رغم كل المجهودات المبذولة وملايير الدراهم التي تصرف بسخاء لإيقاف هذا النزيف الحاد الذي يستشري في الجسم التعليمي، يستمر المشكل قائما، ويزداد الوضع تفاقما خصوصا في العالم القروي، والمداشر النائية التي يرزح سكانها تحت وطأة الفقر والحرمان تارة، وغياب أو بعد المرافق الحيوية تارة أخرى.
وتساهم هذه الظاهرة في فرملة عجلة التنمية وتقليص فرص النجاح، إذ أنها ترهق كاهل الدولة بمصاريف إضافية، وتحمل الأسر مسؤوليات هي في غنى عنها.
تتوزع الأسباب بين ماهو سوسيواقتصادي، تربوي، هيكلي وتنظيمي.
يدفع العامل الإقتصادي والإجتماعي الأسر المعوزة للتضحية بالمستقبل الدراسي لأبنائها وبناتها ودفعهم للعمل في ورشات تفتقد لأبسط شروط السلامة، أو امتهان بعض الحرف والسلوكات المنحرفة في الشارع، وعند إشارات المرور، وأحيانا العمل كخادمات في البيوت، والتعرض لأبشع أنواع الأستغلال.
كما تلعب المناهج والمحتويات وطرائق التدريس المعتمدة دورا محوريا في رسم معالم الجودة، وتكوين التلميذ(ة) بمواصفات جيدة، متمكنا من التعلمات الأساس، متوفرا على الموارد اللازمة لمواصلة فعل التعلم والإرتقاء في سلم التطور والتحصيل.
وفي غياب كل ذلك، يعجز التلميذ(ة) عن مواكبة ظروف التعلم، فيجد نفسه متخلفا عن الركب، فاقدا لكل رغبة أو تحفيز لمزاولة هذا الفعل النبيل.
لقد أثرت الخريطة المدرسية والإجراءات المرافقة لها، وذلك بحجة تفادي الإكتظاظ ومعالجة مشكل الخصاص في البنية، في زعزعة الفعل التعليمي التعلمي، وخلق أنماط جديدة من التعلمات، كما خلق نظام المجزوءات نوعا من التشتت الفكري، وأفرغ بعض المواد من التناسق والتكامل، وساهم في خلق فئة من الطلاب غير قادرة على استيعاب المشهد التعليمي والتأقلم معه.
إن هذه الأسباب وأخرى، تجعل الحاجة ماسة لإعادة النظر في الخريطة المدرسية بغية استئصال أسباب الفشل والبحث عن سبل تطوير الممارسة وإيجاد الوسائل القمينة للتخلص من هذه الظاهرة.
يجب تحقيق تنمية مستدامة، وتوفير فرص اقتصادية ملائمة تضمن العيش المناسب وتساعد الأطفال على التمدرس الفعال والمريح، وإعادة النظر في البرامج والطرائق المتبعة وجعلها أكثر جاذبية ومواكبة للتطورات والمعايير الدولية،بغية تحبيب وتنويع العرض التربوي، و أيضا، التخلي عن بعض الممارسات التي تحد من فعالية الفعل التعليمي التعلمي وتعويضها بسلم الإرتقاء، الذي يبيح للتلميذ(ة) الانتقال بين المستويات بعد التمكن والإلمام بالموارد والتعلمات السابقة.