فبداية عمدت أبواق النظام العسكري الجزائري إلى الترويج لمراسلة مزيفة بين سفارة المغرب في القاهرة ووزارة الخارجية في الرباط، تزعم من خلالها وجود مخططات مغربية تستهدف استقرار مصر وتأليب الرأي العام المصري ضد النظام في هذا البلد.
ورغم أن الكشف عن زيف هذه الوثيقة المزعومة لا يتطلب جهدا كبيرا، إلا أن الترويج لها وعلى نطاق واسع بين أنصار النظام الجزائري، يعكس مستوى اليأس الذي بلغه قصر المرادية في سعيه للتأثير على علاقات المغرب مع شركائه الإقليميين، وعلى رأسهم مصر، في محاولة لصرف الأنظار عن الأزمات المتراكمة التي تعيشها الجزائر، ومحاولة عرقلة الدور الإقليمي المتصاعد للمغرب باللجوء إلى أساليب مبتذلة وغير أخلاقية تعكس حالة الانهزامية التي يعيشها هذا النظام الذي تآكل حلفاؤه وخسر كل أوراقه في مواجهة الرباط.
إن التحقق من زيف هذه الوثيقة التي تم ترويجها من طرف أبواق النظام الجزائري بطريقة سخيفة ليس بالأمر الصعب. ولذلك، فإن هناك غيابا شبه كلي للتفاعل معها داخل الأوساط الإعلامية والشعبية في مصر، لأن المقصد من وراء ذلك واضح وينطوي على نية مبيتة لتجييش الشعب المصري ضد المملكة المغربية”.
كما أن هذا الأسلوب الذي ينتهجه النظام الجزائري عبر أنصاره، وحتى إعلامه الرسمي، الذي أصبح يروج لأخبار مغلوطة ويتلاعب بالوقائع، بات مكشوفا ويعكس الحالة الانهزامية التي يعيشها هذا النظام كما أن ترويج هذه الوثيقة المزورة يهدف إلى تحوير النقاش الداخلي في الجزائر والتغطية على تنامي الغضب الشعبي وصرف النظر عن الخسائر التي مُني بها هذا النظام في قضية الصحراء، التي استنفد فيها كل أوراقه وصار يلجأ إلى أساليب حقيرة لشيطنة المغرب”.
كما أن محاولة تأليب مصر ضد المغرب ليست بالأمر الجديد؛ إذ سبق للأبواق الإعلامية في الجزائر أن شنت حملة تحريض ضد المملكة على خلفية التقارب الأخير بين المغرب وإثيوبيا، محاولة استغلال الأزمة بين القاهرة وأديس أبابا حول سد النهضة، كما أن ادعاء استعمال المغرب أساليب تستهدف مصر هو مجرد محاولة لإدخال المملكة في فلك النظام الجزائري نفسه وممارساته التخريبية في المنطقة.
كما أنه لاشك أن النظام الجزائري سعى أكثر من مرة إلى دق إسفين في العلاقات المغربية المصرية، في إطار محاولته تحييد الرباط من ساحة التنافس الإقليمي، خاصة في ظل تنامي الأدوار المغربية في المنطقة، وهو ما يعكسه دور المغرب في ليبيا ووساطته في بوركينا فاسو لإطلاق سراح مواطنين فرنسيين، ثم الوساطة مع النيجر لإطلاق سراح الرئيس المخلوع محمد بازوم .
أما عن ما يمكن أن نصفه بالمغرب العربي الثلاثي الميت، فعلى بعد أشهر قليلة من التصريحات التي أطلقها وزير الخارجية الجزائرية، وعبر فيها عما أسماه “استعداد بلاده لمواصلة البناء المغاربي عبر الإسراع في إيجاد حل للخلاف مع المغرب يحقق التآخي ومواصلة تحقيق الحلم المغاربي”، استغل الرئيس الجزائري قمة الدول المصدرة للغاز التي احتضنتها بلاده لعقد مشاورات مع الرئيس التونسي ورئيس المجلس الرئاسي في ليبيا، حيث اتفقوا على عقد لقاءات مغاربية كل ثلاثة أشهر، ستحتضن تونس أولها بعد شهر رمضان القادم؛ فيما غاب كل من المغرب وموريتانيا.
