سياسة واقتصاد

الأمم المتحدة تؤكد غياب التعاون بين السلطات الجزائرية والآليات الدولية لحقوق الإنسان

محمد الطيار (باحث في مركز إشعاع للدراسات الجيوسياسية والاستراتيجية)

منذ‭ ‬تأسيس‭ ‬مليشيات‭ ‬البوليساريو‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬النظام‭ ‬العسكري‭ ‬الجزائري،‭ ‬أشرف‭ ‬ضباط‭ ‬من‭ ‬العسكر‭ ‬الجزائري‭ ‬على‭ ‬إقامة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬السجون‭ ‬في‭ ‬مخيمات‭ ‬تندوف،‭ ‬منها‭ ‬سجن‭ ‬«الرشيد»‭ ‬الرهيب،‭ ‬وسجن‭ ‬«عظيم‭ ‬الريح»،‭ ‬وسجن‭ ‬النساء‭ ‬المعروف‭ ‬«بسجن‭ ‬الرويضا»‭ ‬و«الذهيبية»،‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬مراكز‭ ‬الاعتقال‭ ‬والاحتجاز،‭ ‬التي‭ ‬عانت‭ ‬فيها‭ ‬النساء‭ ‬والفتيات‭ ‬من‭ ‬الاعتداءات‭ ‬الجنسية‭ ‬والتعذيب‭ ‬والإجهاض‭ ‬والمتاجرة‭ ‬فيما‭ ‬يعرف‭ ‬بـ‭ ‬«أطفال‭ ‬الغار»،‭ ‬وهم‭ ‬الأطفال‭ ‬الذين‭ ‬يولدون‭ ‬بسبب‭ ‬الاغتصاب‭ ‬والعلاقات‭ ‬غير‭ ‬الشرعية‭ ‬مع‭ ‬ضباط‭ ‬الجيش‭ ‬الجزائري‭ ‬أو‭ ‬مع‭ ‬قيادة‭ ‬البوليساريو،‭ ‬حيث‭ ‬يتم‭ ‬سجن‭ ‬الحوامل‭ ‬وبعد‭ ‬الولادة‭ ‬يغادرن‭ ‬بدون‭ ‬أطفالهن‭ ‬الذين‭ ‬يتم‭ ‬الاتجار‭ ‬بهم‭ ‬ولا‭ ‬يعرف‭ ‬مصيرهم‭.‬

وتعرض‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المحتجزين‭ ‬للاختطاف‭ ‬والتعذيب‭ ‬والإعدام‭. ‬كما‭ ‬تم‭ ‬استقدام‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المغرر‭ ‬بهم‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬الجالية‭ ‬المغربية‭ ‬الصحراوية‭ ‬الذين‭ ‬تمت‭ ‬تصفيتهم‭ ‬هم‭ ‬وأفراد‭ ‬عائلاتهم‭ ‬من‭ ‬نساء‭ ‬وأطفال‭. ‬وتتم‭ ‬تصفية‭ ‬أفراد‭ ‬الجالية‭ ‬من‭ ‬طرف‭ ‬قيادة‭ ‬البوليساريو‭ ‬حين‭ ‬قدومهم‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬لعدد‭ ‬من‭ ‬الأسر‭ ‬التي‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬وادنون،‭ ‬فقد‭ ‬تمت‭ ‬تصفية‭ ‬مثلاً‭ ‬أسرة‭ ‬كاملة‭ ‬تنتمي‭ ‬إلى‭ ‬قبيلة‭ ‬أيت‭ ‬لحسن‭ ‬بمجرد‭ ‬وصولها،‭ ‬حيث‭ ‬تمت‭ ‬تصفية‭ ‬الأب‭ ‬وأطفاله‭ ‬الاثنين‭ ‬رمياً‭ ‬بالرصاص،‭ ‬قبل‭ ‬قتل‭ ‬الزوجة‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬اغتصابها‭. ‬وقد‭ ‬انتشرت‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬المخيمات‭ ‬عبارة‭ ‬«من‭ ‬المطار‭ ‬إلى‭ ‬الغار»،‭ ‬التي‭ ‬تلخص‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬للمغرر‭ ‬بهم‭ ‬من‭ ‬أفراد‭ ‬الجالية،‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬المطار‭ ‬مباشرة‭ ‬إلى‭ ‬السجن‭ ‬والاختفاء‭ ‬القسري‭ ‬والإعدام‭.‬ 

الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬تكتفي‭ ‬فقط‭ ‬بإبداء‭ ‬قلقها

تفويت‭ ‬الجزائر‭ ‬لولايتها‭ ‬القضائية،‭ ‬جعل‭ ‬المحتجزين‭ ‬يحرمون‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬حق‭ ‬في‭ ‬اللجوء‭ ‬إلى‭ ‬عدالة‭ ‬البلد‭ ‬المضيف،‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬آلية‭ ‬انتصاف‭ ‬أخرى،‭ ‬وذلك‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬لجنة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والأمين‭ ‬العام‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬وكذا‭ ‬فريق‭ ‬العمل‭ ‬الأممي‭ ‬حول‭ ‬الاختفاء‭ ‬القسري،‭ ‬أكدوا‭ ‬ما‭ ‬مرة‭ ‬وفي‭ ‬عدة‭ ‬مناسبات،‭ ‬على‭ ‬عدم‭ ‬قانونية‭ ‬تفويض‭ ‬الجزائر‭ ‬لصلاحياتها‭ ‬لـ‭ ‬البوليساريو،‭ ‬ووجود‭ ‬نظام‭ ‬حكومي‭ ‬وقضائي‭ ‬موازٍ‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬البوليساريو،‭ ‬وطالبوها‭ ‬بوضع‭ ‬حد‭ ‬لهذا‭ ‬الوضع‭ ‬الشاذ‭ ‬لمخيمات‭ ‬تندوف،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬خلال‭ ‬مناقشة‭ ‬التقرير‭ ‬المقدم‭ ‬من‭ ‬الجزائر،‭ ‬بشأن‭ ‬التدابير‭ ‬المتخذة‭ ‬لتنفيذ‭ ‬الميثاق‭ ‬الدولي‭ ‬الخاص‭ ‬بالحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬والسياسية،‭ ‬في‭ ‬شهر‭ ‬يوليوز‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬2018‭ ‬في‭ ‬الدورة‭ ‬123‭ ‬في‭ ‬جنيف،‭ ‬أمام‭ ‬لجنة‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬التابعة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬التي‭ ‬أكدت‭ ‬شذوذ‭ ‬هذه‭ ‬الوضعية‭ ‬في‭ ‬ملاحظاتها‭ ‬الختامية‭ ‬حول‭ ‬التقرير‭ ‬الدوري‭ ‬الرابع‭ ‬للجزائر،‭ ‬التي‭ ‬اعتمدتها‭ ‬اللجنة‭ ‬خلال‭ ‬هذه‭ ‬الدورة،‭ ‬وأعربت‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬عن‭ ‬«قلقها‭ ‬من‭ ‬تفويض‭ ‬الجزائر‭ ‬الفعلي‭ ‬لسلطاتها،‭ ‬ولا‭ ‬سيما‭ ‬الاختصاص‭ ‬القضائي‭ ‬للبوليساريو»‭.‬ 

القوانين‭ ‬الجزائرية‭ ‬في‭ ‬نزاع‭ ‬تام‭ ‬مع‭ ‬أحكام‭ ‬الميثاق‭ ‬الدولي‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان

العديد‭ ‬من‭ ‬القوانين‭ ‬المعتمدة‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬تتناقض‭ ‬أغلب‭ ‬أحكامها‭ ‬مع‭ ‬القانون‭ ‬الدولي‭ ‬وحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬كقانون‭ ‬العقوبات‭ ‬مثلاً‭. ‬حيث‭ ‬تعد‭ ‬المادة‭ ‬87‭ ‬مكرر‭ ‬من‭ ‬الأدوات‭ ‬الرئيسية‭ ‬في‭ ‬الترسانة‭ ‬القمعية‭ ‬للنظام‭ ‬العسكري‭. ‬وقد‭ ‬استُخدمت‭ ‬هذه‭ ‬المادة‭ ‬لقمع‭ ‬المعارضة‭ ‬ويتم‭ ‬الاستناد‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬قضايا‭ ‬تتعلق‭ ‬بالنشطاء‭ ‬السياسيين‭ ‬أو‭ ‬المدونين‭. ‬بحكم‭ ‬أن‭ ‬تعريف‭ ‬الإرهاب‭ ‬غير‭ ‬محدد‭ ‬وغير‭ ‬واضح،‭ ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬المادة‭ ‬وسيلة‭ ‬تسمح‭ ‬بالتصنيف‭ ‬الجنائي‭ ‬لمواقف‭ ‬المعارضين‭ ‬السياسيين‭ ‬والصحافة‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬يرتبط‭ ‬بحرية‭ ‬الرأي‭ ‬والتجمهر‭.‬

