رأي

عزيز الرباح: مغرب الحضارة .. المغرب و موريتانيا، رسالة إلى النخب انتماء مشترك ومستقبل واعد

تحظى دينامية التواصل المتنامية بين المغرب وموريتانيا باهتمام كبير لدى الرأى العام في البلدين وأيضا لدى الدول الأفريقية والعربية والغربية ، وذلك راجع إلى مايمكن أن تسفر عنه هذه الدينامية من انعكاسات مؤثرة محليا وإفرقيا ودوليا. 

فالكثير من المتتبعين والداعمين لهذه الدينيامية مقتنعون بأنها تنبني على أسس متينة ومتعددة وقد تستعصي على كل محاولات الإحباط والعرقلة والتشويش من أطراف داخلية وخارجية.

أولا: الانتماء والهوية: مما لا شك فيه أن المشترك التاريخي المتجدر بين البلدين و المؤسس على الدين والمذهب المالكي والقبائل والثقافة والبعد الصحراوي والتقاليد، يقوي القناعة بوجود شعب واحد في دولتين كما أن الأواصر المتينة إذا ما تعززت بعمل استراتيجي مشترك و تقوت بإشعاع ديني و ثقافي في إفريقيا وخاصة في الساحل وغرب إفريقيا فستحفظ لها وحدتها الروحية من الاختراق المذهبي والطائفي والتطرف.

ويمكن ان يرتكز هذا العمل المشترك على إحداث مراكز وبرامج دينية تقوي الوصال بين المؤسسات الدينية للتعاون في الاجتهاد في المذهب المالكي وتقوية التدين وتجديده وترسيخ القيم الدينية.. كما يمكن أيضا أن ينبني على عمل ثقافي يطور الإبداع وينمي الموروث الثقافي ويبرز غناه وتنوعه وخاصة مايزخر به البلدين من مخطوطات لا حصر لها.

ثانيا: المبادرة الإفريقية الاطلسية التي أطلقتها المملكة تعزز الموقع الاسترتيجي للبلدين

فالموقع الاستراتيجي للبلدين والجوار البحري والبرية بينهما جعلا منهما الممر السلس للتجارة الافريقية والعالمية ، لأن الحاجة ملحة لخلق الشراكة والتكامل بين مينائي الداخلة ونواديبو وإنشاء محطات لوجيستيكية وخدماتية فيهما وعلى طول الطرق في أفق تطوير الشبكة السككية.

ويمكن ذالك إفريقيا خاصة وسطها وغربها من تطوير قدراتها اللوجيستية للتصدير والتحكم في كلفتها التي تعيق الاقتصاد الافريقي حاليا.

ثالثا: الطاقات المتجددة وخاصة في مجالات الهيدروجين والطاقة الشمسية والبحرية والريحية، تعرف وستعرف إقبالا متزايدا من طرف الشركات الوطنية والدولية لإنتاج الهيدروجين والكهرباء ، ويفرض ذلك تنسيقا محكما من البلدين والمؤسسات ذات الصلة للتعاون التشريع والتقني وتبادل التجارب وتفادي الاختيارات السلبية وتقوية قدراتهما التفاوضية وأيضا تشجيع إنشاء شركات مشتركة تعطي لها الأولوية في الاستثمار تطبيقا للأفضلية الوطنية في المشاريع الكبرى بالخصوص.

رابعا: الكهرباء والغاز: 

بالإضافة إلى التزام البلدين بالعمل سويا للاشتراك والدعم والتيسير في إنجاز مشروع أنبوب الغاز النيجيري المغربي، يفتح إنتاج الغاز في موريطانيا فرصة كبيرة للمغرب من أجل التزود منه للاستجابة لحاجياته المتنامية في قطاعي إنتاج الكهرباء والصناعة. كما أنه يمثل فرصة لتزويد أوروبا التي تحاول تنويع شركائها في هذا القطاع نظرا للتوترات العالمية وتتيح أيضا الاستثمارات المتصاعدة في المغرب و موريطانيا فيما يتعلق بإنتاج الكهرباء من مصادر الطاقات المتجددة وخاصة الشمسية والريحية، كما تتيح هذه الاستثمارات إذا ما تقرر تعزيزها بالربط الكهربائي بين البلدين إمكانية تزويد البلدين وأوربا بالكهرباء *النظيفة*، وإفريقيا بالخصوص التي يزداد الطلب فيها على الكهرباء في كل المجالات كالسكن والخدمات والصناعة.

