تفاعلا مع هذا النقاش حد الجدال الذي رافق مشروع إصلاح وتطوير مدونّة الأسرة وبالرغم من بعض الإنزلاقات الشعبوية ذو الطبيعة التنمريّة الإستهزائية بقصد تبخيس كل هذا المجهود العلمي الإجتهادي ومن ذوي الإختصاص الشرعي والحقوقي المدني..
بالرغم من كل ذلك يبقى النقاش ظاهرة صحية بين المغاربة ومؤسساتهم الدستورية التي تبقى في آخر المطاف المؤهلة الوحيدة لأي أفق إصلاحي يتغيّأ تأمين التوازن بين ثوابت الشريعة الإسلامية ومتطلبات التحديث
وفي هذا الإطار جاءت التعديلات الجديدة على مدونة الأسرة تحت سقف مؤسسة دستورية كما جاء في الفصل الحادي والأربعين من دستور 2011 على أن ( الملك، أمير المؤمنين وحامي حمى الملّة والدين والضامن لحريّة ممارسة الشؤون الدينيّة)
وهو ما أكّده جلالة الملك في خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب لسنة 1999
(وعلى النهج الحسني سائرين، تمسكا ببيعة الإمامة الشرعية، التي تطوق عنقنا وعنقك، موصولة على امتداد أزيد من اثني عشر قرنا، موثقة السند بكتاب الله وسنة رسوله الكريم، مشدودة العرى إلى الدستور المغربي، الذي ينص على أن الملك أمير المؤمنين، والممثل الأسمى للأمة، ورمز وحدتها، وضامن دوام الدولة استمرارها)
في هذه الفقرة من الخطاب تمّ الإشارة فيه لمؤسسة إمارة المؤمنين كإرث ديني حضاري اختص به المغاربة باعتبارها إحدى الدّعائم الأساسية للدولة المغربية التي ارتضت الإسلام دينا منذ نشوئها قبل أثنى عشر قرناً منذ الأدارسة وصولا إلى دولة العلويين الشريفة وحصّنت بذلك سيادتها الرّوحيّة منذ ذلك الوقت بحيث لم يخضع المغرب للخلافة المشرقية وبعدها الخلافة العثمانية وبفضل هذه المؤسسة أيضاً تجنبت المملكة المغربية هذا التجاذب و التناحر بين الفصائل والمذاهب وتشعبات الملل والنحل..
من هذا المنطلق أجد ما يسمى ببيان رابطة علماء المغرب العربي الذي حشر نفسه في هذه التعديلات التي طرأت على مدونة الأسرة المغربية وأنا استغرب مما جاء فيه من التحريض و الدعوة إلى الفتنة والتمرد عن المؤسسات مخاطبا هيئة المحامين و القضاة والمجتمع المدني معتبرين ان اجتهادات مؤسساتنا الفقهية والدستورية لاغية وخارجة عن الإسلام – طبعا كما يرونه –
من حيث الشكل.. اعتبر هذا البيان تدخل سافر في السيادة الروحية للأمة المغربية تحت سقف مؤسسة أمير المؤمنين… ولا أرى اي فرق بينها وبين السيادة الترابية وغيرها من السيادات كوصف للدولة الوطنية الحديثة التي لها الكلمة العليا على كل مفاصل الدولة والأفراد ملزمين بالانصياع والانضباط إليها بموجب عقد اجتماعي مدني وعقد البيعة لإمارة المؤمنين.. وعليه نعتبر اي اختراق لإحدى السيادات هو بداية تفكك وتفتيت للأمة كما في خلفية هذا البيان الايدلوجي بامتياز والبعيد كل البعد عن مقصدية العلماء الهادفة إلى إسداء النصيحة بالتي هي أحسن وليس الدعوة إلى عصيان طاعة أولى الأمر فينا
ولنفرض جدلاً هذا الحرص الإستثنائي على الإسلام لدى هذه الرابطة.. هل ما جاءت به هذه التعديلات داخل مدونة الأسرة المغربية حرّمت حلالاً أو أحلّت حلالاً كما قال أمير المؤمنين الملك محمد السادس..
ولأن الأمر في آخر المطاف اجتهادات داخل الشريعة الإسلامية كما ناقشها علماؤنا الأجلاء وهم احرص منْا على صيانة هذا الدين الإسلامي الحنيف من اية شبهة أو انزلاق.
يبقى النموذج المغربي بثوابته الدينية الأساسية الثلاثة: العقيدة الأشعرية، والمذهب الفقهي المالكي والتصوف السني تحت مؤسسة إمارة المؤمنين هو المستهدف من هذه التيارات الايدولوجية التي توظف الخطاب الديني من أجل أهداف سياسية تحوم ضرب الدولة الوطنية ومكوناتها نحو وهم استرجاع الخلافة العثمانية بلوك جديد..
هي خلاصة هذا البيان التطفلي الفاقد لاية شرعية ومشروعية علمية اوفقهية مادامت نوايا أصحابه هي خدمة أجندات إقليمية تخترق العالم الإسلامي بين من يحرم زواج المتعة وآخرون يحللونه.. وفي الزواية الأخرى من يتزوج بلفظة ( زوجتك نفسي هذه الليلة) ويطلقها صباحاً.. وبين الإفتاء و الإفتاء المضاد ضاعت البوصلة هناك..
وهاهم يحاولون من خلال هذا البيان الذي اعتبره مرة أخرى تدخلا سافرا في سيادتنا الروحية.. يحاولون زرع فتنة التشكيك في مؤسساتنا الدينية التي وقفت ومنذ قرون سدّاً منيعا أمام كل الغزوات الدينية المتطرفة.
ولن نكون اقل من أجدادنا منذ الادراسة.. ولن نرضى لأنفسنا ان يكون بعض مشايخ القنوات هناك اوصياء على المغرب أرض الفقه والفقهاء والاولياء الصلحاء..