قضايا

مقترحات تعديل مدونة الأسرة: المحددات الملكية المركزية والاجتهاد البناء

العباس الوردي (أكاديمي)
تقديم

الأسرة هي مؤسسة اجتماعية تتكون من الرجل والمرأة والأطفال، وهي بنية استراتيجية بمكان لأنها أساس للتربية والسكينة والطمأنينة الروحية والمعنوية والتي على أساسها يتسق الوجود الإنساني بتربية النشأ تربية معتدلة قائمة على المحبة والإخاء والتعايش المبني على الخلق الحسن وعلى حب الوطن .

إن الحديث عن خلق بنية قانونية تنظم العلاقة الزوجية بين الرجل والمرأة وتدبير أمور الفروع سواء خلال قيام العلاقة الزوجية أو حتى بعد انفصامها ، تتأسس على عقد اجتماعي قوامه المودة والرحمة من أجل صون النفس والعرض من الفساد ثم التناسل الشرعي بما يساهم في استمرار النسل وخلق بنية ديمغرافية نافعة للفرد والمجتمع ، علاقة زوجية تنظمها قبل البنية القانونية الوضعية ، الشريعة الإسلامية والتي لها مصدران أساسيان قوامهما الكتاب والسنة ثم الاجتهاد المشروط بعدم تجاوز النصوص القطعية.

لعل المتأمل في البنية الانسانية في صبغتها الأنثروبولوجية الوجودية ليجمع على أن المودة والرحمة هي أساس العلاقة الزوجية وذلك انطلاقا من أن الزواج هو ميثاق تراضٍ وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرّة برعاية الزوجين، ومن ثمة فإن العلاقة الزوجية هي روحية ومعنوية في نفس الان ذلك أنها تنطلق من الإحصان إلى الاستقرار النفسي والاجتماعي بين رجل وامرأة ومن خلالهما تكوين أسرة صالحة للفرد والمجتمع، وخير ما نستشهد به في هذا الباب قوله تعالى : وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21]، كما قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إلَيْهَا} [الأعراف: 189، ومن ثمة فأساس العلاقة الزوجية تقوم على الاحسان لأنها أولا وقبل كل شيء ميثاق غليظ مع الله عز وجل .

يتم الزواج بين رجل وامرأة على أساس عقد زواج فيه إيجاب وقبول وذلك طبقا لأحكام الشريعة الاسلامية قرآنا وسنة، وهو ما يستشف معه بأن الحل في هذا العقد هو ألا يثقل بشروط خارجة عن إطار الشريعة الاسلامية، ذلك أن طبيعة هذا العقد ذي طبيعة شرعية ولا يجوز الاجتهاد في تدبيره اعتبارا لوجود نصوص قطعية.

ونحن نتحدث عن مدونة الأسرة واعتبارا من كونها قانونا وضعيا يتم من خلاله تدبير مؤسسة الزواج عبر بوابة المؤسسات، فإن الأمر يتعلق أولا وقبل كل شيء بتدبير بنية اجتماعية مؤطرة مسبقا بالشريعة الإسلامية التي هي دين الدولة.

وفي هذا السياق وتجاوبا مع مجموعة من التساؤلات التي يطرحها المواطنات والمواطنون المغاربة تفاعلا مع مقترحات تعديل مدونة الأسرة المغربية التي عمرت لأكثر من عشرين سنة في تدبير هذا الصرح المجتمعي بمكان وتأسيسًا  على التوجهات الاستراتيجية لإمارة المؤمنين التي وضعها جلالة الملك محمد السادس لتنزيل هذه الرؤية الملكية التي تنحو منحى شرعيا إسلاميا سنيا مالكيا لتدبير شؤون الأسرة المغربية بما يضمن حقوق كل مكوناتها نساء ورجالا وفروعا ،ومن هنا تكمن أهمية التعاطي مع هذا الموضوع بالمزيد من التحليل والتفصيل ، وذلك بهدف المساهمة في استقراء المضامين التي تم عرضها على جلالة الملك من لدن الحكومة وكذا أعضاء المجلس العلمي الأعلى ، مساهمة مني في خدمة ملكي ووطني في تعميق النقاش وتقديم المقترحات التي بإمكانها إماطة اللثام عن سلة من النقاط الاقتراحية التي تنال حيزا عريضا من الاهتمام الشعبي بالتفاعل والتساؤل .

