إن المتتبع لما يقع حاليا من نقاش وسجال وصراع حول قانون الإضراب الجديد يعلم جيدا أننا نتحدث عن أهم الحقوق الاجتماعية والنقابية والسياسية بل عن السلاح السلمي الاجتماعي الوحيد للتغيير وتغييبه يعني ما يعني من مخاطرة مجتمعية وحكومية لم يتجرأ أي طرف حكومي سابق على المس بها في أحلك الظروف الحقوقية التي عرفها المغرب.
فمشروع القانون الجديد والنقاش الدائر حوله حاليا بالمؤسسة التشريعية هو محاولة لتسريع مسطرة أهم قانون تنظيمي في غياب نقاش عمومي شامل، فتسريع سحب مشروع قانون الإثراء الغير مشروع في مقابل تسريع مسطرة المصادقة على القانون التنظيمي للإضراب يضع عدة علامات استفهام عن المغزى الحقيقي من الضغط نحو تمريره؟؟؟؟.
والصيغة الحالية التي لا يمكن إلا اعتبراها "مشروع تجريم الحق في الإضراب وتحديد شروط منع ممارسته" بدل تسميته "مشروع قانون تنظيمي بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في الإضراب ".
و هنا لابد من التطرق للمقتضيات التي جاء بها المشروع وعنوانها العريض منع ممارسة الحق في الإضراب:
النقطة الأولى: أين اختفت الإشارة للمرجعية الحقوقية والدستور للحق في الإضراب؟.
النقطة الثانية: تعريف الإضراب كحق دستوري مسألة غير مستحبة في نص قانوني بهذه الأهمية، لأنه يمكن من خلال التعريف التضييق على الممارسة من خلال تضييق نطاق المفهوم، وهو ما وقع فعليا من خلال ربط اهداف الإضراب بالمطالب المهنية والاقتصادية المباشرة وهو يعني منع أشكال عدة من الإضراب منها الإضراب التضامني والسياسي لأن السؤال المطروح أليست القررات التي تمس القدرة الشرائية والأجور قرارات سياسية تحتم ممارسة الإضراب كرد فعل عمالي لكن بروح سياسية؟.
النقطة الثالثة: ماذا يعني إطلاق يد السلطة التنفيذية لمنع وإيقاف الإضراب واعتصامات الإضراب وهي الحكم والخصم في ان واحد، رغم أن من له حق فحص مشروعية الممارسة هو القضاء وليس السلطة التنفيذية. وبالتالي محاولة تقزيم الدور الدستوري للقضاء في مقابل تعزيز قدرة السلطة التنفيذية.
النقطة الرابعة: تضمين 12 مادة عقابية من أصل 49 مادة يؤكد أن الهدف من التشريع هو التجريم وبالتالي تحول المشروع من مشروع "تقنين" إلا مشروع "تجريم ومنع وتكبيل".
النقطة الخامسة: ربط الممارسة بالتمثيلية يناقض منطق الدستور لأن الإضراب حق للجميع وليس حكرا على من له تمثيلية وسابقة خطيرة لم تقع في أي نظام قانوني مقارن، بل هي احتكار ممارسة الحق في الإضراب يحتاج خلق مجلس منافسة اجتماعي لمنع الاحتكار. فبالاظافة لتخصيص مواد لتحديد الفئات التي يمنع عليها ممارسة الحق في الإضراب. فحتى من له الحق خارج هذه المواد سيمنع من ممارسة الحق لأنه لا ينتمي لنقابة أكثر تمثلية. حتى أصبحث التمثيلية مبدأ مقدسا أكثر من المادة 29 من الدستور.
النقطة السادسة: فلم يكتفي المشرع بما سبق من شروط لمنع الإضراب، بل حتى من سمح لهم بالإضراب على قلتهم سيجدون أنفسهم مضطرين للتقيد بشروط عديدة ومجحفة منها الحفاظ على الحد الادنى من الخدمة وآجال طويلة قبل ممارسة الإضراب، ليغلق بذلك باب الممارسة ويصبح القانون التنظيمي قد قضى نهائيا على مقتضى دستوري.
هذه خلاصة هذا المشروع و خلاصة التسرع التشريعي و دفن السياسي للنقابي، وبالتالي إعدام العمل النضالي والنقابي.