في عالم السياسة المغربية، حيث تتقاطع الأجندات وتتداخل المصالح، يبرز عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، كإحدى الشخصيات التي لا تتوقف عن مفاجأتنا... لغة وأسلوبا....
فخرجاته التي تشط عن العقلانية أحيانا وفيها من مسرح " البساط" أكثر ما فيها من مقاربة نقدية متماسكة، تسهم في الرقي بالنقاش العام السياسي.. تجعلنا نخاف من الشعبوية القاتلة...
خرجاته... قهقهتاته... لازمته " واش فهمت" تحول خطابه إلى عرض كوميدي حيث يلعب فيه اليزمي دور الملقن " souffleur".
وضع يجعلنا نسائل المنظومة الحزبية عن سريالية أي تناوب ممكن...
صاحب التقاعد السمين، الذي ما انفك يدافع عن الأرامل أقول كان على موعد مع عرض خاص لم يكن في الحسبان... مع العبث... مع غضب بلغة الشوارع...
لا جدال بالتي هي أحسن...
اعتبرنا يا فقيه " الجاهلين" واعرض عنا...!
فبدلًا من تناول القضايا الوطنية بجدية، قرر بنكيران أن يوجه سهامه نحو الصحافيين بطريقة زنقاوية...
كأنه في خصام في حارة شعبية...
ما العيب أن ينتقدك صحفي ولو لخدمة جهة ما...؟
وليكن...!
كن أنت المحنك... ولا تنعت فحشا ولا تهكما...
أنسيت" ولا يسخر أحد...."؟
مما جعلنا نتساءل: هل نحن في حوار سياسي أم في عرض كوميدي أم كليشيات لغوية متكررة ...؟
خرجته تذكرنا بمقولته الشهيرة تحت قبة البرلمان في وجه برلمانية" ديالي كبر من ديالك..."
نعيب على وهبي وأخنوش زلاتهما، وننسى أن الفقيه كانت له زلات تنهار لها الجبال...
ماذا وقع للطبقة السياسية...؟
فبنكيران تحول من النقاش الجاد إلى لغة "برهوش"...
كان من المتوقع أن يتناول بنكيران قضايا مثل البطالة أو التعليم أو حتى الأزمات الاقتصادية...
لكن يبدو أن الصحافة كانت محور حديثه بشكل غير متوقع...
فبدلاً من ذلك، أطلق تعبيرًا غريبًا أذهل الجميع: "برهوش"...
حتى مرجعيته الحزبية الدينية ترفض ذلك...
التنابز... المس بالشرف... الإهانة... الغضب...
مهما ظُلمت لا تكن فاحش اللفظ...
مهما ظلمت قل سلاما... وامض
أهي الشيخوخة.... أم تعطل بوصلة القيم والمنهجية... لا ندري...؟
رجاء... دع النقاش العام لبوانو...
واصمت... فكلما تكلمت فحشت قولا... وهرجت حتى سقطت...
البرهوش في عاميتنا تعني اللقيط
اتق الله يارجل...!
نعم...لقد سمعتم ذلك بشكل صحيح! في زمن تتزايد فيه التحديات السياسية والاجتماعية، اختار بنكيران أن يُعبر عن استيائه بهذه الطريقة...
اليست الكلمات سلاح السياسة...؟
ففي عالم السياسة، تُعتبر الكلمات أسلحة قوية...فتاكة... لك وعليك... تعري أو تستر... تلمح بما لا يمكن التصريح به....
ولكن يبدو أن بنكيران قرر استخدام سلاحه بطريقة مبتذلة، بدلاً من توجيه النقد نحو السياسات أو القرارات الحكومية، اختار أن يوجه سهامه نحو الصحافيين وكأنهم خصومه في ساحة المعركة...
حشومة...عيب... عار عليك...
حتى وإن ازعجك الصحافي...
حتى ولو خدم أجندة مناقضة لك...
كن لبيبا... حصيفا... حكيما... فأنت مربٍّ قبل كل شيء ...
هل كنت تعتقد أنك بهذا ستكسب تعاطف الجمهور؟ أم أنه كنت تحاول إلهاء الناس عن القضايا الأكثر أهمية.... ؟
ففي زمن تتزايد فيه التحديات السياسية والاقتصادية في المغرب، كان من المتوقع أن يتناول بنكيران قضايا ملحة... لكن بدلاً من ذلك، انزلق الخطاب إلى مستوى لم يكن يتوقعه أحد...
كيف يمكن لسياسي بارز أن ينحدر إلى استخدام ألفاظ مثل "برهوش"؟ هل هذه هي الطريقة الجديدة للتواصل مع المجتمع؟
يبدو أن بنكيران قد اكتشف طريقة جديدة لجذب الانتباه... أو نسي الله والدين والرحمة والتربية على القيم والقدوى وجادلهم بالتي هي أحسن...
من عمق النقاش إلى عمق الإهانة... أسلوب أصبح مخيفا...
لكن ما حدث كان بعيدًا عن الجدية والحكمة.... بعيدا عن أي مقاربة حوارية تأسيسية...
نعم... مرحلتك فيها أعطاب... واختلالات...
عادي جدا.... هذه هي السياسة...
فحين تحكم تفقد شعبيتك...
فلمَ تحولت النقاشات إلى ساحة لتبادل الإهانات بدلاً من الأفكار....؟
فأنت المربي... تحمل شبابنا، فلا تقسُ عليهم....
أخاف أن تكون هذه محاولة لتصوير نفسك كضحية للصحافة..
ربما مجرد زلة لسان... ربما تعتذر...
فكلمة "برهوش" عبارة سحرية...سلاح الجباء الرادع...
كلمة ...قاتلة للكرامة والكبرياء...
اتق الله.... يارجل....!
لا تغضب... لا تغضب... لا تغضب...
استخدامك لكلمة "برهوش" أثار موجة من السخرية والانتقادات... وتعلم ذلك... سود كلامك تفز... بأجر الكلمة الطيبة...!
كيف يمكن لسياسي مثلك بارز أن يستخدم مثل هذه الألفاظ؟
هل هذا هو المستوى الذي وصل إليه النقاش السياسي في المغرب؟
يبدو أن بنكيران أراد أن يُظهر قوته من خلال إهانة الصحافيي...
لكنه انتهى به الأمر إلى إظهار ضعفه...
سنضحك على الموقف كالعادة ففي النهاية، يمكن القول إن تصريحات بنكيران كانت بمثابة هدية للصحافيين الذين وجدوا في ذلك فرصة للسخرية والتعبير عن استيائهم...
بينما كان الأمين العام يحاول توجيه النقد، انقلب السحر عليه... وأصبح موضوعًا للسخرية...
ربما حان الوقت لأن يدرك السياسيون أن الكلمات لها وزنها وأن النقد البناء هو الطريق الأفضل للتواصل مع المجتمع....
ففي عالم السياسة المغربية، يبدو أن "برهوش" قد تصبح كلمة مرور جديدة للدخول إلى عالم السخرية والنقد اللاذع!
بنكيران... اتق الله...!