ففي‭ ‬محضر‭ ‬الجلسة‭ ‬لشهر‭ ‬يوليوز‭ ‬من‭ ‬سنة‭ ‬2018‭ ‬في‭ ‬الدورة‭ ‬123‭ ‬في‭ ‬جنيف،‭ ‬التي‭ ‬شهدت‭ ‬مناقشة‭ ‬التقرير‭ ‬المقدم‭ ‬من‭ ‬الجزائر،‭ ‬بشأن‭ ‬التدابير‭ ‬المتخذة‭ ‬لتنفيذ‭ ‬الميثاق‭ ‬الدولي‭ ‬الخاص‭ ‬بالحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬والسياسية،‭ ‬والذي‭ ‬نشر‭ ‬على‭ ‬موقع‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة،‭ ‬تساءل‭ ‬خبراء‭ ‬هذه‭ ‬اللجنة‭ ‬أيضاً‭ ‬فيما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬الجزائر‭ ‬تخطط‭ ‬لإعادة‭ ‬النظر‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬أحكام‭ ‬«ميثاق‭ ‬السلم‭ ‬والمصالحة‭ ‬الوطنية»‭ ‬الذي‭ ‬يحظر‭ ‬مثلاً‭ ‬مقاضاة‭ ‬عناصر‭ ‬قوات‭ ‬الدفاع‭ ‬والأمن‭.‬

يذكر‭ ‬أن‭ ‬«ميثاق‭ ‬السلم‭ ‬والمصالحة‭ ‬الوطنية»‭ ‬قدمه‭ ‬الرئيس‭ ‬الجزائري‭ ‬السابق‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬بوتفليقة،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬طي‭ ‬صفحة‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬الجزائرية‭ ‬«حرب‭ ‬العشرية‭ ‬السوداء»،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬منح‭ ‬عفو‭ ‬عن‭ ‬معظم‭ ‬أعمال‭ ‬العنف‭ ‬التي‭ ‬ارتكبت‭ ‬أثناءها‭. ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬إجراء‭ ‬استفتاء‭ ‬عام‭ ‬عليه‭ ‬في‭ ‬29‭ ‬شتنبر‭ ‬2005،‭ ‬وقد‭ ‬حصل‭ ‬الميثاق‭ ‬خلاله‭ ‬على‭ ‬موافقة‭ ‬بنسبة‭ ‬97%،‭ ‬وتم‭ ‬تنفيذ‭ ‬الميثاق‭ ‬بوصفه‭ ‬قانونًا‭ ‬في‭ ‬28‭ ‬فبراير‭ ‬.2006‭‬