وعلى أساس ذلك سيتم بناء التوجه التحليلي لهذه الورقة الاقتراحية على محورين أساسيين، ويتعلق الأمر ب:

المحور الأول: رؤية إمارة المؤمنين ومقترحات الحكومة وأعضاء المجلس العلمي الأعلى حول إصلاح مدونة الأسرة المغربية

المحور الثاني: رؤية اقتراحية لإصلاح مدونة الأسرة المغربية وفقا للتوجهات الاستراتيجية لإمارة المؤمنين

المحور الأول: رؤية إمارة المؤمنين ومقترحات الحكومة وأعضاء المجلس العلمي الأعلى حول إصلاح مدونة الأسرة المغربية

انطلاقا من مقتضيات خطاب العرش لسنة 2022، الذي قال فيه جلالة الملك محمد السادس المغربي بأنه “إذا كانت مدونة الأسرة قد شكلت قفزة إلى الأمام، فإنها أصبحت غير كافية”، مضيفا أن “التجربة أبانت أن هناك عدة عوائق، تقف أمام استكمال هذه المسيرة، وتحول دون تحقيق أهدافها”، وعلى هذا الأساس دعا جلالته إلى إطلاق مشاورات من أجل تعديل المدونة ورفع التوصيات لجلالته في سقف زمني قوامه سته أشهر.

هذا وينضاف في هذا الباب منطوق الرسالة الملكية التي وجهت لرئيس الحكومة ارتباطا بالخطوط العريضة التي يجب ان يقوم عليها اصلاح مدونة الاسرة والتي أطرت المبادئ الأساسية والتوجهات الرئيسية لهذا التعديل والتي ترتبط بخطاب جلالته المؤرخ في 10 أكتوبر 2003 أمام البرلمان، وكذا تجديد التأكيد عليها في خطاب العرش الموجه ل 30 يوليوز 2022، والذي ينطلق من حرص جلالته على أن يتم ذلك في إطار:

مقاصد الشريعة الإسلامية؛

خصوصيات المجتمع المغربي؛

أن يتم الاعتماد على فضائل الاعتدال، والاجتهاد المنفتح، والتشاور والحوار، وإشراك جميع المؤسسات والفعاليات المعنية.

ناهيك عن التقعيد الإصلاحي الملكي الذي تقوده إمارة المؤمنين وهو ما تضمنه الخطاب الملكي السامي بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الحالية والذي تضمن نقاطا استراتيجية لاصلاح المدونة ويتعلق الامر بسلة من النقاط الجامعة المانعة والتي تنطلق من الشريعة الاسلامية الى مصلحة الفرد والمجتمع وذلك من دون مفاضلة لا بين رجل ولا امرأة .

ويتعلق الأمر ب:

أولا.. تبني صياغة حديثة بدل المفاهيم التي تمس بكرامة وانسانية المرأة. وجعل مسؤولية الأسرة تحت رعاية الزوجين. وذلك باعتبار “النساء شقائق للرجال في الأحكام” مصداقا لقول جدي المصطفى عليه السلام.. وكما يروى.. “لايكرمهن إلا كريم ولايهينهن إلا لئيم “.؛

ثانيا.. جعل الولاية حقا للمرأة الرشيدة تمارسه حسب اختيارها ومصلحتها اعتمادا على أحد تفاسير الآية الكريمة القاضية بعدم إجبار المرأة على الزواج بغير من ارتضته بالمعروف..”ولا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف”. وللمرأة بمحض إرادتها ان تفوض ذلك لأبيها أو لأحد أقاربها؛

ثالثا: مساواة المرأة بالرجل بالنسبة لسن الزواج بتوحيده في ثمان عشرة سنة عملا ببعض أحكام المذهب المالكي مع تخويل القاضي إمكانية تخفيضه في الحالات المبررة وكذلك مساواة البنت والولد الحضونين في بلوغ سن الخامسة عشرة لاختيار الحاضن؛

رابعا: فيما يخص التعدد فقد راعينا في شأنه الالتزام بمقاصد الإسلام السمحة في الحرص على العدل الذي جعل الحق سبحانه يقيد إمكان التعدد بتوفير في قوله تعالى: “فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة” وحيث أنه تعالى نفى هذا العدل بقوله عز وجل “ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ” كما تشبعنا بحكمة الإسلام المتميزة بالترخيص بزواج الرجل بامرأة ثانية بصفة شرعية لضرورات قاهرة وضوابط صارمة وبإذن من القاضي بدل اللجوء للتعدد الفعلي غير الشرعي في حالة منع التعدد بصفة قطعية، ومن هذا المنطلق فان التعدد لا يجوز إلا وفق الحالات والشروط الشرعية التالية:

لا يأذن القاضي بالتعدد إلا إذا تأكد من امكانية الزوج في توفير العدل على قدم المساواة مع الزوجة الأولى وأبنائها في جميع جوانب الحياة وإذا ثبت لديه المبرر الموضوعي الاستثنائي للتعدد؛

للمرأة ان تشترط في العقد على زوجها عدم التزوج عليها باعتبار ذلك حقا لها عملا بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه.:”مقاطع الحقوق عند الشروط”، وإذا لم يكن هنالك شرط وجب استدعاء المرأة الأولى لأخذ موافقتها وإخبار ورضى الزوجة الثانية بان الزوج متزوج بغيرها، وهذا مع إعطاء الحق للمرأة المتزوج عليها في طلب التطليق للضرر.

خامسا: تجسيد إرادتنا الملكية في العناية بأحوال رعايانا الأعزاء المقيمين بالخارج لرفع أشكال المعاناة عنهم عند إبرام عقد زواجهم وذلك بتبسيط مسطرته من خلال الاكتفاء بتسجيل العقد بحضور شاهدين مسلمين بشكل مقبول لدى موطن الإقامة وتوثيق الزواج بالمصالح القنصلية أو القضائية المغربية عملا بحديث أشرف المرسلين “يسروا ولاتعسروا”.؛

سادسا: جعل الطلاق حلا لميثاق الزوجية يمارس من قبل الزوج والزوجة كل حسب شروطه الشرعية وبمراقبة القضاء وذلك بتقييد الممارسة التعسفية للرجل في الطلاق بضوابط تطبيقا لقوله عليه السلام:” إن أبغض الحلال عند الله الطلاق” وبتعزيز آليات التوفيق والوساطة بتدخل الأسرة والقاضي، وإذا كان الطلاق بيد الزوج فإنه يكون بيد الزوجة بالتمليك، وفي جميع الحالات يراعى حق المرأة المطلقة في الحصول على كافة حقوقها قبل الاذن بالطلاق، وقد تم اقرار مسطرة جديدة للطلاق تستوجب الإذن المسبق من طرف المحكمة وعدم تسجيله إلا بعد دفع المبالغ المستحقة للزوجة والاطفال على الزوج والتنصيص على انه لا يقبل الطلاق الشفوي في الحالات غير العادي؛

سابعا: توسيع حق المرأة في طلب التطليق لإخلال الزوج بشرط من شروط عقد الزواج أو للإضرار بالزوجة مثل عدم الانفاق أو الهجر أو العنف وغيرها من مظاهر الضرر أخذا بالقاعدة الفقهية العامة: “لا ضرر ولا ضرار” وتعزيزا للمساواة والانصاف بين الزوجين، كما تم إقرار حق الطلاق الاتفاقي تحت مراقبة القاضي؛

ثامنا: الحفاظ على حقوق الطفل بإدراج مقتضيات الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب وضمان مصلحة الطفل في الحضانة من خلال تخويلها للأم ثم للأب ثم لأم الأم، فان تعذر ذلك فان للقاضي ان يقرر إسناد الحضانة لأحد الاقارب الأكثر أهلية. كما تم جعل توفير سكن لائق للمحضون واجبا مستقلا عن بقية عناصر النفقة والاسراع بالبت في القضايا المتعلقة بالنفقة في أجل اقصاه شهر واحد؛

تاسعا: حماية حق الطفل في النسب في حالة عدم توثيق عقد الزوجية لأسباب قاهرة باعتماد المحكمة البينات المقدمة في شان اثبات البنوة مع فتح مدة زمنية من خمس سنوات لحل القضايا العالقة في هذا المجال رفعا للمعاناة والحرمان عن الاطفال في مثل هذه الحالة؛

عاشرا: تخويل الحفيدة والحفيد من جهة الام على غرار أبناء الابن حقهم في حصتهم من تركة جدهم عملا بالاجتهاد والعدل في الوصية الواجبة؛

حادي عشر: أما فيما يخص مسألة تدبير الأموال المكتسبة من لدن الزوجين خلال فترة الزواج فمع الاحتفاظ بقاعدة استقلال الذمة المالية لكل منهما تم اقرار مبدأ جواز الاتفاق بين الزوجين في وثيقة مستقلة عن عقد الزواج على وضع إطار لتدبير واستثمار أموالهما المكتسبة خلال فترة الزواج وفي حالة عدم الاتفاق يتم اللجوء إلى القواعد العامة للإثبات بتقدير القاضي لمساهمة كلا الزوجين في تنمية أموال الأسرة.

