يعتمد موقع "غلوبال فاير باور" على مجموعة متنوعة من المؤشرات الاستراتيجية في تصنيف قوة الدول. تشمل هذه المؤشرات الرأسمال البشري والقدرات العسكرية من معدات وأسلحة، والموارد المالية والاقتصادية مثل الناتج المحلي الإجمالي واحتياطيات النفط والغاز، والقدرات اللوجستية والبنية التحتية كالموانئ والمطارات والطرق، وفي آخر تصنيف بهذا الموقع احتل المغرب المرتبة 61 من بين 145 دولة.
وعمليا، يتميز المغرب باستقرار أمني وسياسي مقارنة بالمحيط الإقليمي، وذلك بشهادات وكالات التأمين العالمية "فيتش" و"ستاندرد آند بورز" التي تصنف المغرب في مراتب مستقرة، مشيدة بقدرته على الحفاظ على الاستقرار السياسي والاقتصادي حتى خلال الأزمات التي تعرفها بؤر متفرقة في أنحاء العالم.
لكن، حتى أقوى الدول والأنظمة تجد نفسها عاجزة أمام الكوارث الطبيعية، ونحن نشاهد اليوم الحرائق بولاية "كاليفورنيا" وكيف تحولت "لوس أنجلس" إلى رماد بما فيها "هوليود" التي احتضنت صناعة أفلام تنبأت بما يجري.
وفي مكان آخر بالعالم وتحديدا بإثيوبيا انتشرت الحمم البركانية بمئات الكيلومترات بالتزامن مع زلازل مدمرة وكأنها نهاية العالم.
ويُعَد المغرب بسبب موقعه الجغرافي عرضة بشكل خاص للكوارث الطبيعية، لا سيما الزلازل والفيضانات وتهديد الأمواج العالية أو ما يسمى ب "تسونامي".
وقد شكل زلزال الحوز قبل سنتين اختبارا حقيقيا لقدرات المملكة في مواجهة الكوارث الطبيعية. فرغم التعبئة الشاملة التي شهدتها البلاد، برزت تحديات كبيرة تمثلت في تأخر وصول المساعدات إلى المناطق النائية، وصعوبة التنسيق بين مختلف المتدخلين، فضلا عن قصور البنية التحتية للطرق الذي عرقل عمليات الإغاثة. وفي المقابل، تجلت بشكل لافت روح التضامن الاستثنائية حيث هب المواطنون من كل أنحاء المملكة لمساعدة إخوانهم المتضررين.
وارتباطا بزلزال الحوز لا زال عدد من المتضررين ينتظرون الإيواء والمساعدة في الوقت الذي يستعد فيه المغرب لتنظيم كأس العالم !
وجه آخر من أوجه التناقضات يتمثل في إطلاق مشاريع كبرى كربط الجنوب بشبكة الطرق السيارة والقطار السريع في الوقت الذي لا زالت قنوات الصرف الصحي بالمدن تفيض عند أول قطرات الغيث ! أما المجال القروي فيظل بعيدا عن التنمية، هذه التناقضات يصفها مجموعة من المراقبين باختلاف السرعات بالمغرب. هذا الاختلاف يجعل في الغالب ضحايا الكوارث الطبيعية من بين الأكثر فقرا.
لذلك فمواجهة المخاطر تنطلق من إرساء عدالة اجتماعية ومجالية حقيقية عوض توزيع مساعدات هزيلة مشروطة.
ومن بين الطرائف التي تناقلها المغاربة في وسائل التواصل الاجتماعي العام الماضي أن إعصار "ليفي" كان في طريقه نحو المغرب، لكنه - وعلى غير عادة الأعاصير - أصابه الخجل! فحين أدرك حجم المعاناة التي يعيشها قاطنو دور الصفيح، وحين رأى أحياءً بأكملها تغرق من زخات المطر الأولى، قرر الانعطاف شمالاً نحو إسبانيا.
وقد خلف إعصار "ليفي" عشرات القتلى وخسائر مادية فادحة.
والحقيقة المؤلمة أن الطبيعة لا تستثني أحدا من قوتها وليس كل مرة تسلم الجرة.
ويظل بناء منظومة فعالة لمواجهة الكوارث مرتبطا بالعدالة الاجتماعية والمجالية، فهي خط الدفاع الأول.
سيكون جاحدا من لا يرى جدوى من تشييد القطارات السريعة و إطلاق المشاريع الكبرى، لكن منطق الأولويات يستوجب حل مشاكل المدن التي تغرق مع أولى قطرات المطر واستخلاص الدروس من زلزال الحوز وتعزيز النظام الصحي والرفع من جودة خدماته وطاقته الاستيعابية وتطوير أنظمة الإنذار وخطط الإجلاء، فكل لحظة في الحاضر مرشحة أن تكون بين لحظات قبل الكارثة.