منذ تأسيس مليشيات البوليساريو من طرف النظام العسكري الجزائري، أشرف ضباط من العسكر الجزائري على إقامة العديد من السجون في مخيمات تندوف، منها سجن «الرشيد» الرهيب، وسجن «عظيم الريح»، وسجن النساء المعروف «بسجن الرويضا» و«الذهيبية»، وغيرها من مراكز الاعتقال والاحتجاز، التي عانت فيها النساء والفتيات من الاعتداءات الجنسية والتعذيب والإجهاض والمتاجرة فيما يعرف بـ «أطفال الغار»، وهم الأطفال الذين يولدون بسبب الاغتصاب والعلاقات غير الشرعية مع ضباط الجيش الجزائري أو مع قيادة البوليساريو، حيث يتم سجن الحوامل وبعد الولادة يغادرن بدون أطفالهن الذين يتم الاتجار بهم ولا يعرف مصيرهم.
وتعرض العديد من المحتجزين للاختطاف والتعذيب والإعدام. كما تم استقدام العديد من المغرر بهم من أفراد الجالية المغربية الصحراوية الذين تمت تصفيتهم هم وأفراد عائلاتهم من نساء وأطفال. وتتم تصفية أفراد الجالية من طرف قيادة البوليساريو حين قدومهم كما هو الحال لعدد من الأسر التي تنتمي إلى منطقة وادنون، فقد تمت تصفية مثلاً أسرة كاملة تنتمي إلى قبيلة أيت لحسن بمجرد وصولها، حيث تمت تصفية الأب وأطفاله الاثنين رمياً بالرصاص، قبل قتل الزوجة التي تم اغتصابها. وقد انتشرت خاصة في المخيمات عبارة «من المطار إلى الغار»، التي تلخص ما يحدث للمغرر بهم من أفراد الجالية، أي من المطار مباشرة إلى السجن والاختفاء القسري والإعدام.
الأمم المتحدة تكتفي فقط بإبداء قلقها
تفويت الجزائر لولايتها القضائية، جعل المحتجزين يحرمون من أي حق في اللجوء إلى عدالة البلد المضيف، أو أي آلية انتصاف أخرى، وذلك بالرغم من أن لجنة حقوق الإنسان والأمين العام للأمم المتحدة، وكذا فريق العمل الأممي حول الاختفاء القسري، أكدوا ما مرة وفي عدة مناسبات، على عدم قانونية تفويض الجزائر لصلاحياتها لـ البوليساريو، ووجود نظام حكومي وقضائي موازٍ تحت إشراف البوليساريو، وطالبوها بوضع حد لهذا الوضع الشاذ لمخيمات تندوف، كما هو الحال خلال مناقشة التقرير المقدم من الجزائر، بشأن التدابير المتخذة لتنفيذ الميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، في شهر يوليوز من سنة 2018 في الدورة 123 في جنيف، أمام لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، التي أكدت شذوذ هذه الوضعية في ملاحظاتها الختامية حول التقرير الدوري الرابع للجزائر، التي اعتمدتها اللجنة خلال هذه الدورة، وأعربت من خلالها عن «قلقها من تفويض الجزائر الفعلي لسلطاتها، ولا سيما الاختصاص القضائي للبوليساريو».
القوانين الجزائرية في نزاع تام مع أحكام الميثاق الدولي لحقوق الإنسان
العديد من القوانين المعتمدة في الجزائر تتناقض أغلب أحكامها مع القانون الدولي وحقوق الإنسان كقانون العقوبات مثلاً. حيث تعد المادة 87 مكرر من الأدوات الرئيسية في الترسانة القمعية للنظام العسكري. وقد استُخدمت هذه المادة لقمع المعارضة ويتم الاستناد إليها في عدة قضايا تتعلق بالنشطاء السياسيين أو المدونين. بحكم أن تعريف الإرهاب غير محدد وغير واضح، مما يجعل من هذه المادة وسيلة تسمح بالتصنيف الجنائي لمواقف المعارضين السياسيين والصحافة وكل ما يرتبط بحرية الرأي والتجمهر.
ففي محضر الجلسة لشهر يوليوز من سنة 2018 في الدورة 123 في جنيف، التي شهدت مناقشة التقرير المقدم من الجزائر، بشأن التدابير المتخذة لتنفيذ الميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والذي نشر على موقع الأمم المتحدة، تساءل خبراء هذه اللجنة أيضاً فيما إذا كانت الجزائر تخطط لإعادة النظر في بعض أحكام «ميثاق السلم والمصالحة الوطنية» الذي يحظر مثلاً مقاضاة عناصر قوات الدفاع والأمن.
