رأي

محسن أرفون: نحو عدالة جنائية حديثة ومستدامة من خلال العقوبات البديلة

يُعد القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، الذي صدر بتاريخ 24 يوليوز 2024 ونُشر بالجريدة الرسمية عدد 7328 في 22 غشت 2024، تحولًا نوعيًا في مسار إصلاح المنظومة الجنائية المغربية، يُجسد هذا القانون رؤية تشريعية متقدمة تهدف إلى إعادة التوازن بين الردع والإصلاح من خلال تقديم بدائل فعالة للعقوبات السالبة للحرية في بعض الجرائم والجنح البسيطة.

يرمي هذا الإطار القانوني إلى تقليل الاعتماد المفرط على السجن، الذي يُعد أحيانًا غير ملائم من حيث الكلفة الاجتماعية والاقتصادية، وتعزيز آليات إعادة إدماج المحكوم عليهم داخل المجتمع. كما يوفر القانون 43.22 إطارًا تنظيميًا محكمًا لضمان تنفيذ هذه العقوبات البديلة بفعالية، بما في ذلك العمل للنفع العام، المراقبة الإلكترونية، والتدريب أو التأهيل المهني، وغيرها من التدابير التي تركز على إعادة تأهيل الأفراد.

ويأتي هذا النص التشريعي في سياق توجه عالمي نحو عدالة جنائية أكثر مرونة وإنسانية، حيث لم تعد العقوبة ترتكز فقط على معاقبة الفعل الجرمي، بل تسعى كذلك إلى معالجة أسباب الجريمة ومنع عودتها، مع مراعاة حقوق المحكوم عليهم وكرامتهم وبذلك، يمثل القانون 43.22 تجسيدًا عمليًا للتوازن بين ضمان أمن المجتمع واحترام حقوق الإنسان، بما ينسجم مع التزامات المغرب الدولية ومعايير العدالة الحديثة.

في هذا المقال، نلقي الضوء على القانون رقم 22.43 من خلال تحليل عميق وشامل لنصوصه، بهدف الكشف عن أبعاده وآفاقه في تعزيز الإصلاح الجنائي، نعتمد على المنهج التحليلي القانوني لفهم رؤية المشرع وأهدافه، مع التركيز على مدى توافق هذه الأهداف مع المبادئ الجوهرية للإصلاح القانوني.

في الوقت الذي نترقب فيه إصدار المرسومين المرتبطين بهذا القانون، نناقش أيضًا الآفاق التي تتيحها المندوبية العامة في إطار استراتيجيتها البناءة لتنزيل هذا التشريع بفعالية، كما نسلط الضوء على التكامل بين القانون رقم 22.43 والقانون 10.23 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية، وقانون المسطرة القانونية، باعتبارهما ركيزتين أساسيتين لدعم هذا الإطار الإصلاحي.

سنستعرض كذلك الآليات العملية لتطبيق القانون على أرض الواقع، مع تقييم أثرها في تحقيق تطلعات تحسين النظام الجنائي وزيادة كفاءته في مواجهة التحديات الراهنة، ولإثراء النقاش، نستعين بتجارب من أنظمة قانونية مشابهة اعتمدت إصلاحات جنائية رائدة، لتقديم رؤية مقارنة تسلط الضوء على نقاط القوة والتحديات التي تواجه هذا الإطار التشريعي، مما يمنح القارئ فهمًا أعمق لجدوى هذا القانون ودوره في تطوير المنظومة العدلية.

تحول جذري يعيد تعريف العقوبات الأصلية والبديلة في المغرب

يُعتبر تعديل أحكام العقوبات في القانون رقم 43.22 خطوة جوهرية نحو تحديث المنظومة الجنائية المغربية بما يتماشى مع متطلبات العصر، فقد جاءت المادة الأولى من هذا القانون لتُلغي وتُعيد صياغة أحكام الفصل 14 من مجموعة القانون الجنائي، حيث أعادت تعريف العقوبات الأصلية والبديلة والإضافية بطريقة شاملة ومتكاملة، مما يُعزز الفهم القانوني ويساعد على تطبيق أكثر دقة وفعالية لهذه المفاهيم في النظام القضائي. أما المادة الثانية، فقد أضافت الباب الأول مكررًا إلى الجزء الأول من الكتاب الأول في مجموعة القانون الجنائي، حيث خصصت هذا الباب للأحكام العامة والخاصة بالعقوبات البديلة، يأتي هذا التعديل ليس فقط لتنظيم الإطار القانوني للعقوبات البديلة، بل لتوضيح أنواعها وإجراءات تطبيقها بما يتماشى مع التطورات القانونية الحديثة.

إن اعتماد هذا النهج الجديد يعكس رؤية استراتيجية تهدف إلى تحقيق مرونة أكبر وإنسانية أعمق في التعامل مع الجرائم والجنح، وذلك من خلال التوجه نحو عقوبات تُركز على إعادة الإدماج الاجتماعي وتقليل العقوبات السالبة للحرية عندما يكون ذلك ممكنًا، يمثل هذا الإصلاح خطوة مهمة نحو إرساء نظام عدالة جنائية أكثر كفاءة وإنصافًا في المغرب.

يمثل تبني العقوبات البديلة انعكاسًا لرؤية قانونية تهدف إلى التخفيف من العقوبات السالبة للحرية، خصوصًا في الجرائم والجنح التي لا تستوجب بالضرورة الحبس، ويركز هذا النهج على تعزيز إعادة الإدماج الاجتماعي للمحكوم عليهم، ما يسهم في تقليل الضغط على المؤسسات السجنية من جهة، وتحقيق مصلحة المجتمع من جهة أخرى.

وفي هذا السياق، يمكن مقارنة التجربة المغربية بالتجربة الألمانية، التي تعتمد على نهج مماثل في تطبيق العقوبات البديلة مثل خدمة المجتمع والعمل لفائدة الصالح العام والغرامات المالية المشروطة، وقد أثبتت هذه المقاربة نجاحًا كبيرًا في تقليل معدلات العود إلى الإجرام وضمان إعادة تأهيل الجناة داخل المجتمع.