إذن يتعلق الأمر بمرتكزات استراتيجية وضع من خلالها جلالة الملك محمد السادس وأمير المؤمنين خارطة طريق لهذا الاصلاح المنشود والتي اقرنها جلالة الملك بأنها:” إصلاحات ينبغي أن لا ينظر إليها على أنها انتصار لفئة على أخرى بل هي مكاسب للمغاربة أجمعين، مع التأكيد على حرص إمارة المؤمنين بأن تستجيب للمبادئ والمرجعيات  ، حيث قال جلالته في هذا الباب : “لا يمكنني بصفتي أميرا للمؤمنين أن أحل ما حرم الله وأحرم ما أحله”، وهو ما يستشف من مضامين الخطة الملكية السامية المواكبة لمقعدات الإصلاح والتي يجب أن تنسجم لزاما مع   :

الأخذ بمقاصد الإسلام السمحة في تكريم الانسان والعدل والمساواة والمعاشرة بالمعروف وبوحدة المذهب المالكي والاجتهاد الذي يجعل الإسلام صالحا لكل زمان ومكان لوضع مدونة عصرية للأسرة منسجمة مع روح ديننا الحنيف؛

عدم اعتبار المدونة قانونا للمرأة وحدها بل مدونة للأسرة أبا وأما وأطفالا والحرص على ان تجمع بين رفع الحيف عن النساء وحماية حقوق الاطفال وصيانة كرامة الرجل. فهل يرضى أحدكم بتشريد أسرته وزوجته وأبنائه في الشارع أو بالتعسف على ابنته أو أخته ؟؛

وبصفتنا ملكا لكل المغاربة فإننا لا نشرع لفئة أو جهة معينة وانما نجسد الإرادة العامة للأمة التي نعتبرها أسرتنا الكبرى.

وبالتالي، فإن التوليفة الملكية السامية لهذا الإصلاح تقوم على تنزيل مبادئ الشريعة الإسلامية كتابا وسنة ثم اجتهادا بناء، وذلك اعتبارا من أن الدور الأساسي لإمارة المؤمنين.

وتفاعلا مع هذا الورش الملكي الاجتماعي المغربي الإسلامي الذي تقوده إمارة المؤمنين ، وبالموازاة مع تقديم اللجنة المكلفة باقتراح  مقترحات بشأن تعديل مدونة الاسرة لمقترحاتها لأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس وفي اتساق تام مع البنية الدستورية لسنة 2011 أعطى جلالته باعتباره رئيسا للمجلس العلمي الأعلى تعليماته السامية لأعضاء هذا المجلس لفحص الشرعية الدينية الإسلامية لهذه المقترحات وهي الخلاصات التي تم تقديمها أمام جلالته في جلسة عمل خُصصت لموضوع مُراجعة مدونة الأسرة يوم الاثنين 23 دجنبر 2024، وفي هذا الإطار، دعا جلالة الملك أمير المؤمنين:

أولا : المجلس العلمي الأعلى، إلى مواصلة التفكير واعتماد الاجتهاد البناء في موضوع الأسرة، عبر إحداث إطار مناسب ضمن هيكلته، لتعميق البحث في الإشكالات الفقهية التي تطرحها التطورات المحيطة بالأسرة المغربية، وما تتطلبه من أجوبة تجديدية تُساير متطلبات العصر؛

ثانيا : ولتوضيح المضامين الرئيسة لمراجعة مدونة الأسرة، فقد كلف جلالته، خلال هذه الجلسة، السيد رئيس الحكومة والسادة الوزراء، بالتواصل مع الرأي العام، وإحاطته علما بمستجدات هذه المراجعة، والتي ستسهر الحكومة، داخل آجال معقولة، على حُسن بلورتها وصياغتها في مبادرة تشريعية، طبقا للأحكام الدستورية ذات الصلة.