يذكر أن «ميثاق السلم والمصالحة الوطنية» قدمه الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة، في إطار طي صفحة الحرب الأهلية الجزائرية «حرب العشرية السوداء»، من خلال منح عفو عن معظم أعمال العنف التي ارتكبت أثناءها. حيث تم إجراء استفتاء عام عليه في 29 شتنبر 2005، وقد حصل الميثاق خلاله على موافقة بنسبة 97%، وتم تنفيذ الميثاق بوصفه قانونًا في 28 فبراير .2006
أحكام «ميثاق السلم والمصالحة الوطنية»، نسجت وفصلت من أجل تكريس الإفلات من العقاب ومن أجل تقديم مقابل خدمة ومجازاة العديد من عملائها الذين وظفتهم كإرهابيين خلال العشرية السوداء، وارتكبوا العديد من الجرائم في حق الشعب الجزائري تحت إشراف المخابرات العسكرية، حيث تم إصدار مرسوم رئاسيّ رقم 06-94 مؤرّخ في 29 محرّم عام 1427 الموافق 28 فبراير سنة 2006، الذي جاء فيه أنه «يتعلق بإعانة الدولة للأسر المحرومة التي ابتليت بضلوع أحد أقاربها في الإرهاب». وتطبيقاً للمادّة 42 من «ميثاق السلم والمصالحة الوطنية»: «تستفيد الأسر المحرومة التي ابتليت بضلوع أحد أقاربها في الإرهاب، من إعانة تمنحها الدولة، بعنوان التضامن الوطني. يمنح الحقّ في الإعانة المذكورة أعلاه بموجب شهادة تسلّمها السلطات الإدارية المختصة.تحدد كيفيات تطبيق هذه المادّة عن طريق التنظيم». كما أعطت المادّة 25 من نفس القانون الحق «للإرهابي النظام العسكري» في العودة إلى وظائفهم السابقة، بل والحصول على تعويض مادي، حيث جاء في المادة المذكورة ما نصه: «لكلّ من كان موضوع إجراءات إدارية للتسريح من العمل قررتها الدولة، بسبب الأفعال المتصلة بالمأساة الوطنية، في إطار المهام المخولة لها، الحق في إعادة إدماجه في عالم الشغل أو، عند الاقتضاء، في تعويض تدفعه الدولة، في إطار التشريع المعمول به.تحدد كيفيات تطبيق هذه المادّة عن طريق التنظيم».
كما أثار خبراء اللجنة المذكورة العديد من الأسئلة والملاحظات انطلاقاً من التساؤل عن سبب «التأخير الكبير» في عرض الجزائر لتقريرها، والذي كان من المفروض عليها تقديمه في نونبر 2011 ولم تقدمه إلا بعد ست سنوات، إضافة إلى غياب التعاون بين السلطات الجزائرية والآليات الدولية لحقوق الإنسان، خاصة في حالات قيام نزاع بين أحكام الميثاق الدولي لحقوق الإنسان و«قانون السلم والمصالحة الوطنية» الجزائري، الذي لا يزال سارياً، على الرغم من أن اللجنة الدولية اعتبرت في عدة مناسبات أنه يتعارض مع أحكام الميثاق الدولي لحقوق الإنسان. كما طرح خبراء اللجنة عدة قضايا متعلقة بحقوق الإنسان في الجزائر، منها استمرار حظر المظاهرات والمسيرات في الجزائر العاصمة التي دخلت حيز التنفيذ منذ مسيرة العروش في عام 2001. كما وجه انتقاداً آخر للجزائر بشأن وجود «نظام حكومي وقضائي موازٍ في مخيمات اللاجئين بتندوف من قبل البوليساريو»، وتم توجيه سؤال للوفد عن التدابير التي تعتزم الجزائر اتخاذها لوضع حد لهذا الوضع.
الأمم المتحدة تطالب الجزائر بتوضيحات حول قضية «حل دائرة الاستعلام والأمن»
وخلال مناقشة التقرير المقدم من الجزائر، بشأن التدابير المتخذة لتنفيذ الميثاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، طالبت هذه الأخيرة من الوفد الجزائري توضيحات حول قضية «حل دائرة الاستعلام والأمن». بحكم أن السلطات الجزائرية أقرت منذ منتصف عام 2014 سلسلة قرارات لم يتم اعتمادها في الجريدة الرسمية، تشمل إلغاء هيئات ومكاتب أمنية تابعة لجهاز المخابرات السابق، وحل وحدات أمنية أو نقل تبعيتها من المخابرات إلى هيئة أركان الجيش. وشملت هذه القرارات إعفاء وإقالة عدد من المسؤولين والقيادات العليا في جهاز المخابرات.
وقد كانت الضغوط التي تعرض لها المسؤولون العسكريون الجزائريون، وكذا انكشاف دور الجزائر في رعاية الإرهاب، السبب في إقدام السلطات الجزائرية على القيام بتغييرات في جهاز المخابرات، خاصة بعد فضح تورط جهاز الاستخبارات الجزائري في عملية احتجاز وقتل الرهائن الغربيين في «عين أميناس» في الجنوب الجزائري وفي الأحداث الإرهابية في تونس، وهي أعمال تمس بدرجة كبيرة مصالح الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا، وتفضح بجلاء صمت وتواطؤ الدول الغربية وتغاضيها عن ما تقوم به الجزائر من جرائم وتجاوزات خطيرة.
لقد عمدت السلطات الجزائرية، إضافة إلى محاكمة الجنرال حسان (عبد القادر أيت أوعرابي)، وهو أحد أركان جهاز المخابرات آنذاك، والحكم عليه بالسجن 5 سنوات، إلى تعيين اللواء عثمان بشير طرطاق في 13 شتنبر 2015 على رأس جهاز المخابرات خلفاً للفريق محمد مدين، الذي شغل المنصب منذ تأسيس الجهاز عام 1990. وأصدر حينها الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة مرسوماً رئاسياً سنة 2016 يتضمن إعادة هيكلة جهاز المخابرات الذي كان يسمى «مديرية الاستعلام والأمن»، واستحداث جهاز جديد تحت اسم «مديرية المصالح الأمنية»، يضم ثلاث مديريات فرعية، ونقل الرئيس الجزائري آنذاك تبعية الجهاز الجديد إلى الرئاسة، بدلاً من وزارة الدفاع كما كان معمولا به في الجهاز السابق.
ولكن بعد سنوات تم الالتفاف على هذه التغييرات، التي تم القيام بها حينها فقط من أجل تجاوز فضيحة تورط جهاز المخابرات الجزائرية في الأعمال الإرهابية وفي رعاية الإرهاب، وعادت الأمور إلى ما كانت عليه سابقاً.