يكمن أثر القانون رقم 43.22 على المنظومة الجنائية المغربية، فهو لا يقتصر على كونه تعديلًا تشريعيًا، بل يمثل خطوة متقدمة نحو تحقيق نظام عدالة جنائية أكثر توازنًا وكفاءة فمن جهة، يُعزز هذا النهج مرونة القضاء في التعامل مع الحالات الفردية وفقًا لطبيعة الجرم وظروف المتهم، ومن جهة أخرى، يُكرّس مفهوم العقوبات البديلة كأداة قانونية تُسهم في حماية حقوق الإنسان ودعم التنمية الاجتماعية.

إن نشر الوعي بهذا التعديل التشريعي، سواء عبر المقالات أو المنصات الإعلامية، يُعد أمرًا ضروريًا لتحفيز النقاش العام وتعزيز فهم الجمهور لمزايا هذا التحول القانوني، يبقى التحدي الأساسي في ضمان التطبيق السليم لهذه الأحكام وفق الضوابط التي نص عليها القانون، لضمان تحقيق الأهداف المنشودة في العدالة والإنصاف.

نطاق تطبيق العقوبات البديلة في قانون رقم 43.22

يحدد قانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة الإطار العام لتنظيم هذه العقوبات من خلال "الباب الأول مكرر"، حيث تبدأ الأحكام العامة بتعريف واضح للعقوبات البديلة في المادة 1-35، تُعرَّف العقوبات البديلة بأنها "العقوبات التي يُحكم بها بدلاً من العقوبات السالبة للحرية في الجنح التي لا تتجاوز العقوبة المحكوم بها من أجلها خمس سنوات حبساً نافذاً."

ورغم أن تقديم التعريفات ليس شائعًا في التشريعات، فإن المشرع اختار في هذه الحالة تقديم تعريف دقيق لتجنب التأويلات المحتملة التي قد تنشأ في الممارسة العملية.

يعكس هذا التعريف بوضوح نطاق تطبيق العقوبات البديلة، مستثنيًا الجنح التي تتجاوز عقوبتها خمس سنوات، كما يُشير ضمنيًا إلى أن هذه العقوبات تُطبق فقط على البالغين، وفقًا لقانون المسطرة الجنائية الذي يُحدد سن المسؤولية الجنائية عند 18 عامًا.

علاوة على ذلك، يستثني القانون المدانين بحالة العود من نطاق تطبيق العقوبات البديلة، مما يُبرز رغبة المشرع في قصر هذه الآلية على المدانين لأول مرة، بما يُعزز فرص إصلاحهم وإعادة إدماجهم في المجتمع.

تُبرز المادة 1-35 أيضًا أثر العقوبات البديلة، حيث تنص على أن تنفيذ العقوبة السالبة للحرية يصبح غير ضروري في حال التزام المحكوم عليه بشروط العقوبة البديلة، يعكس هذا التوجه رغبة المشرع في تحقيق توازن بين حماية المجتمع من خلال ردع المخالفين، وبين إعادة إدماج المحكوم عليهم في المجتمع، مع تقليل الآثار السلبية الناتجة عن السجن.

علاوة على ذلك، تؤكد المادة ذاتها أن العقوبات البديلة تخضع لنفس المقتضيات القانونية المطبقة على العقوبات الأصلية، بما في ذلك قواعد تفريد العقاب، يسهم ذلك في الحفاظ على تماسك المنظومة الجنائية، وضمان تكاملها دون أن يتسبب في أي فراغ قانوني قد يعيق التطبيق العملي لهذه العقوبات.

وفيما يتعلق بأنواع العقوبات البديلة، تحدد المادة 2-35 أربعة أنواع رئيسية يمكن للمحكمة النطق بها، مما يبرز مرونة النظام القضائي في تكييف العقوبات مع طبيعة الجرم وظروف الجاني:

العمل لأجل المنفعة العامة: يتيح استثمار طاقة المحكوم عليه في خدمة المجتمع.

المراقبة الإلكترونية: توفر وسيلة حديثة لمتابعة المحكوم عليه وضمان امتثاله لشروط العقوبة.

تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية: تهدف إلى تقويم السلوك وضمان عدم تكرار الجريمة.

الغرامة اليومية: تُعد بديلاً ماليًا يعكس التزام المدان بتحمل المسؤولية.

توفر هذه الأنواع خيارات مرنة ومتعددة أمام المحكمة، مما يُمكنها من اختيار العقوبة الأكثر ملاءمة استنادًا إلى طبيعة الجريمة والظروف المحيطة بالمدان، مع تحقيق العدالة ومراعاة البعد الإنساني للعقوبات.

تُحدد المادة 3-35 الجرائم التي يُستثنى فيها تطبيق العقوبات البديلة، نظرًا لخطورتها أو لطبيعتها الخاصة، وتشمل:

الجرائم المتعلقة بأمن الدولة والإرهاب،

الجرائم المالية،

الاتجار في المخدرات،

الاستغلال الجنسي للقاصرين.

يعكس هذا الاستثناء حرص المشرع على تحقيق التوازن بين تفعيل العقوبات البديلة وتعزيز الأمن العام، مع التأكيد على ضرورة تطبيق عقوبات رادعة وصارمة في الجرائم التي تمثل تهديدًا خطيرًا على المجتمع أو تمس الحقوق الأساسية للأفراد.

تُمنح المحكمة بموجب المادة 4-35 سلطة تقديرية واسعة في تطبيق العقوبات البديلة، حيث يُسمح لها باستبدال العقوبة الحبسية بعقوبة بديلة، سواء بمبادرة ذاتية أو بناءً على طلب من النيابة العامة، المدان، أو دفاعه.

تعكس هذه السلطة التقديرية دور القاضي المحوري في تحقيق العدالة، من خلال تكييف العقوبة لتتناسب مع طبيعة الجريمة وظروف المدان، مما يُتيح تطبيقًا مرنًا وإنسانيًا للعقوبات البديلة، مع مراعاة خصوصية كل حالة.

تُظهر التجربة الألمانية نجاحًا كبيرًا في تطبيق العقوبات البديلة مثل خدمة المجتمع أو الغرامات اليومية، حيث أثبتت هذه الآليات قدرتها على تعزيز إعادة الإدماج الاجتماعي للمحكوم عليهم وتقليل معدلات العودة إلى الجريمة، يمكن للمغرب الاستفادة من هذا النموذج لتعزيز فعالية نظامه الجنائي البديل، مع مراعاة خصوصياته الثقافية والاجتماعية.