ومن بين ما تم اعتماده، تأسيسا على مقترحات الهيئة والرأي الشرعي للمجلس العلمي الأعلى، أشار وزير العدل في الندوة الصحفية التي نظمت في هذا الباب من لدن الحكومة، على الخصوص، إلى ما يلي:

أولا: إمكانية توثيق الخِطبة، واعتماد عقد الزواج لوحده لإثبات الزوجية كقاعدة، مع تحديد الحالات الاستثنائية لاعتماد سماع دعوى الزوجية، وتعزيز ضمانات زواج الشخص في وضعية إعاقة، مع مراجعة للإجراءات الشكلية والإدارية المطلوبة لتوثيق عقد الزواج؛

ثانيا: إمكانية عقد الزواج، بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج، دون حضور الشاهدين المسلمين في حال تعذر ذلك؛

ثالثا: تحديد أهلية الزواج بالنسبة للفَتى والفَتاة في 18 سنة شمسية كاملة، مع وضع استثناء للقاعدة المذكورة، يُحدد فيها سن القاصر في 17 سنة، مع تأطيره بعدة شروط تضمن بقاءه، عند التطبيق، في دائرة “الاستثناء”؛

 رابعا: إجبارية استطلاع رأْي الزوجة أثناء تَوثيق عقد الزواج، حول اشتراطها عدم التزوج عليها، من عدمه، والتنصيص على ذلك في عقد الزواج. وفي حال اشتراط عدم التزوج عليها، فلا يحق للزوج التعدد وفاء منه بالشرط، وفي حال غياب هذا الاشتراط، فإن “المبرر الموضوعي الاستثنائي” للتعدد، سيُصبح محصورا في: إصابة الزوجة الأولى بالعقم، أو بمرض مانِع من المعاشرة الزوجية، أو حالات أخرى، يُقدرها القاضي وفق معايير قانونية محددة، تكون في الدرجة نفسها من الموضوعية والاستثنائية؛

خامسا: إحداث هيئة، غير قضائية، للصلح والوساطة، يكون تدخلها مطلوبا، مبدئيا، في غير حالة الطلاق الاتفاقي، مع حصر مَهَمتها في محاولة الإصلاح بين الزوجين، والتوفيق بينهما فيما يترتب عن الطلاق من آثار؛

 سادسا: جعْل الطلاق الاتفاقي موضوع تعاقد مباشر بين الزوجين، دون الحاجة لسلوك مسطرة قضائية، وتقليص أنواع الطلاق والتطليق، بحكم أن التطليق للشقاق يُغطي جُلها، وتحديد أجل ستة (6) أشهر كأجل أقصى للبت في دعاوى الطلاق والتطليق؛

سابعا: تأطير جديد لتدبير الأموال المكتسبة أثناء العلاقة الزوجية، مع تثْمين عمل الزوجة داخل المنزل، واعتباره مساهمة في تنمية الأموال

المكتسبة خلال قيام العلاقة الزوجية؛

 ثامنا: اعتماد الوسائل الالكترونية الحديثة للتبليغ في قضايا الطلاق والتطليق، مع قَبول الوكالة في هذه القضايا باستثناء مرحلة الصلح والوساطة؛

 تاسعا: اعتبار حضانة الأطفال حقا مشتركا بين الزوجين أثناء قيام العلاقة الزوجية، مع إمكانية امتداده، في حال الاتفاق، بعد انفصام العلاقة الزوجية، وتعزيز الحق في سُكْنى المحضون، بالإضافة إلى وضع ضوابط جديدة فيما يخص زيارة المحضون أو السفر به؛

عاشرا – عدم سقوط حضانة الأم المطلقة على أبنائها بالرغم من زواجها؛

حادي عشر: وضع معايير مرجعية وقيمية تُراعى في تقدير النفقة، وكذا آليات إجرائية تساهم في تسريع وتيرة تبليغ وتنفيذ أحكامها؛

 ثاني عشر: جعل “النيابة القانونية” مشتركة بين الزوجين في حال قيام العلاقة الزوجية وبعد انفصامها. وفي الحالات التي لا يَتَأتى فيها الاتفاق بين الزوجين، على أعمال النيابة القانونية المشتركة، يُرجع، في ذلك، إلى قاضي الأسرة للبت في الخلاف الناشئ، في ضوء معايير وغايات يحددها القانون؛

 ثالث عشر: تحديد الإجراءات القانونية التي يتعين على المحكمة سلْكها من أجل ترشيد القاصر، وتعزيز الحماية القانونية لأمواله، وفرض الرقابة القضائية على التصرفات التي يُجريها وليه أو وصيه أو المقدم عليه؛

 رابع عشر: حق الزوج أو الزوجة بالاحتفاظ ببيت الزوجية، في حالة وفاة الزوج الآخر، وفق شروط يحددها القانون؛

خامس عشر: تفعيل مقترح المجلس العلمي الأعلى، بخصوص موضوع “إرث البنات”، القاضي بإمكانية أن يهب المرء قيد حياته ما يشاء من أمواله للوارثات، مع قيام الحيازة الحُكمية مقام الحيازة الفِعلية؛

