هل فوزي لقجع فوق النقد؟ فوزي لقجع رئيس الجامعة الملكية وسمير شوقي رئيس مركز أوميغا للأبحاث الإقتصادية والجيوسياسية
لا يمكن الحديث عن فوزي لقجع دون أن تجد لديك خلطا تلقائيا بين السياسي والاقتصادي والرياضي.
فالرجل يحمل حقيبة وزارية ببعد سياسي كبير، واحتفظ بمسؤولياته الإقتصادية، بل زكاها بإشرافه على مديريات عمومية هي عَصَب النشاط الإقتصادي في البلاد، وصار إسمه لا يشق له غبار في مجال كرة القدم. فهل الرجل فوق النقد؟
وإذا كنا في هذا الملف نتطرق فقط لمهام لقجع في الكرة بمناسبة بلوغه السنة العاشرة على رأس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، فإن ذلك لا يمنعني من القول إن الرجل استفاد من أضواء الكرة ليحقق حلم حياته وهو بلوغ الوزارة. وهنا أتذكر الحوار الذي أنجزته معه سنة 2015، وهو على رأس الكرة لمدة سنة ونصف فقط آنذاك، وأستحضر الجملة التي قالها لي آنذاك في الخاص بعد انتهاء الاستجواب، وبإمكاني أن أقولها اليوم بعد ثماني سنوات وتغير السياق بالكامل. «لماذا لا تجري معي حوارا حول الأمور الاقتصادية والمالية، بماذا يفوقني وزير المالية؟». فوجئتُ بسؤاله هذا ورحبت به، لكن هذا الحوار لم يتم أبدا لتوثر العلاقة بيننا بعد ذلك لأمر أسرده لاحقا. إذاك أدركت حجم طموحات الرجل، وهي طموحات مشروعة لكني أراها مكلفة من حيث النجاعة، فأنا كنت وسأظل ضد تراكم المناصب، فالمغربيات ولادات والمغرب ينبض بالكفاءات في كل المجالات.
في 13 أبريل 2014 تم انتخاب فوزي لقجع رئيساً للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم في جمع عام صوري رُتب له كل شيء وكان مهندسه إلياس العمري الذي كان يحرك كل شيء آنذاك. وقد ساعد السياق العام لقجع لبلوغ هذا المنصب، فبعد خمس سنوات على رأس الجامعة من طرف علي فاسي الفهري كانت كلها تراكماً للفشل في نتائج المنتخبات بين 2009 و 2014 وإن كان قد بدأ البناء الهيكلي «أكاديمية محمد السادس، بداية الإحتراف ..الخ»، كانت هناك ربما إرادة سياسية لرفع يد الدولة عن الجامعة، فكان الجمع العام الذي نتذكره وكان بطلاه عبد الإله أكرم ومروان بناني ورفَضَه الإتحاد الدولي «الفيفا». هنا تدخلت الدولة لإرجاع الأمور لِنصابها، فظهر لقجع في الصورة كالمرشح النموذجي لأنه يستوفي شروط الترشيح بما أنه كان رئيس نهضة بركان، بمعنى أنه عضو في الجامعة، وكذلك هو مدير الميزانية ونعرف مدى حساسية هذا المنصب بالنسبة للدولة واستناداً على نفوذه في هذا المنصب وعد الأندية المغربية بالإغداق عليهم بمزيد من الأموال. فكان «انتخابه» بدون أية منافسة.
وليكون تقييم مرحلة لقجع موضوعياً لابد من سردية تاريخية ومقارنة مع سابقيه في شقين على الأقل. الأول يخص النتائج الرياضية والثاني يتعلق بالإمكانيات المرصودة.
الجنرال حسني بن سليمان قاد الجامعة لمدة 15 سنة بين 1994 و2009 بميزانية سنوية لم تكن تتعدى 15 مليار سنتيم في السنة، وحقق أول لقب قاري للشبان سنة 1998 و بلغ نهاية كأس أفريقيا لمنتخب الكبار سنة 2004 «آخر نهاية بلغها المنتخب»، وسنة 2005 بلغ منتخب الشبان نصف نهاية كأس العالم.
علي الفاسي الفهري الذي كان يدير المكتب الوطني للماء والكهرباء تولى هذه المهمة بين 2009 و 2014 كانت فترة فراغ في النتائج، عدا كأس العرب سنة 2012، فلم يتم الصبر عليه رغم أنه هو وفريقه كانوا يحملون مشروعاً طموحاً على المديين المتوسط والبعيد رُصدت له إمكانيات هامة بعد تدخل ملكي إذ تم رفع ميزانية الجامعة لـ 42 مليار سنتيم بمساهمة ثلاث مؤسسات عمومية بـ 22 مليار سنتيم والتلفزة المغربية بـ 10 المليار سنتيم. لكن غضب الشارع أسرع بالتخلي عنه. تم جاء فوزي لقجع في الظروف التي ذكرنا، بمنصبه المهم، ويكفي أن نذكر أن مدير الميزانية هو الذي يوقع في شيكات الشركات التي تنجز الصفقات العمومية. الرجل سرعان ما أوفى بوعده للأندية برفع منحة النقل التلفزي لـ 600 مليون سنتيم، وضاعف منحة الإستشهار باستقدامه مستشهرين جُدد وزيادة ميزانية الجامعة من 42 مليار سنتيم لأزيد من 80 مليار سنتيم، نصفها أموال عمومية.