3- العمل لأجل المنفعة العامة: التنظيم، التنفيذ، والحماية

يُخصص الفرع الثاني من القانون رقم 43.22 لتنظيم "العمل لأجل المنفعة العامة" كأحد البدائل العقابية، وذلك وفقًا لقواعد قانونية واضحة ومحددة، تبدأ المادة 5-35 بوضع شرط أساسي للحكم بهذه العقوبة، يتمثل في أن يكون المدان قد بلغ من العمر خمسة عشر عامًا على الأقل عند صدور الحكم. يستثني هذا الشرط الأحداث الذين تقل أعمارهم عن 15 سنة، مما يُبرز حرص المشرع على حماية الفئات الأكثر ضعفًا وضمان توافق العقوبات مع مراحل النمو النفسي والاجتماعي للفرد.

-تنظيم طبيعة العمل لأجل المنفعة العامة: ضوابط ومعايير

تُحدد المادة 6-35 من القانون رقم 43.22 طبيعة العمل لأجل المنفعة العامة، مشددة على أن يكون هذا العمل غير مؤدى عنه وينجز لصالح مصالح الدولة، الجماعات الترابية، المؤسسات العمومية، أو الجمعيات ذات النفع العام. كما تُنظم المادة الحد الأدنى والأقصى لساعات العمل، حيث تتراوح بين 40 و3600 ساعة. ولضمان عدالة التنفيذ، تنص المادة على معايير محددة لتحديد ساعات العمل، بما في ذلك خطورة الجريمة وظروف ارتكابها، مع احتساب كل يوم من العقوبة الحبسية بثلاث ساعات من العمل.

علاوة على ذلك، تولي المادة 2-35 اهتمامًا خاصًا بملاءمة طبيعة العمل البديل مع خصوصيات المدان، بما يشمل جنسه، سنه، مهنته، وحالته الصحية، يعكس هذا التوجه نهجًا إنسانيًا يهدف إلى تحقيق أهداف العقوبة دون إلحاق أضرار إضافية بالمحكوم عليه من خلال هذه المرونة، يُصبح العمل البديل وسيلة إصلاحية تُراعي الخصوصيات الفردية، وتُعزز من فرص إعادة الإدماج الاجتماعي للمدانين.

في هذا السياق، نجد أن النظام الألماني يقدم نموذجًا مشابهًا من خلال تطبيق مبدأ "العمل البديل" كعقوبة تُستبدل بالحكم الحبس، ويُعد هذا النظام مثالًا رائدًا على التوازن بين الردع والإصلاح، حيث يتم اختيار طبيعة العمل بعناية لتتناسب مع الجريمة المرتكبة وظروف المحكوم عليه الاجتماعية والمهنية، يُسمح للمحكوم عليهم بأداء أعمال مجتمعية أو الانخراط في مشاريع تخدم منظمات غير ربحية، مما يسهم في تعويض الضرر الناجم عن الجريمة، مع تحقيق منفعة عامة.

يُرافق تطبيق العمل البديل في النظام الألماني آليات رقابة صارمة تضمن التزام المحكوم عليه بالشروط المحددة، ويتم الإشراف المباشر على تنفيذ العمل من قبل جهات متخصصة لضمان توافقه مع الأحكام القضائية، كما يتضمن النظام تدابير تهدف إلى تعزيز إعادة التأهيل، من خلال توفير فرص تدريب وتأهيل مهني أثناء فترة العقوبة، يساعد هذا النهج في إعداد المدانين للاندماج في سوق العمل بعد انقضاء فترة العقوبة، مما يقلل من احتمالية عودتهم إلى ارتكاب الجرائم.

إن تبني القانون رقم 43.22 لمفهوم العمل لأجل المنفعة العامة كعقوبة بديلة عن الحبس يُعد خطوة محورية في تحديث المنظومة الجنائية المغربية، ويعكس هذا التوجه وعي المشرع بأهمية الملاءمة بين طبيعة العقوبة وظروف المدان الفردية، من خلال مقارنة التجربة المغربية بالتجربة الألمانية، يمكن تعزيز الإطار القانوني والتنفيذي للعقوبات البديلة عبر:

تطوير آليات رقابة فعّالة: لضمان التزام المحكوم عليهم بشروط العقوبة.

إدماج برامج تدريب وتأهيل: تسهم في تعزيز قدرات المدانين المهنية والاجتماعية.

توسيع نطاق العمل المجتمعي: ليشمل مشاريع تنموية تتماشى مع احتياجات المجتمع المغربي.

هذه المقاربة الألمانية تتقاطع مع أهداف المادة 6-35 من القانون المغربي، حيث يسعى كلا النظامين إلى تحقيق التوازن بين الردع والإصلاح، مع ضمان حماية كرامة المحكوم عليهم وتشجيع إدماجهم الإيجابي في المجتمع.

تنظيم مدة وتنفيذ العمل لأجل المنفعة العامة: إطار قانوني وإنساني

تنص المادة 7-35 من القانون رقم 43.22 على أن المدة القصوى لتنفيذ عقوبة العمل لأجل المنفعة العامة لا تتجاوز ستة أشهر من تاريخ صدور المقرر التنفيذي، كما تمنح هذه المادة فرصة للمحكوم عليه أو دفاعه لطلب تمديد هذه المدة مرة واحدة، مما يوفر مرونة قانونية تتماشى مع ظروف التنفيذ.

أما المادة 8-35، فتركز على تطبيق العقوبة على الأحداث، حيث تراعي المحكمة مبدأ المصلحة الفضلى للحدث، مع الاهتمام بحاجيات تكوينه وإعادة إدماجه، ويعكس هذا التوجه بعدًا إنسانيًا يسعى لضمان تربية وإصلاح الأحداث بدلاً من معاقبتهم فقط.

وتؤكد المادة 9-35 على حماية أمن وصحة المحكوم عليهم أثناء تنفيذ العمل، من خلال الالتزام بالمقتضيات التشريعية والتنظيمية ذات الصلة، كما تُحمّل الدولة مسؤولية تعويض الأضرار التي قد يتسبب فيها المحكوم عليه أثناء تنفيذ العقوبة، مع حقها في الرجوع على المحكوم عليه لاسترداد ما تم أداؤه، مما يُرسخ مبدأ العدالة والمسؤولية المشتركة.