وفي وقت لا يمكن معه اعتبار هذه الخطوة الجزائرية إلا كونها تروم محاصرة المغرب في عمقه المغاربي في حين أن مناقشة أوضاع المنطقة ووضع التصورات المرتبطة بمستقبلها، إن على المستوى الاقتصادي أو السياسي أو حتى الأمني، لا يمكن أن يكون إلا في إطار الاتحاد المغاربي وبحضور دوله الخمس، واستبعاد المغرب وكذا موريتانيا من هذه المشاورات التي تحاول الجزائر نكاية في المغرب قيادتها، لا يمكن أن نقرأه سوى في إطار كونه محاولات الجزائر تقسيم المنطقة وإفشال “الحلم المغاربي”، وتوريط جيرانها في لعبتها السياسية المكشوفة.
كما أن استبعاد عضو مؤسس لاتحاد المغرب الكبير وهو المغرب يعد من مقاصد السياسة والمنطق الجزائريين، إذ تحاول الجزائر خلق اتحاد مغاربي بديل ينكر حق الرباط في وحدة أراضيها، كما أن النقاش وتبادل الأفكار بين مختلف الدول المغاربية حول سبل مستقبل المنطقة وإعادة إحياء وتفعيل الاتحاد أمر محمود، لكن لا يجب أن يكون ذلك على حساب استبعاد المملكة المغربية التي تؤلف القاعدة المغاربية”.
كما لا ننسى أن الاتحاد المغاربي يستمد شرعيته من الدول الخمس المعنية به وهذا يجعلنا نأسف لقرار الدول المعنية المجتمعة عقد مشاورات ولقاءات دورية دون المغرب وموريتانيا، وهذا الأمر طبعا يندرج في إطار مخطط جزائري واسع لتقسيم القلعة المغاربية ضدا على رغبة شعوب المنطقة التي يجمعها التاريخ والجغرافيا والمصير المشترك، والتواقة إلى تفعيل التكتل المغاربي”.
ولا محيد على أن نؤكد على أن الدول المغاربية مطالبة بالنأي بنفسها عن هذه المحاولات الجزائرية لاستبعاد المغرب، والدفع باتجاه توحيد الصف المغاربي وليس العكس فاتحاد المغرب العربي تكتل واقعي وقانوني وتاريخي يكتسب شرعيته ووجوده وديمومته من الدول الخمس الأعضاء دون استثناء، وبالتالي لا يجوز لهذه الدول أن تنخرط في هذه اللعبة الجزائرية الخطيرة التي تحاول إجهاض الحلم المغاربي عبر هكذا محاولات”.
وأما ما يتعلق بمحاولة الجزائر احتواء أو ابتلاع موريتانيا، فإن هذه الأخيرة دائمًا ما كانت تدرك خطورة “عصابة البوليساريو”، كما تنتبه إلى أطماع “قصر المرادية”، وتعرف جيدًا أن الجزائر هي الدولة التي هاجمتها في مرحلة السبعينيات من القرن الماضي، والتي ما فتئت تبتزها في كل لحظة وحين بتهديد أمنها واستقرارها، وانتهاك حدودها وتمزيق أراضيها.
وفي السياق ذاته فأن علاقة موريتانيا مع المغرب منتجة ومثمرة وواعدة لا يمكنها أن تتأثر بمكائد بعض القوى التائه دون أن ننسى أن الحتمية الإستراتيجية هي بناء شراكة موسعة بين المغرب وموريتانيا.
ولابد من أن نذكر هنا بأن زيارة الرئيس الموريتاني إلى المغرب تضع حدًا للدعايات وتوقف ما يمكن أن يشوش على حقيقة العلاقات المغربية الموريتانية.
وتغليف زيارة الرئيس الموريتاني إلى المغرب بطابع الخصوصية لا يجب أن يحول دون الكشف عن خلفياتها الحقيقية، إذ لا يستبعد أن يكون ولد الغزواني حمل إلى الملك محمد السادس رسالة استعطاف من عبد المجيد تبون بشأن إمكانية الاضطلاع بدور الوساطة قصد تصفير منسوب التوتر المحتدم بين المغرب والجزائر، لاسيما أمام انهيار التحالف الإيراني-الروسي في مقابل تقدم مشروعي المبادرة الأطلسية وأنبوب الغاز نيجيريا ـ المغرب المدعومين من أمريكا وأوروبا الغربية ودول الخليج”.