صدر القانون المنظم للمؤسسة الرئيسة في المنظومة الوطنية للمعلومات المكتبة الوطنية سنة 2003. أوكل القانون رقم 66/99 لهذه المؤسسة مهمة جمع و معالجة و نشر الإصدار الوطني، إضافة لحكامة وضبط الإيداع القانوني. المؤسسة الثانية للمنظومة أرشيف المغرب تم تأسيسها في 30 نونبر 2007 طبقا للقانون 69-99،حيث أناط بها المشرع مهمة وضع و بلورة سياسة وطنية للأرشيف،عبر ﺘﻜﻮﻳﻦ ﺃﺭﺷﻴﻒ ﻋﺎﻣﺔ ﻭﺣﻔﻈﻬﺎ ﻭﺗﻨﻈﻴﻤﻬﺎ ﻭ ﺗﻴﺴﻴﺮ ﺍﻻﻁﻼﻉ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻷﻏﺮﺍﺽ ﺇﺩﺍﺭﻳﺔ ﻭﻋﻠﻤﻴﺔ و بحثية. هذه المهمة التي يفترض أن تجعل المؤسسة مركز لحفظ الأرشيف التاريخي و النهائي لإدارات الدولة و المؤسسات العامة و الجماعات الترابية، إلا أن هذا الطموح لا يزال بعيد المنال بحكم احتفاظ كل القطاعات الحكومية الهامة على مراكزها المتخصصة للأرشيف الوسيط و النهائي(المالية، العدل، الخارجية ، البرلمان، إلخ.).هنا وجبت الإشارة إلى أن هكذا تخوف من بعض المؤسسات على مصير ذاكرتها الإدارية يبقى مسنودا بواقع أنهم لم يلميوا بعد إشارات و معالم استراتيجية وطنية ممركزة للأرشفة( إطار حكامة حقيقي،مركز لائق و مجهز،رأسمال بشري مؤهل في الميدان، موارد مالية حقيقية،...).
لتلمس المفارقات القانونية للنصين المنظمين للمؤسستين، تكفي العودة للخطيئة الأولى التي تمثلت في وضع المؤسستين تحت وصاية كتابة الثقافة سابقا رغم بعدها المهني و الوظيفي عن تخصص علوم الإعلام المنظم لاختصاصات المؤسستين. هذا الوضع المثير قد تعززه حقيقة أنه رغم أن التصنيف العشري ديوي لا يخصص لمجال تدخل الثقافة المفضل/الثقافة الشعبية إلا أقل من 10 تفريعات 390-399، في حين خصص للحضن الطبيعي المفترض العلوم الإجتماعية 80 تفريعة ما بين 310 و 390،هذه الميادين الأخيرة تتولى إدارة شؤونها رئاسة الحكومة و التعليم العالي و المندوبية السامية للتخطيط و وزارة الوظيفة العمومية( العلوم القانونية و الإقتصادية وعلم الاحصاء و العلوم الإدارية، إلخ.). هدف إيراد هذا الأناكرونيزم المؤسساتي هو البرهنة على عبثية اختيار حشر رأس المنظومة الوطنية للتوثيق و الأرشفة مع فنون الحلقة و الثقافة الشعبية ضدا على المنطق و الممارسات الفضلى في كل أصقاع الأرض(كندا و مملكة بلجيكا،...)، و هي التجارب التي فطنت مبكرا لحقيقة مفادها أنه لا يمكن تصور مجتمع للمعلومات خارج مركب البحث العلمي و مجتمع المعرفة و التخطيط الإستراتيجي (الثقافة العالمة).هنا طبعا بالنظر لسياق النشأة مع بداية الألفية، يبدو تأثير التمثل الماضويpasséiste لمجال علم المكتبيات بادية على النص القانوني الذس أختير للمؤسسة أنذاك، ما أدى إلى موقعتها مؤسساتيا تحت سلطة وزارة لا تفهم أدوارها و اختزلت نظرتها لها في مستودع عقابي لغير المرغوب فيهم و الفاشلين و أعوان الموقف العرضيين، يتعاقد معهم لحراسة "خزانة الجامع أو مخزن المخطوطات"، خاصة قبل تغيير تسميتها سنة 2003. يبقى الحكم القطعي بالفشل على هذه المؤسسة حين راهن البعض سنة 2005 على هيكلة إدارية مشكلة من هؤلاء المنفيين بالخزانة العامة، والذين لا يتوفرون على أية خبرة ولا خلفية تدبيرية في الغالب، لتتبخر الإمكانات التدبيرية الضخمة التي رصدتها الدولة للمشروع بهيكل إداري متضخم يعتبر من أكبر الهياكل الإدارية في مجال التوثيق عبر العالم للمفارقة.