في النظام الألماني، تُنظم عقوبة العمل لأجل المنفعة العامة بصرامة لضمان تحقيق أهدافها، تُحدد مدة التنفيذ بمرونة تُراعي طبيعة الجريمة وحالة المحكوم عليه الاجتماعية، مع تركيز خاص على الأحداث، يُلزم القانون الألماني الهيئات المشرفة على توفير بيئة آمنة وصحية للعمل، كما يتم تعويض المتضررين نتيجة أي خطأ أثناء تنفيذ العقوبة، ويُسمح للحكومة بالمطالبة بالتعويضات إذا ثبت إهمال المحكوم عليه.

الإضافة إلى ذلك، يوفر النظام الألماني برامج تدريب وتأهيل مهني أثناء تنفيذ العقوبة، مما يعزز فرص إعادة إدماج المدانين، هذه المقاربة تتلاقى مع أهداف المواد 7-35، 8-35، و9-35 من القانون المغربي، مع إمكانية استلهام آليات إضافية لتحفيز المحكوم عليهم على الالتزام وإعادة التأهيل الفعّال، بما يعزز الانسجام الاجتماعي ويقلل من معدلات العود للجريمة.

تنظيم وتنفيذ المراقبة الإلكترونية: إطار قانوني وآليات تطبيق

تمثل المراقبة الإلكترونية " السوار الالكتروني " إحدى العقوبات البديلة التي جاء بها القانون رقم 43.22 كخطوة نحو تحديث العدالة الجنائية في المغرب وقد خصص "الفرع الثالث" من هذا القانون لتنظيم هذه العقوبة، حيث تقدم المادة 10-35 تعريفًا واضحًا لها، باعتبارها وسيلة تقنية لمتابعة حركة وتنقل المحكوم عليه باستخدام وسائل إلكترونية متطورة، ويهدف هذا الإجراء إلى تحقيق التوازن بين معاقبة الجاني وضمان سلامة الضحايا والمجتمع.

كيفية التنفيذ وضمان الالتزام تكون وفقًا للمادة 11-647، تُنفذ المراقبة الإلكترونية من خلال وضع جهاز إلكتروني على جسد المدان، يُمكّن من تتبع تحركاته ضمن نطاق جغرافي محدد، هذا النظام لا يقتصر على الرقابة فحسب، بل يضع حدودًا صارمة لضمان امتثال المدان لشروط العقوبة، في حال الإخلال بهذه الشروط، تُنص المادة 12-647 على فرض عقوبات إضافية، قد تصل إلى السجن لمدة ثلاثة أشهر أو دفع غرامة مالية، ما يعكس جدية القانون في الحفاظ على هيبة النظام.

نجد نصوص تنظيمية إضافية للحفاظ على التوازن حيث تُؤكد المادة 13-647 على أهمية إصدار نصوص تنظيمية تُحدد كيفية تدبير الجوانب التنفيذية للمراقبة الإلكترونية، بما يشمل المصاريف المحتملة التي قد تُلقى على عاتق المدان، هذا الإجراء يهدف إلى جعل العقوبة البديلة قابلة للتطبيق بشكل عملي ومنصف.

ما يميز هذا النظام هو التركيز على الجوانب الإنسانية، حيث تمنح المادة 14-647 للمدان الحق في طلب فحص طبي للتحقق من تأثير القيد الإلكتروني على صحته، وفي حال ثبوت أي ضرر صحي، يملك قاضي تطبيق العقوبات سلطة تعديل العقوبة لضمان حقوق المدان وسلامته.

تُعد المراقبة الإلكترونية خطوة نوعية في تطوير العقوبات البديلة بالمغرب، حيث تتيح الفرصة لمحاسبة المدانين مع الإبقاء على صلتهم بالمجتمع. من خلال هذا النظام، يتم تحقيق توازن دقيق بين الردع والإصلاح، مع مراعاة حقوق الإنسان واستخدام التكنولوجيا بشكل يخدم العدالة. هذا التوجه يُعد فرصة لإثبات جدوى العقوبات البديلة في تقليل الاكتظاظ السجني وتعزيز ثقة المواطنين في النظام القضائي.

مقاربة مقارنة: بالتجارب الدولية

النظام الألماني: تُعد المراقبة الإلكترونية في ألمانيا خيارًا متقدمًا، حيث تُستخدم لتقليل الاكتظاظ في السجون ومراقبة المدانين ضمن إطار قانوني صارم، تعتمد السلطات الألمانية تقنيات متطورة تتيح المراقبة في الوقت الفعلي، مع ضمان احترام الخصوصية وسلامة المدان، في حال حدوث إخلال بالشروط، تُفرض عقوبات فورية تتناسب مع طبيعة الانتهاك، كما تتحمل الدولة جزءًا من تكاليف المراقبة لتخفيف العبء المالي على المدانين، خاصة في الحالات الاجتماعية الصعبة.

النظام البريطاني: يركز النظام البريطاني على استخدام المراقبة الإلكترونية كوسيلة لتعزيز إعادة التأهيل وتقليل معدلات العود، يتم تنفيذها غالبًا مع برامج تأهيلية، مثل التوجيه النفسي أو التدريب المهني، توفر الحكومة البريطانية آليات لتقييم التأثيرات الصحية والاجتماعية للمراقبة، بما يضمن تطبيقًا إنسانيًا ومنصفًا.

التدابير الرقابية والعلاجية كبدائل للعقوبات التقليدية: إطار تنظيمي وآليات تنفيذ

يتناول "الفرع الرابع" من القانون رقم 43.22 تنظيم "تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية" كأحد أنواع العقوبات البديلة، تُعرّف المادة 11-35 هذه التدابير بأنها مجموعة من الإجراءات التي تهدف إلى اختبار سلوك المدان والتأكد من استعداده لتقويم سلوكه وإعادة إدماجه في المجتمع.

