رأي

الصادق العثماني: الإسلام والعقلانية

العقل في الإسلام يحتل مكانة عظيمة، حيث يُعتبر من أعظم النعم التي وهبها الله للإنسان، وهو أساس التكليف والتمييز بين الخير والشر، فالإسلام يكرم العقل ويحث على استخدامه في التأمل والتفكر والتدبر للوصول إلى الحقائق والمعرفة؛ ولهذا تعتبر العقلانية في الإسلام إحدى السمات الجوهرية التي تشكل جزءاً من نظرة الإسلام إلى الإنسان والحياة. فالإسلام كما يعلم الجميع يدعونا إلى التفكير والتأمل، ويحث على استخدام العقل في فهم الدين والدنيا، مع وضع إطار يضمن التوازن بين النقل (الوحي) والعقل، ولهذا يقول ابن رشد: " الله لا يمكن ان يعطينا عقولًا و يعطينا شرائع مخالفة لها" فكلام الفيلسوف المسلم ابن رشد يعبر عن مبدأ عميق في الفلسفة الإسلامية، وهو التوافق بين العقل والنقل، هذا المبدأ يعكس نظرة الإسلام إلى العلاقة بين الوحي والعقل، حيث يرى أن الله سبحانه وتعالى الذي خلق العقل وأمرنا باستخدامه هو نفسه الذي أنزل الشرائع، وبالتالي لا يمكن أن يتعارض الوحي مع العقل السليم. فالله سبحانه وتعالى منح الإنسان العقل كوسيلة لفهم العالم وإدراك الحقائق. فإذا كانت الشرائع منزلة من الله، فلا يمكن أن تكون متناقضة مع العقل الذي خلقه الله، لأن المصدر واحد. ويرى ابن رشد أن الشريعة هي تجسيد للحكمة الإلهية، وأن الغاية من الدين هي تحقيق الخير للإنسانية، لذلك، أي نص شرعي يجب أن يُفهم في إطار تحقيق مصالح الناس ودفع الضرر عنهم. ولهذا أقول شخصيا وبدون مواربة ان أغلب القوانين الوضعية في الدول الوطنية الحديثة اليوم هي غير مخالفة لمقاصد الشريعة الإسلامية؛ لأن دين الله وشريعته الغراء جاءت

خدمة لقيم الرحمة والتسامح والحرية والكرامة والمساواة والعدل، وأينما يكون العدل فثم شرع الله، يقول ابن القيم: “إن الله سبحانه وتعالى أرسل رسله وأنزل كتبه؛ ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذى قامت به الأرض والسموات، فإذا ظهرت أمارات العدل وأسفر وجهه، فثم وجه الله ودينه ورضاه وأمره”. وفي هذا السياق يقول الإمام الغزالي رحمه الله : " إن شريعة الله عدل كلها، ورحمة كلها، مصالح كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن دخلت فيها بالتأويل، فالشريعة عدل الله في عباده، ورحمته بين خلقه" فهذه المدرسة العقلانية التي أسسها الفيلسوف ابن رشد ساهمت بطريقة أو بأخرى في نهضة أوروبا وبعض الدول في أمريكا اللاتينية، فهل يمكنها أن تساهم اليوم في نهضة بعض دولنا العربية والإسلامية التي كان أحد فلاسفتها منشئها ومبدعها ورائدها؟!.