خامسا: الشراكة من أجل الأمن الغذائي للبلدين بإطلاق مشاريع مشتركة والتعاون وتشجيع الاستثمار والبحث العلمي واستعمال التقنيات الحديثة في قطاعي الفلاحة والصيد البحري.

فالمؤهلات الكبيرة والمتنوعة التي يملكها البلدين برا وبحرا وأيضا حصيلة تقييم البرامج والمخططات السابقة والحالية وتحديات التغيرات المناخية وإلزامية حماية واستدامة الثروات الطبيعية وترشيد استهلاك المياه واستغلال الأراضي وارتفاع الطلب المحلي والإفريقي والعالمي على الغذاء المتحكم في جودته وكلفته، كل ذلك يتيح فرصة تاريخية لإطلاق خطة عذائية مشتركة مدعومة بالحلول النوعية التي يتيحها قطاع الفوسفاط.

سادسا: التكامل المعدني خاصة في الفوسفاط والحديد والمعادن النفيسة سيمكن من إحداث إحدى أهم المواقع الاستراتيجية في العالم مدعومة بالإمكانيات الطاقية المتوفرة لدى البلدين والمؤهلات اللوجيستية كالموانيء خاصة ، مما يعجل البلدين مؤثرين إيجابيا في الاقتصاد العالمي الذي يحتاج إلى هذه المعادن من أجل الاستجابة للحاجيات الضرورية والمتجددة في قطاعات الفلاحة والصناعة والطاقة والبناء.

فالضرورة ملحة لإبرام شراكة ثنائية لتطوير اللوجيستيك المعدني كالنقل والتخزين، وإقامة مدن صناعية لتثمين المعادن محليا. هذا بالإضافة إلى تطوير التعليم التقني وتأهيل الموارد البشرية وإحداث برامج البحث والتطوير في قطاع المعادن.

سابعا: الأمن الوطني والإقليمي يعتبر من أولويات المرحلة نظرا للتهديدات الخطيرة التي تمثلها الحركات الانفصالية والمنظمات المتطرفة والمؤامرات الانقلابية والميليشيات العابرة للقارات والاختراقات الأجنبية على أمن البلدين وإفريقيا ووحدة دولها خاصة في الساحل وغرب إفريقيا.

ولا شك أن البلدين يعملان على تعزيز اليقظة والرصد وتقوية الاستخبارات والقدرات الأمنية والعسكرية والوعي المجتمعي لمواجهة كل محاولات التهديد لأمنهما واستقرارهما وخاصة أن الجزائر تحتضن حركة انفصالية مسلحة تحاول اختراق الحدود الموريطانية.. أضف إلى ذلك انتشار الحركات المسلحة والانفصالية والمتطرفة في دول الجوار..

ثامنا: النخبة الصاعدة في كل إفريقيا عموما وفي البلدين تزداد اقتناعا بمد جسور الثقة والتعاون والشراكة فيما بينها من أجل نهضة إفريقيا بمنهجها المستقل وبقدراتها المحلية وتراثها المادي واللامادي الذي تزخر به . 

وقد بدأت تعرف إفريقيا بعض المبادرات في هذا الاتجاه بين الدول المجاورة كخطوات أولى لتمتد بعد نجاحها إلى محيطها لتكون دينامية الشراكة التكاملية بين المغرب وموريطانيا واحدة من أهم مفاتيح النهضة الإفريقية.

فالأمل معقود على النخب الدينية والسياسة والثقافية والاقتصادية لبناء المستقبل المشترك الواعد .