وتُحدد المادة 12-35 أنواع التدابير التي يمكن للمحكمة الحكم بها، وتشمل:

مزاولة نشاط مهني محدد: يُمكن المدان من اكتساب مهارات تسهم في تحسين وضعه الاجتماعي.

الإقامة في مكان معين: لضمان عدم التسبب في اضطرابات جديدة.

الخضوع لرقابة دورية: كوسيلة لمتابعة سلوكه وتحقيق الردع الإيجابي.

التعهد بعدم الاتصال بضحايا الجريمة: لحماية حقوق الضحايا وتجنب أي مواجهات مستقبلية.

الخضوع لعلاج نفسي: لمعالجة الأسباب الكامنة وراء السلوك الإجرامي.

تعويض الأضرار الناجمة عن الجريمة: تعزيزًا للعدالة التصالحية ورد الاعتبار للضحايا.

تتولى الإدارة المكلفة بالسجون مسؤولية متابعة تنفيذ هذه التدابير، وفقًا لما تنص عليه المادة 13-35. يتم إعداد تقارير دورية حول مدى التزام المدان بالشروط المحددة، وتُرفع هذه التقارير إلى المحكمة، في حالة الإخلال بشروط التدابير، تملك المحكمة سلطة اتخاذ إجراءات قانونية إضافية، بما في ذلك إلغاء التدبير البديل واستبداله بعقوبة تقليدية، لضمان الالتزام وتحقيق أهداف العقوبة.

تعكس هذه التدابير رؤية إصلاحية تسعى إلى تحقيق توازن بين الردع والإصلاح، مع التركيز على تقويم سلوك المدان بطريقة تساهم في إعادة تأهيله، وتُعد هذه المقاربة جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى تقليل الآثار السلبية للعقوبات التقليدية وتعزيز العدالة التصالحية، بما يضمن حماية المجتمع واحترام حقوق الأفراد.

مقاربة مقارنة: التجارب الدولية

النظام الألماني: يولي النظام الألماني أهمية كبرى للتدابير الرقابية والعلاجية، حيث يتم دمجها مع برامج تأهيلية شاملة تشمل الاستشارات النفسية والإرشاد المهني. تُنفذ هذه التدابير تحت إشراف متخصصين، وتُراعى ظروف المدان الاجتماعية والصحية، في حال الإخلال بالشروط، تُعاد دراسة حالة المدان لاتخاذ التدابير المناسبة.

النظام الفرنسي: يشمل النظام الفرنسي تدابير علاجية ورقابية مشابهة، مثل حظر الإقامة في مناطق معينة، ومراقبة المدان إلكترونيًا أو ميدانيًا، والخضوع لجلسات علاجية تهدف إلى تعديل السلوك، خاصة في حالات الجرائم المرتبطة بالعنف أو المخدرات.

النظام الكندي: يُركز النظام الكندي على تدابير إعادة التأهيل الاجتماعي، بما في ذلك جلسات التأهيل المجتمعي، الإشراف على العمل المهني، والتدريب على المهارات الحياتية.

إمكانيات إضافات عملية لتطوير النظام المغربي في ظل انتظار إصدار المراسيم التنظيمية حيث يمتلك النظام المغربي إمكانيات واسعة لتعزيز فعالية العقوبات البديلة من خلال إضافات عملية مستوحاة من التجارب المقارنة الرائدة، مع مراعاة خصوصية المجتمع واحترام القواعد القانونية الوطنية، تهدف هذه الإضافات إلى تحسين الإطار التنظيمي وضمان تطبيق مرن وعادل للعقوبات البديلة فور إصدار المراسيم التنظيمية المرتقبة.

مقترحات عملية لتطوير النظام المغربي:

دمج برامج تأهيلية شاملة: تعزيز التدابير الرقابية والعلاجية بإضافة برامج تأهيلية تركز على تطوير المهارات الاجتماعية والمهنية للمدانين، مما يسهم في تحسين فرص إعادة إدماجهم في المجتمع وسوق العمل.

توفير آليات تقييم مستمرة: إنشاء نظام لتقييم فعالية التدابير البديلة بشكل دوري، مع إتاحة المجال لتعديل هذه التدابير بناءً على نتائج التقييم واحتياجات المدان الفردية.

إدماج برامج للدعم النفسي والاجتماعي: تضمين خدمات للدعم النفسي والاجتماعي كجزء من التدابير، لمساعدة المدانين على معالجة الأسباب الكامنة وراء ارتكاب الجريمة، وتقليل احتمالية العود إلى الإجرام.

إشراك المجتمع المدني: تعزيز التعاون مع المنظمات غير الحكومية والجمعيات المهنية للمشاركة في تنفيذ التدابير الرقابية والعلاجية، يمكن أن تسهم هذه الشراكات في تحسين الإشراف على التنفيذ وتقديم موارد إضافية لدعم إعادة التأهيل.

من خلال اعتماد هذه الإضافات العملية، يمكن للنظام المغربي أن يُرسخ مكانته كنموذج رائد في تطبيق العقوبات البديلة، يتيح هذا النهج فرصة لتحقيق عدالة أكثر إنسانية وفعالية، تُوازن بين حماية المجتمع وإعادة تأهيل الأفراد، مع احترام القيم الوطنية والانفتاح على التجارب الدولية الناجحة.

6- تنظيم الغرامة اليومية كعقوبة بديلة: إطار قانوني وضوابط التطبيق

يشكل "الفرع الخامس" من القانون رقم 43.22 خطوة جديدة في تحديث المنظومة الجنائية المغربية من خلال اعتماد الغرامة اليومية كإحدى العقوبات البديلة للعقوبات السالبة للحرية.

تعريف الغرامة اليومية وشروط تطبيقها

وفقًا للمادة 14-35، تُعرّف الغرامة اليومية بأنها مبلغ مالي يُحدد من قبل القاضي عن كل يوم من مدة العقوبة الحبسية الأصلية، ويُشترط لتطبيق هذه العقوبة موافقة الضحية، سواء من خلال الصلح أو التنازل، مع التزام المدان بتعويض الضرر الناجم عن الجريمة.

معايير تحديد الغرامة

تنص المادة 15-35 على أن الغرامة اليومية تتراوح بين 100 و2000 درهم عن كل يوم من العقوبة الحبسية، ويجب على المحكمة مراعاة المعايير التالية عند تحديد قيمتها:

الإمكانيات المادية للمدان: لضمان أن تكون الغرامة مناسبة لوضعه المالي.