سادس عشر: فتح إمكانية الوصية والهبة أمام الزوجين، في حال اختلاف الدين؛

تأسيسا على ذلك، فإن توجه إمارة المؤمنين قد وضع من خلاله جلالة الملك خطة استراتيجية محكمة لهذا الإصلاح  تقوم على الكتاب والسنة والاجتهاد البناء، كما أنه وتعاطيا مع مقترحات الحكومة وأحكام أعضاء المجلس العلمي الأعلى ، وفي اتساق تام مع بلاغ الديوان الملكي الذي أمر فيه جلالة الملك محمد السادس وأمير المؤمنين الحكومة بالتواصل مع المواطنين حول هذه المقترحات وكذا أعضاء المجلس العلمي الأعلى بالاستمرار في الاجتهاد البناء وإحاطة جلالته بما سيتم تدبيره على هذا الأساس ، سأحاول التعاطي مع هذه المقترحات التي من اللازم أن تنطلق وتنتهي عند الركائز الاستراتيجية التي أطرت من خلالها إمارة المؤمنين هذا الورش الإصلاحي لقوام المجتمع المغربي إنها مؤسسة الأسرة الكبيرة لجلالة الملك محمد السادس .

المحور الثاني: رؤية اقتراحية لإصلاح مدونة الأسرة المغربية وفقا للتوجهات الاستراتيجية لإمارة المؤمنين

اعتمادا على المقومات الأساسية التي بنت عليها إمارة المؤمنين هذا الصرح الإصلاحي الذي ينطلق من الشريعة الإسلامية كتابا وسنة واجتهادا بناء ومن أجل مواصلة صون اللحمة الأسرية امرأة ورجلا وأطفالا ، وإيمانا مني بالتوجه الملكي السامي وبإمارة المؤمنين و بالمسؤولية الوطنية الراسخة   ، سأحاول التفاعل مع كل هذه المقترحات التي أراد جلالة الملك محمد السادس حفظه الله من عموم المواطنات والمواطنين الاطلاع عليها و التفاعل بخصوص مضامينها ، وعلى هذا الأساس سأحاول  تقديم وجهة نظري الشخصية انطلاقا من كوني مغربيا مسلما وأكاديميا وفاعلا سياسيا  وذلك بهدف الوقوف عند هذه المقترحات بندا بندا ، ومحاولة إغنائها بسلة من المقترحات وذلك اعتبارا لاستراتيجية المرحلة الإصلاحية وأهميتها القصوى بالنسبة لكل المغاربة من طنجة إلى لكويرة .

وعلى هذا الأساس، وفي اتساق تام مع هذه المقترحات والتي تعتبر إمارة المؤمنين الموجه الأول لبينتها، يمكنني تقديم المقترحات التالية:

أولا : في البند المتعلق بتوثيق الخطبة : أقترح ان يتم شرح ماهية هذا التوثيق، ذلك أن الخطبة هي وعد بالزواج وليست بزواج، كما أن الخطبة لا تترتب عليها حقوق قانونية كعقد الزواج سواء قبل البناء أو بعده، وبالتالي فالتوثيق في هذا الباب ربما يجب ان يتم التغاضي عنه لأنه غير واجب لأنه ليس بعقد ولا اشكال في عدم توثيقه ذلك أنه لا يحدث أثرا قانونيا؛

ثانيا: إمكانية عقد الزواج، بالنسبة للمغاربة المقيمين بالخارج، دون حضور الشاهدين المسلمين في حال تعذر ذلك:أقترح في هذا الباب ان يتم التذكير بأهم النصوص الموجهة لهذا الاستثناء، ولمالا خلق تأطير زواج المغاربة المقيمين بالخارج بعمل بين مؤسساتي يتم فيه تدبير عقد الزواج على أساس هذا الاشهاد والحال ممكن مع تطور الوسائل التكنلوجية الحديث للتواصل الاجتماعي، ذلك أن توليفة إمارة المؤمنين تنص على تبسيط المساطر الإدارية.

ثالثا : تحديد سن الزواج في 18 سنة واستثناء 17 سنة بشروط : أقترح شد عضد هذا الاستثناء بخبرة طبية ونفسية تثبت كفاءة الرجل والمرأة للاضطلاع بالمسؤولية الزوجية وترك السلطة التقديرية للقاضي مع تحديد أجال معقولة في هذا الباب.

