مجتمع وحوداث

البحث عن أموال خارج النظام البنكي.. غرامة 5% تحمل خطر "غسيل أموال"

إدريس الأندلسي
خرج بنك المغرب منذ شهور ليدق ناقوس الخطر حول مكونات الكتلة النقدية في بلادنا. لدينا نظام بنكي يضم مؤسسات وشركات كثيرة. لدينا الأبناك التجارية التي تعمل وفق آليات السوق. لديها زبناء بالملايين، منهم من يفتح حسابات جارية، ومنهم من يفتح حسابات للادخار، ومنهم من يجعل من البنك مستشاره للدخول إلى السوق المالي والنقدي. 

عملت الكثير من الأبناك على استيعاب جزء من الزبناء الذين يفضلون غطاء "شرعياً" لتدبير أموالهم داخل منظومة بنكية تقدم خدمات تدخل فيما اصطلح على تسميته بالمنتج "الحلال" أو التشاركي. وهكذا تم صنع ما يسمى بالبنوك التي تقدم نموذجاً بديلاً "شكلياً" عن البنوك الكلاسيكية التي ينعتها البعض بالربوية.

تم خلق بنيات مصرفية تمت تسميتها بأوصاف جميلة ذات بعد أخلاقي مثل اليسر والكرم والفضيلة والخلق الطيب ذو اللون الأخضر. وهكذا ظهرت مجموعة من الشبابيك البنكية "البديلة" أو "الإسلامية" أو "التشاركية" في مقرات تعود ملكيتها لأبناك يتم نعتها، حسب بعض السياسيين الإسلاميين، بالبنوك "الربوية". 

تم خلق "نوافذ" داخل المنظومة البنكية الكلاسيكية لتقديم خدمات في مجالات تمويل المشاريع والتأمين وفق إطار تحدده قواعد ومجالس تضم علماء منتمين لمجالس علمية تنظمها الحكومة عبر وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية. أظهرت التجارب الميدانية أن تكلفة هذه الأبناك التشاركية أكبر بكثير من تلك التي تنسب للأبناك الكلاسيكية. 

دبرت السلطات المالية والنقدية ملف هذا التحول الشكلي للمنظومة المصرفية بمهنية قبلها حزب رئيس الحكومة السابق، واستفادت منها نفس المؤسسات التي تنعت "بالربوية". ومع ذلك، لم تفلح الأنظمة البنكية بكافة مكوناتها في توسيع تغطيتها لكافة الفاعلين في الاقتصاد. 

ظل كثير من تجار العقار والمنتجات الزراعية ومن يستفيدون من الريع ومجرمي تجارة المخدرات يتحكمون في سوق الأموال ذات السيولة الآنية. تزايدت ثروات مجهولة المصدر، وحاولت الحكومات المتعاقبة نهج أساليب الترغيب لتقليص حجم القطاع غير المهيكل، والترهيب لدفع مراكمي الأوراق المالية، خارج القانون، لإيقاف عمليات التبييض الإجرامية. 

اختلط الأمر على الكثيرين من أصحاب الحسابات البنكية، وعلى أولئك الذين يفضلون وضع أموالهم في بيوتهم خوفاً من آفات الزمن. 

تحركت حملة لم ترعاها الحكومة، وتم إدخال إجراء جبائي إلى ملعب التكهنات والتخويف، خصوصاً لأولئك الذين يفضلون الاحتفاظ بأموالهم في بيوتهم. ليس كل من يكتنز أمواله خارج المنظومة البنكية متهرباً من ضريبة أو متاجراً بالمحرمات. 

نحن مجتمع يعيش على ثقافة الاحتياط والإعداد لعاديات الزمن. وقد وجب تفعيل النظر في التصريح بالممتلكات الموضوعة لدى المجلس الأعلى للحسابات، الذي ظل مكلفاً بأرشفة التصريحات بالممتلكات حتى لم يعد قادراً على استقبالها في مختلف فروعه المركزية والجهوية. 

لا تحتاج مؤسساتنا القوية للبحث المضني والمبرمج، كحملات ومقتضيات، عن كل مظاهر الاغتناء غير المشروع. لدينا مجلس أعلى للحسابات يجمع كل التصاريح بالممتلكات، ولدينا أيضاً أنظمة لتبادل المعطيات يمكن أن تكشف عن الثروات وكيف تكونت، وكيف كبر حجمها لدى فئات قليلة، بعضها مشكوك فيه وبعضها يُستخدم لإفساد العملية الانتخابية. 

لهذا يمكن اعتبار "غسيل" أموال بدفع 5% من حجمها مخالفاً لمبدأ المحاسبة والمساواة أمام القانون. تداول جمهور القنوات الاجتماعية الكثير من الأقاويل عن "ملايير" ظهرت "فجأة" وتم دمجها في حسابات بنكية. 

تفاءل البعض ممن اغتنوا بشكل غير مبرر ووجدوا سبيلاً للتهرب من المحاسبة. يبدو أن غرامة 5% قد تم استحسانها ممن راكموا أموالاً طائلة وهم غير قادرين على تقديم دليل أن مصدرها ليس متعلقاً بأنشطة إجرامية. 

الغش الضريبي لا يوجد ضمن مقتضيات القانون الجنائي، وقد يتسلل مجرمون إلى النظام البنكي وينعمون بوضعية تبعدهم عن المحاسبة. لا يجهل أحد أن المال الأسود في العقار موجود، وأن الرشوة تنهش الجسم الاقتصادي والاجتماعي والمؤسساتي. 

سيظل ممارسو التجارة والفلاحة والصناع التقليديون الذين لا زالوا في أحضان القطاع غير المهيكل، وكثير من المواطنين الذين لا يثقون، بغير سوء نية، في النظام البنكي، يتعاملون في قطاعات كثيرة بالنقد السائل فقط. 

من يزور أسواق الجملة وأسواق البهائم وكثير من المتاجر والمطاعم في المدن والمراكز القروية، سيتعرف أن التعامل بالشيك والبطاقة البنكية شبه منعدم. أصبح الشك المنهجي يسكن الكثير منا. حين يتم اتخاذ قرار أو التصويت على مقتضيات تهم المجال المالي، يُفتح باب لطرح سؤال: من المستفيد الكبير؟