لماذا لا يخجل النقابي والحزبي المتسلق، من نفسه ومن تاريخه؟ .. هذا إذا كان له تاريخ مشرف أصلاً.
طبعاً لا أعمم؛ فقط أقصد ذلك الكائن المنحرف الذي لا يغادر الكرسي إلا عندما يغادر الحياة..
في البلدان الديمقراطية، النقابي يقود مرحلة ثم ينسحب بكرامة، و يسلم مفتاح البيت لمن سيهتم به بعده.
أما عندنا، فالنقابي والحزبي المنحرف يشبه قطعة أثاث قديم ملتصقة بالأرض، لا تتحرك إلا بالرافعات الهيدروليكية ، أو بالنعش إلى مثواه، فالموت وحده حرفياً هو الجهاز الوحيد القادر على "إعادة الهيكلة".
في الحقل النقابي والحزبي. عندنا النقابي إذا تقاعد لا يغادر، حتى إذا فتح مكتباً للسمسرة أو للحجامة أو لبيع المسامير او العقارات، يظل رئيساً رغماً عن أنف الديمقراطية والقوانين الأساسية والداخلية وحتى المنطق والأخلاق.
بكل عجرفة وأانانية يقول لك: أنا النقابة، والنقابة أنا. يعتقد أن العمل النقابي عقار وراثي، وأن كرسي القيادة وقف عائلي لا يحق لأحد المساس به.
وإن سألته: لماذا لا تترك المجال للشباب؟ يجيبك بابتسامة من يوزع الفتاوى: “مازال عندي العطاء”. والحقيقة أن العطاء الوحيد المتبقي له هو توزيع المناصب على المقربين وتقاسم الريع مع الرفاق والمحيط.
الغريب أننا لا نرى هذه الظواهر في الدول التي قطعت أشواطاً في الديمقراطية وفي ممارسة العمل النقابي والحزبي.
عندهم، القيادي إذا انتهت مهمته يشكرونه ويغادر، بينما هنا إذا انتهت ولايته، يبدأ في البحث عن ولاية ثانية وثالثة ورابعة ، ثم يحول النقابة أو الحزب إلى ضيعة شخصية، والفرع الجهوي إلى مكتب محاسبة على الورق، واللجنة الوطنية إلى بورصة للصفقات.
والأسوأ أن هؤلاء المتسلقين يحولون الإطار النقابي .. الحزبي .. إلى مؤسسة عجوزة تعاني فقر الدم التنظيمي. فلا دخول لدماء جديدة، ولا خروج للدماء القديمة.
مجرد دوران مغلق لقيادات مغلقة، تفكر بعقلية “أطال الله في عمر المنصب ولو قصر في أعمار التنظيم”. لذلك نحتاج فعلاً علماء اجتماع شجعان لتشريح هذه الظاهرة المرضية. لعلهم يكتشفون أن النقابي والحزبي المتسلق كائن نادر، لا يوجد إلا في البلدان التي تشيخ فيها المؤسسات قبل أن تولد، وتصدأ فيها الكراسي قبل أن يجلس عليها أحد.
باختصار: في عالمنا، القاعدة الذهبية بسيطة وواضحة: النقابي والحزبي يترقى، ثم يتسلق… ثم يتخشب، ثم يتخلى، وما بين التخشب والتخلي فقط شهادة وفاة تغير الوضع. في النقابة والحزب ولا تغيّر في الفكر.