أحكام‭ ‬«ميثاق‭ ‬السلم‭ ‬والمصالحة‭ ‬الوطنية»،‭ ‬نسجت‭ ‬وفصلت‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تكريس‭ ‬الإفلات‭ ‬من‭ ‬العقاب‭ ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬تقديم‭ ‬مقابل‭ ‬خدمة‭ ‬ومجازاة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬عملائها‭ ‬الذين‭ ‬وظفتهم‭ ‬كإرهابيين‭ ‬خلال‭ ‬العشرية‭ ‬السوداء،‭ ‬وارتكبوا‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الجرائم‭ ‬في‭ ‬حق‭ ‬الشعب‭ ‬الجزائري‭ ‬تحت‭ ‬إشراف‭ ‬المخابرات‭ ‬العسكرية،‭ ‬حيث‭ ‬تم‭ ‬إصدار‭ ‬مرسوم‭ ‬رئاسيّ‭ ‬رقم‭ ‬06-94‭ ‬مؤرّخ‭ ‬في‭ ‬29‭ ‬محرّم‭ ‬عام‭ ‬1427‭ ‬الموافق‭ ‬28‭ ‬فبراير‭ ‬سنة‭ ‬2006،‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬فيه‭ ‬أنه‭ ‬«يتعلق‭ ‬بإعانة‭ ‬الدولة‭ ‬للأسر‭ ‬المحرومة‭ ‬التي‭ ‬ابتليت‭ ‬بضلوع‭ ‬أحد‭ ‬أقاربها‭ ‬في‭ ‬الإرهاب»‭. ‬وتطبيقاً‭ ‬للمادّة‭ ‬42‭ ‬من‭ ‬«ميثاق‭ ‬السلم‭ ‬والمصالحة‭ ‬الوطنية»:‭ ‬«تستفيد‭ ‬الأسر‭ ‬المحرومة‭ ‬التي‭ ‬ابتليت‭ ‬بضلوع‭ ‬أحد‭ ‬أقاربها‭ ‬في‭ ‬الإرهاب،‭ ‬من‭ ‬إعانة‭ ‬تمنحها‭ ‬الدولة،‭ ‬بعنوان‭ ‬التضامن‭ ‬الوطني‭. ‬يمنح‭ ‬الحقّ‭ ‬في‭ ‬الإعانة‭ ‬المذكورة‭ ‬أعلاه‭ ‬بموجب‭ ‬شهادة‭ ‬تسلّمها‭ ‬السلطات‭ ‬الإدارية‭ ‬المختصة‭.‬تحدد‭ ‬كيفيات‭ ‬تطبيق‭ ‬هذه‭ ‬المادّة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التنظيم»‭.‬ كما‭ ‬أعطت‭ ‬المادّة‭ ‬25‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬القانون‭ ‬الحق‭ ‬«للإرهابي‭ ‬النظام‭ ‬العسكري»‭ ‬في‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬وظائفهم‭ ‬السابقة،‭ ‬بل‭ ‬والحصول‭ ‬على‭ ‬تعويض‭ ‬مادي،‭ ‬حيث‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬المادة‭ ‬المذكورة‭ ‬ما‭ ‬نصه: «لكلّ‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬موضوع‭ ‬إجراءات‭ ‬إدارية‭ ‬للتسريح‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬قررتها‭ ‬الدولة،‭ ‬بسبب‭ ‬الأفعال‭ ‬المتصلة‭ ‬بالمأساة‭ ‬الوطنية،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬المهام‭ ‬المخولة‭ ‬لها،‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬إعادة‭ ‬إدماجه‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬الشغل‭ ‬أو،‭ ‬عند‭ ‬الاقتضاء،‭ ‬في‭ ‬تعويض‭ ‬تدفعه‭ ‬الدولة،‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬التشريع‭ ‬المعمول‭ ‬به‭.‬تحدد‭ ‬كيفيات‭ ‬تطبيق‭ ‬هذه‭ ‬المادّة‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬التنظيم»‭.‬