ولأن كرة القدم صارت من أذرع القوة الناعمة، يجب توضيح الدور الذي تقوم به الجامعة الملكية المغربية في أفريقيا. فكما هو معروف، انخرط المغرب منذ عشرون سنة في سياسة قُرب افريقية سلاحها اقتصادي اجتماعي لدعم التعاون جنوب-جنوب، وهي السياسة التي يشرف عليها الملك محمد السادس بشكل مباشر. لذلك واهم من يعتقد أن فوزي لقجع «اكتسح» أفريقيا بفضل منصبه أو حتى كفائته، فالرجل يستفيد من دعم الآلة الديبلوماسية المغربية النشيطة بقوة بأفريقيا. دعم لوجستيكي «شراكات مع عشرات الجامعات الكروية لدعمها ومساعدتها) ودعم مالي (20 مليون دولار الكاف على عهد أحمد أحمد» ووضع شبكة علاقات قوية رهنة إشارته لتولي منصب عضو المكتب التنفيذي ونائب رئيس الكاف وهو المنصب الذي قاده كذلك للمكتب التنفيذي للفيفا. إن لقجع محظوظ بهذا السياق الذي جعل صعود نجمه يتزامن مع عودة المغرب للإتحاد الأفريقي وتقوية نسيج العلاقات الثنائية في كل المجالات، وكرة القدم إحدى روافدها وقد رأيتم كيف كسب المغرب نقاطاً لدى شعب الكوتديفوار مؤخراً.
داخلياً، حصيلة لقجع متباينة بين الإشراف على المنتخبات وتدبير الدوري الإحترافي. كان واضحاً أن التركيز على المنتخبات يتوخى تحقيق نتائج إيجابية لأن الرأي العام يوليها أهمية كبرى. في الآن ذاته البنى التحتية تحسنت بشكل واضح بفضل اتفاقية الشراكة مع الدولة كما قلنا سالفاً. بالأرقام، لم يحقق المنتخب الوطني للكبار في العشر سنوات الأخيرة أي لقب «الشان منافسة غير رسمية»، لكن منتخبات الفئات العمرية تحسنت بشكل لافت و حققت ألقاباً في كرة القدم وكرة القاعة فيما عرفت الكرة النسوية طفرة غير مسبوقة، بفضل الإمكانيات الهائلة التي تم اعتمادها. وبخلاف ما يقول بعض المنخرطين في جوقة التطبيل للرجل «وهم لا يقدمون له أي خدمة في هذا الصدد بل ينومونه في العسل»، فليست هناك أية سرعة «التيجيفي» للجامعة مقابل سرعة السلحفاة للأندية. فمشاكل الأندية التي لاحصر لها هي في الواقع فشل ذريع للمسؤول الأول عن الجامعة. فهاته الأخيرة وعدت بتطبيق قانون 09-30 قبل 13 دجنبر 2017 فلم تستطع و أجلت ذلك مرات وفشلت، فسمحت للأندية بالتحايل على القانون بتفعيل نظام الشركة باستحواذ الجمعية على معظم أسهم الشركة، كما لم تستطع أن تسمح للإستثمار الخاص، مغربي وأجنبي، بولوج عالم كرة القدم، وأغمضت عينها عن التجاوزات المالية للأندية حتى غرق أغلبيتها. ولم تضع أي قانون يُلزم رؤساء الأندية بربط المسؤولية بالمحاسبة بتحميلهم المسؤولية الشخصية القانونية بما يرتكبونه من فظاعات تدبيرية. النتيجة أن الوضع المالي لجل الأندية هش والتكوين ضعيف والهيكلة معطلة، وفي المحصلة 16 فريق بقسم الصفوة يتوفرون على أزيد من 400 لاعب لم يقدموا للمنتخب الأول في كأس أفريقيا الأخير سوى لاعب وحيد، غادر هو الآخر المغرب مباشرة بعد إقصاء المنتخب! ومن يقول بهذا الصدد أن الجامعة ليست مسؤولة عن الأندية وأن تلك مسؤولية العُصبة فهو يستبلدنا ويحتقر ذكائنا وكلنا يعرف أن الجامعة هي المسؤولة عن كرة القدم بالمغرب.
وفي الأخير، أمام فوزي لقجع استحقاقين هامين هما: تنظيم كأس افريقيا 2025 وكأس العالم 2030، وهي تحديات ترفعها المملكة المغربية من أجل إشعاعها الدولي. لذلك يتعين على الرجل الأول في الكرة المغربية أن يعي بثقل المسؤولية و الثقة الملكية وأن يجعل منهما حافزاً لتدارك الإخفاقات السالفة الدكر. فالعالم سينظر إلينا من كل الزوايا، وليس فقط في التجهيزات أو النتائج الرياضية بمعزل عن الحكامة. لم يعد مسموحاً للمغرب أن يكون موضوعاً للصحافة الدولية بسبب سلوكات مسؤولين عن الأندية انتهازيون وفاسدون مستعدون لكل شيء من أجل بلوغ أهدافهم وإن كانت النتيجة خدش صورة البلد بهيآته الرياضية ومؤسساته. لذلك لاغرو في أن يكون تحدي الجامعة هو تطهير المنظومة بتجرد وحيادية وموضوعية دون محاباة فرق أو أشخاص. لقجع هو اليوم رجل الدولة الذي يجمع من المسؤوليات أكثرها حساسية، والإستمرار في جمعها مجازفة، ونجاحه هو نجاح لبلدنا لِدى عليه أن يُطور قابلية الإنصات وتقبل النقد البناء، وأن يحذر كل الحذر من أولئك الدين يريدون رفعه لدرجة القداسة، فهم أكثر من يسيؤون إليه وأكبر من سيحملونه مآسي العالم عند سقوطه.