خطورة الجريمة: لتحديد المبلغ بما يتناسب مع طبيعة الجريمة المرتكبة.

حجم الضرر الذي لحق بالضحية: لضمان تعويض عادل يتماشى مع الأضرار الناجمة.

آليات أداء الغرامة

تتيح المادة ذاتها إمكانية تقسيط الغرامة اليومية إذا كان المدان غير معتقل، مراعاةً لظروفه المادية، وفي حالة الإخلال بشروط الأداء، يُمنح قاضي تطبيق العقوبات صلاحية اتخاذ تدابير بديلة، قد تصل إلى تنفيذ العقوبة الحبسية الأصلية.

أهمية الغرامة اليومية

تُعتبر الغرامة اليومية وسيلة فعالة لتخفيف الضغط على المؤسسات السجنية، مع تحقيق الردع المالي المناسب، كما أنها تعزز العدالة التصالحية من خلال إشراك الضحية والمدان في حل النزاع بشكل مرن وإنساني.

يشكل تنظيم الغرامة اليومية وفق القانون رقم 43.22 خطوة محورية نحو تطوير العقوبات البديلة في المغرب. ويتيح هذا التنظيم اعتماد آلية فعّالة تُوازن بين تحقيق الردع الجنائي وضمان العدالة الاجتماعية. من خلال تطبيق ضوابط دقيقة تراعي الظروف المادية والاجتماعية لكل من المدان والضحية، يمكن تعزيز العدالة الجنائية بآليات أكثر مرونة وإنصافًا، هذه المقاربة تُسهم في إصلاح المدان، تعويض المتضرر بشكل عادل، وتقليل الآثار السلبية الناتجة عن الاعتماد على السجن التقليدي كعقوبة أساسية.

مقاربة مقارنة: التجارب الدولية

النظام الألماني: تُطبق الغرامة اليومية في ألمانيا كعقوبة بديلة شائعة عن السجن القصير الأمد. يتم احتساب الغرامة بناءً على دخل المدان اليومي لضمان عدالة التطبيق، مع مراعاة الحد الأدنى للمعيشة، كما يمكن تقسيط الغرامة أو استبدالها بخدمة مجتمعية إذا كان المدان غير قادر على الدفع. في حال عدم الامتثال، قد تُستأنف العقوبة السالبة للحرية.

النظام الفرنسي: يعتمد النظام الفرنسي نظام "الإصلاح المالي"، حيث يتم احتساب الغرامة وفقًا للضرر المترتب على الجريمة ودخل المدان. يُتاح للمدان تقسيط المبلغ أو تحويله إلى عمل للنفع العام إذا أثبت عجزه المالي.

النظام البريطاني: في المملكة المتحدة، تُراعى الإمكانيات المادية للمدان عند تحديد الغرامة اليومية، ويتم وضع خطة سداد تتناسب مع وضعه المالي، مع التركيز على التعويض العادل للضحية.

إضافات مقترحة لتحسين النظام المغربي

ربط قيمة الغرامة اليومية بالدخل: يمكن اعتماد آلية تستند إلى دخل المدان لضمان عدالة العقوبة وعدم إثقال كاهل الفئات ذات الدخل المحدود.

استبدال الغرامة بخدمة مجتمعية: في حالة العجز عن السداد، يمكن تقديم خيار بديل يتمثل في العمل للنفع العام.

آليات رقابة ومتابعة: تطوير نظام رقابي يضمن متابعة تنفيذ الغرامة اليومية، مع توفير دعم قانوني واجتماعي للمدانين في حال العجز.

تعزيز الشفافية والصلح: تشجيع آليات الصلح وتعويض الضحايا كجزء أساسي من العقوبة البديلة، بما يعزز المصالحة الاجتماعية.

من خلال تعزيز هذه الإجراءات، يمكن تحقيق عدالة فعالة ومرنة، مع ضمان إعادة إدماج المدانين وتقليل الآثار السلبية للعقوبات التقليدية.

7- تنظيم مساطر تنفيذ العقوبات البديلة: إطار إجرائي شامل

خصص القانون رقم 43.22 "الباب الخامس مكرر" لتنظيم مساطر تنفيذ العقوبات البديلة، مما يجعله أحد أهم المكونات التي تحدد الإطار الإجرائي لتطبيق هذه العقوبات، وفقًا للمادة 1-647، تُناط بالإدارة المكلفة بالسجون مسؤولية متابعة تنفيذ العقوبات البديلة، سواء على المستوى المركزي أو المحلي، ما يضمن وحدة التنسيق والتنفيذ.

دور الإدارة المكلفة بالسجون في تنفيذ العقوبات البديلة

وفقًا للمادة 1-647، تُناط بالإدارة المكلفة بالسجون مسؤولية متابعة تنفيذ العقوبات البديلة، سواء على المستوى المركزي أو المحلي. هذه المسؤولية تتوزع على عدة مستويات لضمان تنسيق فعال وتنفيذ دقيق:

المستوى المركزي:

تحديد السياسات العامة: الإدارة المركزية مسؤولة عن وضع الخطط والسياسات المتعلقة بتنفيذ العقوبات البديلة.

تطوير البرامج الإرشادية: إعداد أدلة وإرشادات موحدة لضمان تنفيذ العقوبات بالتوافق مع القانون.

الإشراف والرقابة: تقوم الإدارة المركزية بمراقبة أداء الفروع المحلية وتقييم تقاريرها بشكل دوري لضمان الامتثال للمعايير.

المستوى المحلي:

تنفيذ الأحكام القضائية: الفروع المحلية تتولى تطبيق العقوبات البديلة على أرض الواقع، بما يشمل متابعة المدانين والتأكد من التزامهم بشروط العقوبة.

التواصل المباشر مع المدانين: يتم تقديم إرشادات دورية للمدانين حول كيفية الالتزام بالعقوبات البديلة.

إعداد تقارير دورية: تقوم الفروع المحلية بإعداد تقارير عن سير تنفيذ العقوبات ورفعها إلى الإدارة المركزية والمحكمة المختصة.

