أرى أنه قد آن الأوان، و هذا للأمانة العلمية، أن نتجاوز المجاملات و نتحدث بكل موضوعية.
أسوق هنا على سبيل المثال، ما جاء في كتاب الباحث أحمد اشتيوي الذي تحت عنوان: " العيطة الحصباوية "، لقد اعتمد الباحث على تفريغ لتسجيلات العيوط التي كانت على أشرطة الكاسيت دون أن يخضعها للبحث و التحقيق، الأمر الذي جعله مثلا، ينقل لنا كلمات عيطة :"خربوشة"، و يحشر فيها الكثير من كلمات عيطة: " الشاليني" المرساوية، .بل إن الفداحة لا تقف عند هذا الحد، و إنما تتجاوزه إلى تفسير معاني بعض الكلمات استنادا على إفادات شفوية بعيدة كل البعد عن الصواب.
يقدم لنا أحمد الشتيوي في الصفحة 107 كلاما من عيطة خربوشة كتبه على الشكل التالي: "لَفْراكَْ يْبَانْ ، آهْياوِينْ الزِّينْ عَنْدو ".
إن أول خطأ يجب تصحيحه في ما كتبه هذا الباحث هو كلمة: " لَفْراكَْ "، الصواب هو: "أَ فْراكَْ ". سأوضح كل هذا، لكن قبل ذلك لا بد و أن أشير إلى التفسير المجافي لحقيقة المعنى الذي قدمه هذا الباحث بخصوص هذا البيت من عيطة خربوشة، حيث قال بالحرف: " تتساءل خربوشة كيف لها أن تصبر على هول المأساة التي حلت بالقبيلة جراء التقتيل الذي سلكه القائد انتقاما و عدوانا و الفراك هو الخيمة الصغيرة التي كان الشيوخ الرُّحَّل يشيدونها في الدواوير لإحياء السهرات العيطية ، فكانت بمثابة مسرح يقصده الناس من المولوعين".
إن كلام الباحث كله تدليس مخالف لمعنى الكلام الحقيقي، إن كلمة:"أَفْراكَْ، " ليست هي: " القيطون" أي خيمة الشيوخ و الشيخات الصغيرة، كما ادعى الباحث.
أحيل الأستاذ أحمد اشتيوي في هذا الباب إلى كتاب " Au seuil du Maroc moderne "(على عتبة المغرب) الحديث للطبيب فرديريك وايسجربر، الذي يتحدث فيه عن تواجده في المحلة السلطانية للمولى الحسن الأول، حيث يقول:" أفراك ، هو حزام دائري من القماش في علو مترين إلى ثلاثة أمتار"، و هو " على هيئة دائرة من 4 كيلومترات مربعة تقوم في الوسط منه قبة السلطان الكبيرة، أشبه بقبة سيرك متنقل تعلوها كرة ضخمة كبيرة مذهبة تحف بها من كل جانب خيام الحريم الصغيرة و يحيط بكل هذه الخيام أفراك ".
نفهم من كل هذا الكلام بأن " أفراك "، هو حزام طويل من قماش يحيط بمخيم السلطان الحسن الأول، نفس هذا المعنى ينقله لنا "لويس أرنو " في كتابه " زمن المحلات السلطانية " حيث يقول: " وقد كان أفراك يضم خيام السلطان المزينة في أعلاها بالكرات الذهبية"، كما يشير René Mauduit في كتابه "Le Makhzen Marocain " أن خدم السلطان مولاي الحسن الأول المكلفين بنصب أفراك كانوا يسمون الفرايكية و كان عددهم 100فارس و 300 من المشاة . إن هذا يفسر طبيعة طول أفراك الذي كان يقوم كحزام حول خيمة السلطان، وخيام الحاشية و الحريم و الذي كان يشغل مساحة 4 كيلومترات.
هكذا يتبين لنا بأن المعنى الذي كانت تقصده خربوشة في هذا البيت من العيطة، هو أن حبيبها سيدي أحمد إن كان قد غادر قصبة أبيه القايد عيسى بن عمر فهي تعرف وجهته رفقة الفرسان، إنه الآن هناك مع المحلة بجانب الخيمة الكبرى للسلطان مولاي الحسن الأول.