بمعنى أنه لا يزال لا يُفرِّق بين السياسة والدين، أي يستعمل هذا الأخير لمحاولة التَّأثير على عقول الناس لعل وعسى أن يَصطَفوا بجانبه للعودة إلى ما كان عليه حين احتل الصدارةَ في الانتخابات التَّشريعية وترأس الحكومةَ لوِلايتين متتاليتين.
لكن ما لم يُدركه هذا الحزب، هو أن احتلالَه للصَّدارة في الانتخابات التَّشريعية، جاء نتيجةً لكون المغاربة كانوا يريدون التَّغييرَ في السياسات العمومية. بمعنى أن المغاربة صوَّتوا لصالحِه لأنهم كانوا متعطِّشين للتغيير، أي أنهم لم يُصوِّتوا لصالِحه لأنه له مرجعية دينية. لماذا؟
لأن المغاربة مسلمون ومتشبِّثون بالإسلام منذ قرون، أي ليسوا في حاجة لحزبٍ سياسي لتعزيز تشبُّثِهم بهذا الدين. المغاربة يرون في السياسةِ، كباقي سكان المعمور، عاملا أساسياً لتغييرِ ظروف عيشهم من حسنٍ إلى أحسن.
والجملة التي هي عنوانُ هذه المقالة، محاولةٌ يائسة للتأثير على عقول الناس لعلهم، كما سبق الذكرُ، يصطفون إلى جانبه لتعزيز حظوظه في الانتخابات التَّشرعية المُقبِلة.
غير أن هذه الجملة، إذا أخضعناها لتحليلٍ عميقٍ، سنجِد أن المرأةَ لا حظَّ لها في الدنيا وعليها أن تنتظرَ يومَ الحسابِ ليُمكِّنَها اللهُ، سبحانه وتعالى، من أجرها جزاءً على ما كانت تقوم به من أعمالٍ في الدنيا.
وإذا تعمَّقنا أكثر في تحليل هذه الجملة، فالرَّجل هو الذي من حقِّه أن ينالَ أجورَه، أو بعبارةٍ أخرى، الرجل هو الذي يتمتَّع بحقوقِه في الدنيا قبل الآخِرة. فماذا يمكن استخراجُه من أفكار مُبيَّتة من هذا التَّحليلُ؟
من خلال هذا التَّحليل، يمكن أن نستَخرِجَ ما لم يتم الإفصاحُ عنه، علانيةً، من أفكار وتوجهات الأمين العام لحزب العدالة والتنمية. والأمين العام لهذا الحزب، عندما يتحدَّث عن سياسة البلاد، فإنه يصبح ناطِقا رسميا باسم حزبه. ولهذا، فعندما يُوجِّه الأمين العام كلامَه أو خطابَه للجمهور المغربي في قضيةٍ من القضايا السياسية، فإنه يُخاطبهم باسم حزب العدالة والتنمية لينقلَ له توجُّهات حزبه حول هذه القضايا. ونفس الشيء ينطبق على خطابه حول وضع المرأة المغربية المسلمة.
وما لم يتم الإفصاحُ عنه، علانيةً، في خطاب الأمين العام لحزب العدالة والتنمية حول وضع المرأة، أو حين نطق بجُملة "المرأة أجرُها على الله"، أشياءٌ كثيرةٌ أذكر من بينها ما يلي :
1.حزب العدالة والتنمية لا يزال يؤمن إيماناً راسخا بالذكورية machisme ou patriarcat. والذكورية هي نوعٌ من الإيديولوجيا يعتقد أصحابُه أن الذكرَ له ما يكفي من الصِّفات ليفرضَ سيطرتَه على المرأة في المجتمع.
2.إذا كان على المرأة أن تنتظرَ يوم الحساب لتنال أجرَها من الله، فهذا معناه أن هذه المرأة لا دورَ لها في المجتمع، بل لا قيمةَ لها فيه. وقد سبق للأمين العام لحزب العدالة والتنمية أن قال إن المرأةَ مكانُها الطبيعي هو البيتُ لخدمة الرجل والاستجابة لنزواته، وإنجاب الأطفال والاعتناء بهم.
3.و وضعُ المرأة هذا يجعل منها كائنا حيا ثانوياً لافرقَ بينها وبين إِناث الحيوانات الثَّديية les mammifères التي هي الأخرى تُنجِب الصِّغارَ وتعتني بهم. وهذا ما يجعل سيطرةَ الرجل على المرأة، سيطرةً مطلقة إذ كل القرارات التي تخص الحياة الزوجية مصدرُها هو الرجل، وما على المرأة إلا الطاعة والامتثال.
4.إذا كانت المرأة لا تلعب، حسب حزب العدالة والتنمية، أي دورٍ في المجتمع، فهذا يعني أنها كائنٌ حيٌّ ناقص البنية بالمقارنة مع الرجل. بل إن كثيرا من عقليات علماء وفقهاء الدين تعتبر المرأةَ ناقصةَ عقلٍ ودينٍ. وهذا الاحتقار نجده مُجسَّدا في أقوال هؤلاء العلماء والفقهاء، وفي إنتاجاتِهم الفكرية والفقهية وفي تمثُّلاتِهم الاجتماعية leurs représentations sociales.
5.حزب العدالة والتنمية لا يعترف بالواقع، ولو كان هذا الواقع صارخاً ولا يحتاج إلى مَن يجلِّيه للناس الذين يتوفَّرون على عقولٍ سليمة، نيِّرة ومستنيرة. بمعنى أن هذا الواقعَ يتحدَّث عن نفسِه بنفسِه. بل يتناقض مع أفكار وتوجُّهات حزب العدالة والتنمية. بل يتناقض، كذلك، مع ما جاء به الدينُ الإسلامي في موضوعِ دورِ المرأة في المجتمع. والواقع فيه ربَّآت بيتٍ وفيه نساءٌ خرجن إلى سوق الشغل منذ عقودٍ وأصبحن يضاهين الرجالَ في خدمة الصالح العام.
وعلى ذكر الصالح العام، أقترح على القارئ آيتين من القرآن الكريم تُبيِّنان، بوضوح، أن المرأةَ، شأنُها شأنَ الرجل، لها دورٌ في المجتمع، بإمكانِها أن تلعبَه في الكثير من المجالات.
الآية الأولى : "مَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَـٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا" (النساء، 124).
الآية الثانية : "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (النحل، 97).
في هاتين الآيتين، كلِمتا "صالحات" و"صالح" تعنيان كل عملٍ يقوم به الرجل أو المرأة، وفيه نفعٌ لهما معا، وفي نفس الوقت، فيه نفعٌ للمجتمع برُمَّته، بل قد يكون فيه نفعٌ للبشرية جمعاء.
فلماذا حزب العدالة والتنمية، ذو المرجعية الدينية، يتنكَّر لما جاء في كتاب الله؟ لا هو احترَمَ تَسمِيَتَه ولا هو احترَمَ مرجعِيتَه! يبدو أن حبَّ السلطة أقوى من كل شيء.