رابعا : في باب تقييد التعدد باشتراط الزوجة عدم التعدد عليها في عقد الزواج :  أقترح أن مسألة الاشتراط بعدم التعدد من لدن الزوجة يمكن أن تستبدل بالإخبار وفي ذلك تيسير على الرجل والمرأة من أجل الإقبال على الزواج وهذا الإخبار يكون مقترنا بالموافقة الصريحة من لدن الزوجة الأولى والزوجة المستقبلية وترك الاختيار للزوجة الأولى في الموافقة أو الطلاق مع ترتيب مشمولات النفقة والحضانة والمتعة في اجال معقولة قبل توثيق الطلاق، ذلك أن التعدد الأساس فيه الحل .

خامسا- إحداث هيئات للصلح والوساطة قبل الطلاق: أقترح في هذا الباب إحداث هيئات جهوية للصلح والوساطة تتكون من علماء وقضاة وبحضور الحكمين من أهل الزوج والزوجة، يكون تدخلها قبلها في جميع أنواع الطلاق بما فيه الاتفاقي مَهَمتها محاولة الإصلاح بين الزوجين، والتوفيق بينهما مع توثيق الصلح في محضر رسمي يوجه الدائرة القضائية موطن عقد الزواج قصد الإخبار والأرشفة ؛

سادسا: جعْل الطلاق الاتفاقي موضوع تعاقد مباشر بين الزوجين، دون الحاجة لسلوك مسطرة قضائية، وتقليص أنواع الطلاق والتطليق، بحكم أن التطليق للشقاق يُغطي جُلها، وتحديد أجل ستة (6) أشهر كأجل أقصى للبت في دعاوى الطلاق والتطليق؛

أقترح في هذا الباب: ضرورة اشتراط سلوك مسطرة الصلح والوساطة القبلية عبر الهيئة الجهوية الصلح والوساطة  قبل الاذن بالتطليق وذلك بغية تقليص نسبة الطلاق المهولة وضمان استمرار التعايش الاسري بما في ذلك الطلاق الاتفاقي ، وسلوك مسطرة الطلاق مباشرة في أجل اقصاه شهر واحد كأجل أقصى للبث في دعاوى الطلاق والتطليق وذلك اعتبارا لمحضر فشل الوساطة والتحكيم  الذي يعد في هذا الباب من لدن اللجنة الجهوية للصلح والوساطة ويرسل إلى الجهة القضائية المختصة بالإذن بالطلاق .

سابعا: تأطير جديد لتدبير الأموال المكتسبة أثناء العلاقة الزوجية، مع تثْمين عمل الزوجة داخل المنزل، واعتباره مساهمة في تنمية الأموال المكتسبة خلال قيام العلاقة الزوجية؛

أقترح في هذا الباب العكل على تنزيل تأطير جديد لتدبير الأموال المكتسبة أثناء العلاقة الزوجية، غير أن الزوجة ليست بعاملة وفي حال انفصام الزوجية تحصل على النفقة الشرعية للعدة والمتعة ونفقة الحضانة في حال تحصلها على الحضانة ناهيك عن نصيبها الشرعي من التركة بعد وفاة زوجها ، وليس هناك حائل يحول دون تمليك الزوجين لبعضها البعض للممتلكات.

ثامنا: اعتماد الوسائل الالكترونية الحديثة للتبليغ في قضايا الطلاق والتطليق، مع قَبول الوكالة في هذه القضايا باستثناء مرحلة الصلح والوساطة؛

أقترح في هذا الباب ضرورة حصر لائحة الوسائل الالكترونية الحديثة المعتمدة قانونا للتبليغ في قضايا الطلاق، مع قَبول الوكالة في هذه القضايا باستثناء مرحلة الصلح والوساطة.

تاسعا- اعتبار الرعاية القانونية للأطفال حقا مشتركا بين الزوجين أثناء قيام العلاقة الزوجية، مع إمكانية امتداده على أساس الحضانة، في حال الاتفاق، بعد انفصام العلاقة الزوجية، وتعزيز الحق في سُكْنى المحضون، بالإضافة إلى وضع ضوابط جديدة فيما يخص زيارة المحضون أو السفر به بالنسبة للحاضن وغير الحاضن :

أقترح في هذه النقطة اعتماد المناصفة بين الاب والام في هذا الباب مراعاة لمصلحة المحضون وخاصة في زيارة المحضون على ألا يبيت المحضون إلا ببيت حاضنه مع مراعاة الحالات الاستثنائية كالسفر.

