هناك شيء ما ليس على مايرام.
إذا اعتمدنا تدخل وزير الداخلية في مجلس المستشارين يوم 30 يناير 2024، نجد بأن المغرب أنفق في الفترة الممتدة من 2017 إلى 2023 مامجموعه 53 مليار درهم لتنمية الوسط القروي، أي بمعدل 8,3 مليار درهم كل عام، وهو مبلغ ضخم يفترض أن يحول البادية المغربية إلى «واحة» ترفل في النعيم.
ومن جهة ثانية، يخبرنا المندوب السامي للتخطيط أن البادية المغربية عرفت منذ 2021، تفريغا ديمغرافيا قدر بحوالي 150 ألف مواطن كل عام.
ومن جهة ثالثة صدمنا تقرير أممي صادر عن «الإسكوا» في متم يناير 2024، يقول بأن 1,9 مليون مغربي سيهجرون البادية نحو المدن بحلول 2050 هربا من البؤس، بمعنى أن 74.000 مواطن مغربي ستطردهم البادية كل سنة بحثا عن حياة أفضل بالوسط الحضري (للإشارة، هذا العدد يوازي سكان مدينة وارزازات!).
من هنا وجاهة السؤال:
إذا كانت الحكومة (في عهد العثماني وعهد أخنوش)، قد أنفقت 50 مليار درهم لتنمية البادية، فأين تتجلى معالم هذا الإنفاق؟ وماهي الوجهة التي خصص لها هذا الغلاف الضخم؟ وهل استهدفت الملايير «الممليرة» سكان البادية أم تم إهدار الغلاف المالي في مشاريع فارغة لا تلامس أولويات سكان القرى؟
ففي السنوات الست الماضية كان لزاما - لو فعلا صرف هذا المجهود الاستثماري العمومي- أن تتحول بادية المغرب من مجال «طارد للسكان «إلى مجال «جاذب للسكان»، على اعتبار أن 53 مليار درهم المرصودة للوسط القروي تمثل حوالي 4% من الناتج الداخل الخام السنوي للمغرب.
الدليل على ذلك أن نفس المبلغ تقريبا سبق وأنفقناه على جهة طنجة تطوان في عشر سنوات (ميناء، طرق، أنفاق، تأهيل حضري، تهيئة مناطق صناعية....)، فتحول الشمال بفضل المجهود العمومي، من منطقة منكوبة إلى مضخة تمد الاقتصاد المغربي بالأوكسيجين. نفس الشئ حدث مع الأقاليم الجنوبية التي تمثل حوالي ثلث مساحة المغرب، إذ مكن اعتماد النموذج التنموي في ظرف سبع سنوات (20152022) الذي رصدت له 88 مليار درهم، من تحويل أقاليم الصحراء إلى أرض تشع رواجا واستقطابا، وهو الاستقطاب الذي سيتنامى أكثر بعد االانتهاء من ميناء الداخلة الأطلسي في أفق 2028 أو 2029.
فلماذا انعكس الاستثمار العمومي على أقاليم الشمال وأقاليم الجنوب، ولم تظهر معالم الاستثمارات العمومية الضخمة التي قيل أنها صرفت على الأقاليم القروية، علما أن المدة هي نفسها تقريبا والأغلفة المالية الضخمة تقترب أرقامها من بعضها البعض؟!
شخصيا سيبقى الشك يراودني، اللهم إن كانت للحكومة الشجاعة ونشرت للعموم، جدول صرف 53 مليار درهم وفي أي منطقة قروية وماذا استهدف الصرف ومن حاز الصفقة ومن قام بالدراسة ومن تكلف بمراقبتها، ومن هي الفئة الاجتماعية المستهدفة من 53 مليار درهم. آنذاك سيكون لكل مقال مقام.