وتوضح المادة 2-647 مسطرة إحالة المقرر القضائي المتعلق بالعقوبة البديلة إلى قاضي تطبيق العقوبات. يتولى القاضي إصدار المقرر التنفيذي وإحالته إلى الإدارة المكلفة بالسجون، مما يضمن إشرافًا قضائيًا مباشرًا على تنفيذ هذه العقوبات.

أما المادة 3-647، فتُحدد الاختصاصات الواسعة لقاضي تطبيق العقوبات، والتي تشمل الفصل في المنازعات المتعلقة بتنفيذ العقوبات، إصدار الأوامر والقرارات الضرورية، والنظر في التقارير الدورية المتعلقة بتقدم تنفيذ العقوبة البديلة. يعكس هذا التنظيم دور القاضي كضامن لتحقيق العدالة وتنفيذ العقوبات بشكل سليم.

وتتناول المادة 4-647 شروط رد الاعتبار القضائي للمحكوم عليه الذي ينفذ عقوبة بديلة، تمنح هذه المادة للمحكوم عليه الحق في استعادة حقوقه المدنية والسياسية بعد مرور سنة على انقضاء العقوبة البديلة، أو بعد سنة ونصف في حال كان رد الاعتبار يتم بقوة القانون، مما يُبرز البعد الإصلاحي والإنساني لهذه العقوبات.

8- الإطار الإجرائي لتطبيق العقوبات البديلة وفقًا للقانون رقم 43.22

ينظم القانون رقم 43.22 مجموعة من المواد التي تحدد الإطار الإجرائي التفصيلي لتطبيق العقوبات البديلة، مما يعزز من وضوح وفعالية هذه العقوبات:

تنفيذ عقوبة العمل لأجل المنفعة العامة (المواد 5-647 إلى 9-647): تشمل هذه المواد جميع المراحل بدءًا من إحالة الملف على قاضي تطبيق العقوبات، تحديد طبيعة العمل وساعاته بما يتناسب مع خطورة الجريمة وظروف المدان، وصولًا إلى الإجراءات المتعلقة بعواقب الإخلال بشروط العمل، والتي قد تشمل تعديل أو إلغاء العقوبة البديلة واستبدالها بعقوبة حبسية.

تنفيذ المراقبة الإلكترونية (المواد 10-647 إلى 14-647): تُنظم هذه المواد المساطر المتعلقة بالمراقبة الإلكترونية، بدءًا من إحالة الملف على قاضي تطبيق العقوبات، وضع القيد الإلكتروني لمراقبة حركة المدان ضمن الحدود الجغرافية المحددة، وصولًا إلى التعامل مع الإخلال بشروط المراقبة، حيث قد تُفرض عقوبات إضافية أو تُعاد العقوبة السالبة للحرية.

تنفيذ تقييد بعض الحقوق أو فرض تدابير رقابية أو علاجية أو تأهيلية (المواد 15-647 إلى 17-647): تُحدد هذه المواد المساطر المتعلقة بفرض التدابير، بدءًا من إحالة الملف على قاضي تطبيق العقوبات، مرورًا بتحديد التدابير المناسبة لحالة المدان وطبيعة الجريمة، ووصولًا إلى عواقب الإخلال بالشروط المقررة، والتي تشمل إعادة النظر في العقوبة البديلة.

تنفيذ الغرامة اليومية (المواد 18-647 إلى 21-647): تنظم هذه المواد كيفية إحالة الملف على قاضي تطبيق العقوبات، تحديد مبلغ الغرامة اليومية استنادًا إلى الإمكانيات المادية للمدان وظروف الجريمة، وآليات تسديد الغرامة، بالإضافة إلى الإجراءات المتعلقة بحالات الإخلال، مثل تقسيط الغرامة أو استبدالها بعقوبة سالبة للحرية في حال عدم الامتثال.

المرونة في تعديل العقوبات (المادة 22-647): تمنح المادة 22-647 قاضي تطبيق العقوبات صلاحية استبدال العقوبة الحبسية بعقوبة بديلة في حالات محددة حتى بعد صدور حكم نهائي، مما يعكس مرونة تشريعية تهدف إلى تعزيز فرص إصلاح المدانين وإعادة إدماجهم.

مقاربة مقارنة: التجارب الدولية

النظام الألماني: تعتمد ألمانيا آليات صارمة لتنفيذ العقوبات البديلة، حيث يُشرف قاضٍ مختص على التنفيذ لضمان الامتثال. يتم تنظيم التقارير الدورية بواسطة هيئات متخصصة، مع مراعاة ظروف المحكوم عليهم واحتياجاتهم. كما توفر التشريعات الألمانية مسارات واضحة لإعادة الاعتبار للمحكوم عليهم بعد إتمام العقوبة.

النظام الفرنسي: يُخصص في فرنسا قاضي تنفيذ العقوبات (Juge de l'Application des Peines) للإشراف على تنفيذ العقوبات البديلة، مع صلاحيات مشابهة تشمل تعديل العقوبات عند الحاجة وإعادة تقييم ظروف المدان.

النظام الكندي: يوفر النظام الكندي نظامًا رقابيًا متكاملًا يعتمد على التعاون بين القاضي والهيئات المحلية للإشراف على التنفيذ، مع تركيز كبير على إعادة الإدماج وإعادة الاعتبار بعد انقضاء العقوبة.

هذه التعديلات والمقاربات المقترحة تعكس رؤية متطورة لتنفيذ العقوبات البديلة، بما يحقق التوازن بين الردع، الإصلاح، وضمان احترام كرامة المحكوم عليهم.

9- موعد تنفيذ القانون ومتطلبات الشروع فيه: نحو تطبيق فعّال للعقوبات البديلة

تحدد المادة الرابعة من القانون رقم 43.22 تاريخ دخوله حيز التنفيذ، مشروطة بصدور النصوص التنظيمية اللازمة لتطبيقه، وتنص المادة على ضرورة إصدار هذه النصوص خلال مدة لا تتجاوز سنة واحدة من تاريخ نشر القانون في الجريدة الرسمية.