كما‭ ‬أثار‭ ‬خبراء‭ ‬اللجنة‭ ‬المذكورة‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬والملاحظات‭ ‬انطلاقاً‭ ‬من‭ ‬التساؤل‭ ‬عن‭ ‬سبب‭ ‬«التأخير‭ ‬الكبير»‭ ‬في‭ ‬عرض‭ ‬الجزائر‭ ‬لتقريرها،‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المفروض‭ ‬عليها‭ ‬تقديمه‭ ‬في‭ ‬نونبر‭ ‬2011‭ ‬ولم‭ ‬تقدمه‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬ست‭ ‬سنوات،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬غياب‭ ‬التعاون‭ ‬بين‭ ‬السلطات‭ ‬الجزائرية‭ ‬والآليات‭ ‬الدولية‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬حالات‭ ‬قيام‭ ‬نزاع‭ ‬بين‭ ‬أحكام‭ ‬الميثاق‭ ‬الدولي‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬و«قانون‭ ‬السلم‭ ‬والمصالحة‭ ‬الوطنية»‭ ‬الجزائري،‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬سارياً،‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬اللجنة‭ ‬الدولية‭ ‬اعتبرت‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬مناسبات‭ ‬أنه‭ ‬يتعارض‭ ‬مع‭ ‬أحكام‭ ‬الميثاق‭ ‬الدولي‭ ‬لحقوق‭ ‬الإنسان‭. ‬كما‭ ‬طرح‭ ‬خبراء‭ ‬اللجنة‭ ‬عدة‭ ‬قضايا‭ ‬متعلقة‭ ‬بحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬في‭ ‬الجزائر،‭ ‬منها‭ ‬استمرار‭ ‬حظر‭ ‬المظاهرات‭ ‬والمسيرات‭ ‬في‭ ‬الجزائر‭ ‬العاصمة‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬حيز‭ ‬التنفيذ‭ ‬منذ‭ ‬مسيرة‭ ‬العروش‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2001‭. ‬كما‭ ‬وجه‭ ‬انتقاداً‭ ‬آخر‭ ‬للجزائر‭ ‬بشأن‭ ‬وجود‭ ‬«نظام‭ ‬حكومي‭ ‬وقضائي‭ ‬موازٍ‭ ‬في‭ ‬مخيمات‭ ‬اللاجئين‭ ‬بتندوف‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬البوليساريو»،‭ ‬وتم‭ ‬توجيه‭ ‬سؤال‭ ‬للوفد‭ ‬عن‭ ‬التدابير‭ ‬التي‭ ‬تعتزم‭ ‬الجزائر‭ ‬اتخاذها‭ ‬لوضع‭ ‬حد‭ ‬لهذا‭ ‬الوضع‭.‬ 

الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬تطالب‭ ‬الجزائر‭ ‬بتوضيحات‭ ‬حول‭ ‬قضية‭ ‬‮«‬حل‭ ‬دائرة‭ ‬الاستعلام‭ ‬والأمن‮»‬

وخلال‭ ‬مناقشة‭ ‬التقرير‭ ‬المقدم‭ ‬من‭ ‬الجزائر،‭ ‬بشأن‭ ‬التدابير‭ ‬المتخذة‭ ‬لتنفيذ‭ ‬الميثاق‭ ‬الدولي‭ ‬الخاص‭ ‬بالحقوق‭ ‬المدنية‭ ‬والسياسية،‭ ‬طالبت‭ ‬هذه‭ ‬الأخيرة‭ ‬من‭ ‬الوفد‭ ‬الجزائري‭ ‬توضيحات‭ ‬حول‭ ‬قضية‭ ‬«حل‭ ‬دائرة‭ ‬الاستعلام‭ ‬والأمن»‭. ‬بحكم‭ ‬أن‭ ‬السلطات‭ ‬الجزائرية‭ ‬أقرت‭ ‬منذ‭ ‬منتصف‭ ‬عام‭ ‬2014‭ ‬سلسلة‭ ‬قرارات‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬اعتمادها‭ ‬في‭ ‬الجريدة‭ ‬الرسمية،‭ ‬تشمل‭ ‬إلغاء‭ ‬هيئات‭ ‬ومكاتب‭ ‬أمنية‭ ‬تابعة‭ ‬لجهاز‭ ‬المخابرات‭ ‬السابق،‭ ‬وحل‭ ‬وحدات‭ ‬أمنية‭ ‬أو‭ ‬نقل‭ ‬تبعيتها‭ ‬من‭ ‬المخابرات‭ ‬إلى‭ ‬هيئة‭ ‬أركان‭ ‬الجيش‭. ‬وشملت‭ ‬هذه‭ ‬القرارات‭ ‬إعفاء‭ ‬وإقالة‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المسؤولين‭ ‬والقيادات‭ ‬العليا‭ ‬في‭ ‬جهاز‭ ‬المخابرات‭.‬

