قضايا

حين يُغتال المعنى وتُداس القدوة

عبد اللطيف أكدي ( باحث في علم الاجتماع)

لقد استوقفني هذا الحدث الفاجع، لا فقط بصفته واقعة مأساوية، بل بما يثيره فينا من قلق عميق، وارتباك وجودي، وتساؤل مرير حول ما آل إليه حالنا كمجتمع.

أن تُقتل أستاذة على يد أحد تلامذتها…

فالأمر لا يتعلق فقط بجريمة، بل بانكسار.

انكسار في العلاقة التي كانت، يوما، جوهر العملية التربوية: علاقة الثقة، والرغبة في التعلم، والاعتراف بالأستاذ كمنارة، لا كخصم.

لا يمكن قراءة هذا الحادث المأساوي كتجاوز فردي، بل إنه مؤشر صارخ على تحولات بنيوية تصيب نسيجنا المجتمعي في العمق.

لقد انهارت تدريجيا سلطة الرمز، سقطت صورة الأستاذ في عيون كثيرين، هل لأن الأستاذ تغير، أم أن محيطه من تغير، فاختلت القيم، وتراجع الدعم المؤسساتي، وتفرقت المسؤوليات حتى تلاشت.

أسأل نفسي – كما أسألنا جميعا –

أي مجتمع هذا الذي يربي أبناءه على الاحتقار بدل التقدير؟

أين أخطأنا حين لم نعد نعرف كيف نحب أساتذتنا؟

كيف صارت المدرسة نفسها مجالا للعنف بدل أن تكون حصنا ضده؟

من أفرغ التربية من بعدها الإنساني، وحولها إلى معركة بلا معنى؟

إنني في هذه اللحظة، لا أستطيع أن أنظر إلى ما جرى بعين الحياد.

أنا جزء من هذا الحقل التربوي، ومن هذا الهم الجماعي.

ولذلك، لا يكفي أن نحزن، بل علينا أن نحاسب أنفسنا، كمؤسسات، كفاعلين، كمجتمع.

علينا أن نعيد التفكير من الجذور: في دور المدرسة، في موقع الأستاذ، في خطابنا الإعلامي، في نماذج القدوة التي نصنعها، وفيما نعلمه فعلا لأبنائنا: هل نملأ عقولهم بالمعرفة، ونغفل عن غرس احترام الإنسان والحياة في نفوسهم؟

إن مقتل هذه الأستاذة هو جرس إنذار.

وهو لحظة فارقة، إما أن نرتقي فيها إلى مستوى الوعي والمسؤولية، أو ننحدر أكثر في مسار التفكك الرمزي.

لهذا، أقولها اليوم بمرارة وصدق: إن لم نضع المدرس في قلب مشروعنا المجتمعي، فلسنا فقط نخسر شخصا… بل نخسر المستقبل أيضا.