يمثل هذا القانون نقلة نوعية في مجال العدالة الجنائية المغربية، حيث يُعزز دور العقوبات البديلة كأداة لتحقيق العدالة، وتقليل الاعتماد على العقوبات السالبة للحرية، يتميز القانون بالدقة والشمولية في معالجة جميع الجوانب المرتبطة بالعقوبات البديلة، بدءًا من تعريفها وأنواعها، مرورًا بشروط وإجراءات تطبيقها، وصولًا إلى عواقب الإخلال بها.

متطلبات التنفيذ الفعّال

البنية التحتية المادية والبشرية: يعتمد نجاح تطبيق القانون على توفير الموارد اللازمة، مثل البنية التحتية الرقمية لمتابعة تنفيذ العقوبات، وتدريب الكوادر القضائية والإدارية.

التعاون المؤسسي: يتطلب التطبيق تنسيقًا فعالًا بين السلطات القضائية، الإدارة المكلفة بالسجون، والمؤسسات المشاركة في تنفيذ العقوبات، مثل الجمعيات والمؤسسات المهنية.

التوعية المجتمعية: نشر الوعي حول أهمية العقوبات البديلة كوسيلة إصلاحية يسهم في تعزيز قبول المجتمع لهذه الآلية الجديدة.

مقاربة مقارنة: التجارب الدولية

النظام الألماني: يُطبق النظام الألماني العقوبات البديلة ضمن إطار تنظيمي شامل، مع توفير الإمكانيات التقنية والبشرية اللازمة، يتم إصدار النصوص التطبيقية بسرعة لتجنب التأخير، كما يُشرك المجتمع المدني في تنفيذ العقوبات.

النظام الفرنسي: يعتمد النظام الفرنسي على خطط انتقالية لتطبيق القوانين الجديدة، تشمل تدريب القضاة وإطلاق حملات توعوية لضمان فهم جيد للعقوبات البديلة وآليات تنفيذها.

النظام الكندي: يُركز النظام الكندي على توفير برامج دعم مجتمعية وموارد تدريبية للقضاة والإداريين، مما يضمن نجاح تطبيق العقوبات البديلة ضمن الإطار الزمني المحدد.

توقعات مستقبلية لتعزيز نظام العقوبات البديلة

في إطار تطوير نظام العقوبات البديلة، يُتوقع مستقبلاً إطلاق منصات رقمية تتيح متابعة دقيقة لتنفيذ العقوبات، إلى جانب إصدار نصوص تنظيمية إضافية تُحدّد معايير التطبيق بوضوح. ومن هنا، فإن هذه الجهود ستسهم في تعزيز الثقة العامة في نظام العدالة البديلة، وتخفيف الضغط على المؤسسات السجنية، مع تحقيق التوازن بين مصلحة المدان والمجتمع.

ولتحقيق ذلك، يُقترح اتخاذ الخطوات التالية:

إطلاق برامج تجريبية: لتجربة العقوبات البديلة وتقييم فعاليتها قبل تعميمها على نطاق واسع.

تعزيز آليات الرقابة والتقييم: لضمان متابعة دقيقة لتطبيق القانون، مع تحديد ومعالجة أي عقبات أو ثغرات محتملة.

تعزيز التعاون الدولي: للاستفادة من التجارب والخبرات العالمية في تحسين تنفيذ العقوبات البديلة وتطوير الإطار التشريعي بما يتناسب مع خصوصيات السياق المغربي.

وعليه، فإن هذه الإضافات المقترحة قد تسهم في تعزيز فعالية العقوبات البديلة وضمان نجاحها كجزء أساسي من المنظومة الجنائية الحديثة.

يمثل قانون العقوبات البديلة في المغرب نقلة نوعية نحو تحديث منظومة العدالة الجنائية، من خلال تقديم حلول مبتكرة تقلل من الاعتماد على العقوبات السالبة للحرية، مع تعزيز إعادة الإدماج الاجتماعي للمحكوم عليهم. في هذا السياق، يعتمد نجاح هذا القانون على التنسيق الوثيق بين المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج والجهات المعنية الأخرى، بالإضافة إلى توفير الموارد اللازمة وتطوير البنية التحتية القانونية والتقنية.

بهذه الخطوات، يُمكن أن يُحقق القانون رقم 43.22 أهدافه بشكل فعّال، مما يُرسخ نموذجًا متطورًا للعدالة الجنائية في المغرب،

وعليه، يُعتبر إصدار المراسيم التطبيقية خطوة حاسمة لتفعيل نصوص القانون وتحقيق أهدافه، ويبرز دور المندوبية العامة لإدارة السجون، تحت قيادة السيد صالح التامك، كعنصر رئيسي في هذا التحول وبالإضافة إلى ذلك، أظهرت المندوبية نهجًا استراتيجيًا واعيًا، اعتمد على التخطيط المحكم والانفتاح على الشراكات الدولية.

أما فيما يتعلق بالبحث المستقبلي، يمكن طرح إشكالية تتناول كيفية مساهمة استراتيجية المندوبية في تعزيز تطبيق العقوبات البديلة وفي هذا الإطار، يمكن التركيز على ثلاثة أبعاد رئيسية:

استراتيجية إدارة السجون: تحليل أثر التخطيط الاستراتيجي على تحسين كفاءة القطاع السجني.

الإطار القانوني: دراسة دور القوانين مثل القانون رقم 10-23 في إرساء نظام قضائي حديث.

تجربة المندوبية العامة: تقييم أدوارها في الانفتاح على المواثيق الدولية، خاصة في سياق التعاون جنوب-جنوب.

خاتمة

لقد أظهرت المندوبية العامة لإدارة السجون، بقيادة السيد صالح التامك، نموذجًا يُحتذى به في التخطيط الاستراتيجي وتنفيذ الرؤى الطموحة، مما جعلها رائدة في الانفتاح على المعايير الدولية وتطبيق الممارسات الفضلى، ومع دخول قانون العقوبات البديلة حيز التنفيذ، يفتح المغرب صفحة جديدة في تاريخه القضائي، حيث يُؤسس لعدالة أكثر إنسانية وتوازنًا، إن استمرار هذه الديناميكية، بدعم من التشريعات الملائمة وإرادة سياسية حقيقية، سيكون ضمانًا لتحقيق أهداف العدالة التصالحية وتعزيز مكانة المغرب كفاعل رئيسي في مجال الإصلاح القضائي على المستوى الدولي.