عاشرا – عدم سقوط حضانة الأم المطلقة على أبنائها بالرغم من زواجها: نقطة محورية أثارت نقاشا عموميا عميقا وذلك اعتبارا لوجود نص قطعي في هذا الباب يسقط الحضانة عن الحاضنة بعد زواجها واعتبارا لواقع الحال الذي يعرف اغتصابات في صفوف المحضون وخاصة إذا كانت بنتا .

المقترح: الأساس الشرعي قطعي في هذا الباب والذي يفيد بسقوط حضانة الأم المطلقة على أبنائها عند زواجها، وذلك اعتبارا للحديث الصحيح عن رسول الله ذلك أن السنة تأتي في المرتبة الثانية بعد القران في التشريع الاسلامي، فعَنْ عبدالله بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي، وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ، مَا لَمْ تَنْكِحِي. رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وبالتالي فزواج الحاضنة يسقط حضانتها شرعا وتنتقل بذلك إلى الولي الشرعي أي الأب ، فالولاية ملزمة للأب وبالتالي لا يمكن أن تمارسها الأم على أبنائها القاصرين مادام الأب حيا ، ناهيك على أن زوج الأم ليس وليا شرعيا لأبناء المطلقة وبالتالي فمن الواجب عدم تزاوج هذا المقتضى اعتبارا من الولي الشرعي أولى برعاية أبنائه وحضانتهم عند زواج الأم وهو مقدم على الغريب ذلك كما أن التوجهات الملكية لإمارة المؤمنين أشارت إلى المصلحة الفضلى للمحضون وترتيب الأب في المرتبة الثانية بعد الأم ، وبالتالي فعند إسقاط الحضانة على الأم الحاضنة عند زواجها ينتقل إليها حق الزيارة الذي يجب أن يكون مناصفة بين الأم والأب اعتبارا للمصلحة الفضلى للمحضون على ألا يبيت المحضون إلا عند حاضنه .

النقاط الحادية عشرة والثانية عشرة والثالثة عشرة تنسجم مع واقع الحال، لأنها مبنية على توازن الأسرة وليس فيها أي إجهاز على حق أي طرف من الأطراف  المكونة للأسرة .

أما فيما يخص، النقطة الرابعة عشرة والتي ترتبط بحق الزوج أو الزوجة بالاحتفاظ ببيت الزوجية، في حالة وفاة الزوج الآخر، وفق شروط يحددها القانون:

المقترح : من اللازم أن تتماشى هذه النقطة وبنية الإرث الشرعية المحددة للأنصبة بصفة قطعية وذلك في اتساق تام مع الكتاب والسنة ، والحال انه بإمكان الزوجين تدبير ممتلكاتها قيد حياتهما وفق التوجه الذي لا يخالف الشرع ويقوم على البنية القانونية المؤطر للجانب المادي .

كما أن مقترحي البندين الخامس عشر والسادس عشر يلزمهما توضيح مركز وخاصة فيما يتعلق ببابي الهبة والوصية. .

إن التفصيل في هذه المقترحات تهمنا جميعا وذلك انطلاقا من كونها تتعلق بالأسرة المغربية صمام أمان المجتمع المغربي ، والجدير بالذكر في هذا الباب من أن الرؤية الملكية وإمارة المؤمنين واضحة في هذا الباب ذلك أنها لن تحل حراما ولن تحرم حلالا ، ناهيك على أنها رسمت معالم خارطة طريق لكل للأسرة المغربية وليس فحسب للمرأة أو للرجل ، ناهيك على أن الخطب والتوجيهات الملكية لأمير المؤمنين وكذا بلاغ الديوان الملكي الذي عقب جلسة عمل استعراض مقترحات التعديل الخاصة بمدونة الأسرة تؤكد على ضرورة الاحاطة السديدة لجلالة الملك بكل مستويات تدبير هذا الصرح الاصلاحي هذا مع حرص المجلس العلمي الاعلى في مواصلة الاجتهاد البناء وكذا عرض الحكومة لمقترحات الاصلاح على الرأي العام المغربي .

انها لفرصة ذهبية يجب على كل الفاعلين اغتنامها من أجل ضمان فاعلية الاصلاح المنشود والذي يهدف الرقي بالأسرة المغربية بكل مكوناتها، وذلك بعيدا عن اللغط والمزايدة البعيدة عن كل المرامي المبتغاة من وراء هذا الإصلاح الوطني العميق الذي تنشده إمارة المؤمنين.