فيما يخص بياضات القانون المنظم لمؤسسة أرشيف المغرب، فرغم اجتهاده الكمي مقارنة بقانون المؤسسة الأولى 66/99 الذي اختزل في صفحتين، فإن هذا النص احتفظ لنفسه بمفارقات غريبة أهمها :
1.من النصوص المؤسساتية النادرة التي لم تحدد ماهية مؤسسة الدولة المكلفة بالوصاية عنها و وضع استراتيجية عملها،
2.رغم أنها مؤسسة استراتيجية، يمارس عليها قطاع الثقافة وصاية "الأمر الواقع" ضدا حتى على مقتضيات النص القانوني المحدد لصلاحيات الحكومة في التعيين في المؤسسات الغير استراتيجية و كذا الممارسات الدولية العريقة في مجال الأرشفة، التي تجعل من مؤسسات الأرشيف الوطني تابعة لرئاسة الدولة لطبيعتها الإستراتيجية أو رئاسة الحكومة نظرا لطبيعة عملها كمؤسسة مكلفة بتدبير الوثائق و المستندات الإدارية العامة في المقام الأول.
على المقلب الأخر، خلق المركز الوطني للتوثيق سنة 1966 و أوكلت به مهمة جمع و معالجة و إتاحة الموارد و المعلومات حول تنمية المغرب في الميادين الإجتماعية و الإقتصادية،فيما أوكلت وصايته الإدارية للمندوبية السامية للتخطيط. أما المركز الوطني للإعلام العلمي و التقني الذي أسس سنة2001، فرغم دوره التكاملي مع اختصاصات المؤسسات التي سبق ذكرها فقد أوكلت مهمة الإشراف الإداري على عمله لقطاع التعليم العالي.
و نافلة القول، فمسببات الفشل الحالي بعد أكثر من عقدين من تجربة المكتبة الوطنية و ما يقرب من 12 سنة من تجربة أرشيف المغرب لا يمكن البحث عنها بعيدا عن هذا الموقع النشاز الذي حشرتا فيه -قطاع الثقافة- رغما عنها وعلى التصنيفات الدولية لعلم المكتبيات و الأرشيف، وهو الواقع الذي لا يبذو من السهل تغييره مع تمثل"تعطاشت و قاعات الحفلات" المستجد والذي يتربص بحلم الإصلاح الذي يراود كل المهنيين و المؤمنين بحلم الانتقال لمجتمع المعرفة الذي انخرط فيه المغرب منذ سنة 2003 غداة توقيع اتفاقية جنيف حول مجتمع المعلومات. بتعبير أخر، أية عملية تصحيح مسار حكامة و أداء بنيات البحث و إنتاج المعلومات، و التي أكد على أهميته حتى الخبير في السياسات العمومية الدكتور مصطفى السحيمي في لقاء تلفزيوني، تستوجب التعجيل بلم شمل كل مكونات المعلومات في منظومة جامعة éco-système Info-Docتحت إشراف سلطة مستقرة و غير حزبية كمندوبية التخطيط ./. ...يتبع الحصيلة بلغة مؤشرات الأداء المهنية 2/3.