وقد‭ ‬كانت‭ ‬الضغوط‭ ‬التي‭ ‬تعرض‭ ‬لها‭ ‬المسؤولون‭ ‬العسكريون‭ ‬الجزائريون،‭ ‬وكذا‭ ‬انكشاف‭ ‬دور‭ ‬الجزائر‭ ‬في‭ ‬رعاية‭ ‬الإرهاب،‭ ‬السبب‭ ‬في‭ ‬إقدام‭ ‬السلطات‭ ‬الجزائرية‭ ‬على‭ ‬القيام‭ ‬بتغييرات‭ ‬في‭ ‬جهاز‭ ‬المخابرات،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬فضح‭ ‬تورط‭ ‬جهاز‭ ‬الاستخبارات‭ ‬الجزائري‭ ‬في‭ ‬عملية‭ ‬احتجاز‭ ‬وقتل‭ ‬الرهائن‭ ‬الغربيين‭ ‬في‭ ‬«عين‭ ‬أميناس»‭ ‬في‭ ‬الجنوب‭ ‬الجزائري‭ ‬وفي‭ ‬الأحداث‭ ‬الإرهابية‭ ‬في‭ ‬تونس،‭ ‬وهي‭ ‬أعمال‭ ‬تمس‭ ‬بدرجة‭ ‬كبيرة‭ ‬مصالح‭ ‬الدول‭ ‬الغربية،‭ ‬خاصة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وبريطانيا،‭ ‬وتفضح‭ ‬بجلاء‭ ‬صمت‭ ‬وتواطؤ‭ ‬الدول‭ ‬الغربية‭ ‬وتغاضيها‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬الجزائر‭ ‬من‭ ‬جرائم‭ ‬وتجاوزات‭ ‬خطيرة‭.‬

لقد‭ ‬عمدت‭ ‬السلطات‭ ‬الجزائرية،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬محاكمة‭ ‬الجنرال‭ ‬حسان‭ ‬(عبد‭ ‬القادر‭ ‬أيت‭ ‬أوعرابي)،‭ ‬وهو‭ ‬أحد‭ ‬أركان‭ ‬جهاز‭ ‬المخابرات‭ ‬آنذاك،‭ ‬والحكم‭ ‬عليه‭ ‬بالسجن‭ ‬5‭ ‬سنوات،‭ ‬إلى‭ ‬تعيين‭ ‬اللواء‭ ‬عثمان‭ ‬بشير‭ ‬طرطاق‭ ‬في‭ ‬13‭ ‬شتنبر‭ ‬2015‭ ‬على‭ ‬رأس‭ ‬جهاز‭ ‬المخابرات‭ ‬خلفاً‭ ‬للفريق‭ ‬محمد‭ ‬مدين،‭ ‬الذي‭ ‬شغل‭ ‬المنصب‭ ‬منذ‭ ‬تأسيس‭ ‬الجهاز‭ ‬عام‭ ‬1990‭. ‬وأصدر‭ ‬حينها‭ ‬الرئيس‭ ‬السابق‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬بوتفليقة‭ ‬مرسوماً‭ ‬رئاسياً‭ ‬سنة‭ ‬2016‭ ‬يتضمن‭ ‬إعادة‭ ‬هيكلة‭ ‬جهاز‭ ‬المخابرات‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يسمى‭ ‬«مديرية‭ ‬الاستعلام‭ ‬والأمن»،‭ ‬واستحداث‭ ‬جهاز‭ ‬جديد‭ ‬تحت‭ ‬اسم‭ ‬«مديرية‭ ‬المصالح‭ ‬الأمنية»،‭ ‬يضم‭ ‬ثلاث‭ ‬مديريات‭ ‬فرعية،‭ ‬ونقل‭ ‬الرئيس‭ ‬الجزائري‭ ‬آنذاك‭ ‬تبعية‭ ‬الجهاز‭ ‬الجديد‭ ‬إلى‭ ‬الرئاسة،‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬معمولا‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬الجهاز‭ ‬السابق‭.‬

ولكن‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬تم‭ ‬الالتفاف‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬التغييرات،‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬القيام‭ ‬بها‭ ‬حينها‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬تجاوز‭ ‬فضيحة‭ ‬تورط‭ ‬جهاز‭ ‬المخابرات‭ ‬الجزائرية‭ ‬في‭ ‬الأعمال‭ ‬الإرهابية‭ ‬وفي‭ ‬رعاية‭ ‬الإرهاب،‭ ‬وعادت‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬عليه‭ ‬سابقاً‭.‬