سياسة واقتصاد

إمارة المؤمنين وضرورة تحلي "النخب الجديدة" بالوعي الوطني المركب في المرحلة القادمة

عبد الخالق حسين (رئيس المجلس العلمي لطانطان)
كم تمنيت أن يجمع بين (التربية والوطنية والفن) في مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا، وأن يبث هذان المقطعان (مقتطف من الخطاب الملكي السامي لملكنا الحسن الثاني رحمه الله، ومقطع "أغنية الصحراء" للفنان عبد الهادي بلخياط) عبر مكبرات الصوت صباحاً طيلة شهر نونبر من كل سنة، تزامناً مع دخول التلاميذ والطلبة إلى المؤسسات التعليمية والمعاهد والجامعات. إنه لمقطع بطولي؛ خطاب أمير المؤمنين وهو يدعو بكل حزم وثبات إلى انطلاق ملحمة المسيرة الخضراء، ومقطع "أغنية ياعين الصحراء ياعين" للفنان عبد الهادي بلخياط، وهو مقطع مهيب من الفن الراقي والموسيقى الخالدة والإيقاع الرعدي المزلزل والموقظ للشعور الوطني الأزلي. 

إن "غرس الوطنية" مشروع كبير وسمفونية متكاملة ينبغي أن تتكامل وتتناسق فيه كل القطاعات والتخصصات الفكرية والتربوية والفنية والسياسية والرياضية والدينية، كل يضع (لبنة) في معمار بناء وتعزيز الشعور الوطني في السيكولوجية المغربية الناشئة. إننا إمبراطورية عريقة وعظيمة اسمها المملكة الشريفة، وتحتاج وتستحق أن يعي كل المدبرين على المستويات النظرية والتطبيقية معنى الانتماء الإمبراطوري. ففي البناء الإمبراطوري كل شيء كبير وعظيم وفخم وباذخ، أي كل شيء يشع منه الكمال والجلال والفخامة والرزانة والبطولة. ولنتأمل البروتوكول الملكي عند استقبال الرئيس الفرنسي؛ كل شيء يحيل على التميز من الجلباب إلى الزربية الرباطية على أرضية المطار، إلى الإيقاع الفني التقليدي، إلى النقش والزخرفة المعمارية للقصر الملكي، وصولاً إلى مأدبة العشاء التي تحيل على أخلاق الكرم والذوق المغربي الفريد عالمياً. وحتى (الطائرة/ التكنولوجيا)، فليعلم الجميع أن القطع المهمة في الطائرة أصبحت صناعة مغربية خالصة ونحن في البدايات.

إنني وأنا أسترجع خطبة الجمعة لفاتح نونبر 2024، أدركت أن المؤسسة العلمية أو ما نطلق عليه تاريخياً "مشيخة العلماء" منخرطة بحكمة وأناقة في مشروع (تجديد الوعي والسيكولوجية الوطنية) بما يستجيب لمقام الإمبراطورية وشروط ازدهارها. ومن هنا أحيي الأخوة في وزارة الأوقاف والأخوة في المجلس العلمي الأعلى على هذه الراهنية والالتقاط والشفافية الإدراكية والحس الاستباقي في الانخراط في مسيرة التغيير وتجاوز مرحلة التدبير. كما جاء في خطاب مولانا أمير المؤمنين بمناسبة عيد العرش؛ لقد أشار الخطاب السامي إلى مرحلة (التمهيد) وقد دخلنا اليوم مرحلة (العرض). 

ولكن لم يكن أحد يتصور أن يكون العرض بهذه الفخامة والفجائية، وأن يصرح الرئيس الفرنسي ماكرون؛ رئيس أكبر "إمبراطورية علمانية في العالم" أسست فلسفتها على معاداة الميتافيزيقا والدين والمطلق، أن يقول من تحت قبة البرلمان المغربي ونقلاً على الهواء إلى مسامع الكرة الأرضية: "عاشت المملكة المغربية.. إن الضامن الوحيد والأوحد للاستقرار والأمن والتقدم في المغرب هو النظام الملكي وهو المؤسسة الملكية وما ينضوي تحتها من مؤسسة إمارة المؤمنين ومؤسسة المخزن". 

إن هذا الإعلان إذا وضع في سياق الإمبراطورية المغربية الشريفة منذ التآمر عليها والتخطيط لإضعافها مرورا بفرض الحماية عليها ثم نفي ملكها من أجل مسخ هويتها الروحية وإلحاقها بالسياق الثقافي الفرنسي، ثم بالتآمر على جغرافية المغرب بمحاولة فرض التجزئة العرقية والمناطقية عليه، وصولاً إلى خنقه حضارياً باستعمال الجيران ضده؛ كل هذه المؤامرات والدسائس تختم بكلمة الرئيس الفرنسي المذكورة سلفاً. إن هذا وحده مؤشر على (قوة وفتوة الإمبراطورية الشريفة) وجوهره إمارة المؤمنين. تبقى إمارة المؤمنين هي الضامن للهوية والاستمرار والوحدة والاستقرار، وقد جاء الاعتراف بذلك من إمبراطورية العقلانية الديكارتية. 

وتحتاج المملكة الشريفة لنخب بوعي جديد بمقتضيات المرحلة ومن أهمها: "الجدية" كما بسطها أمير المؤمنين في خطاب سابق. وأضيف في السياق ذاته؛ نحتاج مواطناً ذو "وعي تركيبي" يستطيع أن يربط بين سيميولوجيا الاستقبال الملكي وكلمات خطاب المسيرة الخضراء لجلالة الملك الحسن الثاني وجمالية الفن الوطني الملتزم وسجدة لاعبي المنتخب في مجريات كأس العالم ومضامين (خطبة الجمعة) حول المسيرة الخضراء. 

بهذا (الوعي التركيبي) سوف نسرع من الخطى للدخول إلى عالم الإمبراطوريات التي (لا يجمع ولا يعقد أمر في العالم) إلا بحضورها واستشارتها، وهو يوم قريب بإذن الله؛ وبشائره قد لاحت كما أخبرنا العارفون بالله وأهل السر رضي الله عنهم.