رأي

سعيد ودغيري حسني: بين دفء الأمس وبرودة الغد

كانت الحياة بسيطة مثل أغنية ترددها الرياح بين الحقول ومثل ضحكة طفل تلون الأفق. لكن الزمن دوّار لا يهدأ يدور ويحمل معه الطفرات الكبرى.

جاءت التكنولوجيا مثل نهر جارف تغمر كل شيء وتغير كل شيء. أصبح العالم في كف يدنا بفضل الهواتف الذكية والإنترنت صرنا نعرف الأخبار قبل أن تكتمل، وأصبح كل شيء سريعاً؛ الأكل سريعاً والسفر سريعاً وحتى الوقت صار سريعاً. نركض في دائرة لا تنتهي نبحث عن شيء نجهله لكن في قلب هذا الجرف هناك شيء يفقد وهجه.

كانت الطبيعة ملاذاً وكانت الكلمات حقيقية. العلاقات كانت دافئة والأرواح كانت قريبة. اليوم نعيش في عالم متشابك بلا حواجز لكن المسافات بين القلوب أصبحت شاسعة. التكنولوجيا اخترعت الذكاء الاصطناعي وأجهزة تحاكي العقول. الإنسان يمضي نحو عالم جديد عالم يزوره الروبوت ويديره الخيال. حلم الطيران تحقق واليوم نحلم بغزو الكواكب والأبصار ترنو إلى الغد إلى المجهول.

ما الذي ينتظرنا في عالم تتسارع فيه الابتكارات؟ هل سنجد الراحة أم سندور في عجلة لا تتوقف؟ هل سيحمل الغد لنا إجابات لكل أسئلتنا أم أنه سيكون محطة أخرى في رحلة لا تنتهي؟

لكن هناك قلق يتسلل. ماذا لو فقدنا بساطتنا؟ ماذا لو أصبحت قلوبنا مثل الآلات؟ هل سنظل نحلم؟ هل سيبقى للفلفل المشوي في رأس الدرب مكان في ذاكرة الحياة؟ أم أن رائحته ستختفي مع اختفاء دفء الأيام؟

في الماضي كان الإنسان جزءاً من الطبيعة، واليوم يحاول أن يكون سيدها. لكنه كلما سيطر عليها فقد شيئاً من ذاته. الابتكار يفتح أبواباً عظيمة، لكنه يفتح أيضاً أبواباً نحو الوحدة. التكنولوجيا منحتنا الاتصالات، لكنها سرقت منا اللقاءات. منحتنا المعلومات لكنها أضعفت الحكمة.

عالم الغد يحمل وعوداً كثيرة لكنه أيضاً يحمل مخاوف أكبر. هل سيعيش الإنسان في انسجام مع الآلات أم أن الآلات ستسيطر عليه؟ هل ستكون الذكريات القديمة مجرد حنين أم أنها ستظل منارة تضيء لنا الطريق؟

قد يكون الجواب في قدرتنا على الموازنة. أن نأخذ من التكنولوجيا ما يفيد، ونترك ما يسرق منا إنسانيتنا. أن نستعيد الوقت للحديث مع جيراننا لزيارة الأحباب، لتقدير صوت الطبيعة وألوانها.

ربما نستطيع أن نعيش في عالم الغد دون أن ننسى عذوبة الأمس.

نحن بحاجة إلى أن نتذكر جذورنا، أن نعيد للحياة دفئها أن نتوقف قليلاً لنستمع إلى صوت الطبيعة وصوت القلوب.

فالابتكار جميل لكنه ليس بديلاً عن الإنسانية.

ربما يكون الغد مليئاً بالمعجزات لكن أعظم معجزة ستظل دائماً هي الإنسان بقلبه وروحه وأحلامه.