات في المغرب.

ففي الصخيرات المغربية، بداية كتابة تاريخ جديد لمسار من المفاوضات السياسة الليبية الليبية، خارج ليبيا، عبر غرف مغلقة، وفرق متباعدة، قبل أن ينجح المغرب مع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، في إجلاس الطرفين الليبيين لأول مرة وجها لوجه، في قاعة واحدة.

احتاج المنظمون المغاربة، بشراكة مع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، إلى نفس طويل جدا، على مقاس الماراطون، وفق مقاييس الألعاب الأولمبية.

حمل الليبيون من الصخيرات المغربية الكثير من الآمال، إلى وطنهم ليبيا، في كل رحلة ذهاب وإياب، وكثير تشجيع مغربي على المضي قدما لكتابة اتفاقات مشتركة، من أجل ليبيا قابلة للتعايش، بعيدا عن لغة الرصاص والفرقة السياسية.

فيعد أشهر طويلة، ومفاوضات ماراطونية، وتكتم شديد، وتسريبات وتسريبات مضادة من فرق المتفاضين، جاءت لحظة تاريخية واستثنائية، اتفاق سياسي لولادة خريطة سياسية للذهاب بليبيا إلى مرحلة جديدة.

فأصبح على لسان جيل من السياسيين الليبيين عبارة اتفاق الصخيرات، لازمة ضرورية، باعتبار أن الليبيين أصبح لديهم مرجعية سياسية مشتركة يرجعون لها.

وفي العام 2021، بعد تراجع ولو قليل لأزمة جائحة أغلقت العالم، فيروس كورونا، عاد الليبيون من جديد إلى بلدة مغربية جديدة، ابتعد الليبيون أكثر عن الرباط، واقتبروا أكثر من مدينة الدار البيضاء، بلدة بوزنقية، في مسار سياسي جديد، للخروج من الجمود السياسي، وانقسام سياسي من المؤسسات.

أعطى المغاربة كعادتهم المساحة الكافية، والزمن الوفير، من أجل أن يجلس الليبيون وفق صيغة 6 + 6، بعيدا عن منطق الغرف المغلقة؛ ليبيون يفاوضون ليبيين.

احتاج الليبيون إلى وقت سياسي للتفاوض من 2021 إلى بداية صيف 2023، في بلدة بوزنيقة، في قرية للمؤتمرات، جرى تحضيرها مغربيا بشكل احترام الخصوصية، واهتم بأدق التفاصيل، لتوفير شروط تساعدة كل السياسيين الليبيين.

بالتأكيد أن جيلا مؤسسا لليبيا الجديدة، أتقن فنون التواصل السياسي والتفاوض تخرج من الصخيرات ومن بوزنيقة المغربتين.

في كل مناسبة يؤكد المغرب دبلوماسيا لازمة أن الرباط لا تملك رؤية ولا مشروعا ولا مقترح حلول، ولا تتدخل في الشؤون السياسية الداخلية الليبية، ولا تمارس أي ضغوط على أي طرف في الملف الليبي.

يملك المغرب صبرا طويلا في التعاطي مع الملف الليبي، يستقبل جميع الأطراف، وكل الوسطاء الدوليين الذين تعاقبوا على حمل قبعة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.

ستبقى مدرسة المغرب في دبلوماسية الوساطة نموذجا إفريقيا وعربيا، في سياق التحولات الكبرى التي دخل فيها العالم العربي منذ العام 2011.

ففي الصخيرات وفي بوزنيقة المغربيتين جرى بناء مدرسة مغربية غير مسبوقة في الوساطات السياسية الدولية للدول التي تعيس انقسامات على خلفية التحولات الكبرى في الأنظمة السياسية.