رأي

موسى العريف: مقاطعة اليوسفية.. بين تحديات الماضي وآمال المستقبل

على مر التاريخ، كانت المدن والأحياء العريقة شاهدة على التحولات الاجتماعية والسياسية التي شهدتها المملكة المغربية. ومن بين هذه الأحياء، تبرز أحياء مقاطعة اليوسفية بالعاصمة الرباط، التي يعود تاريخها إلى عقود طويلة، حيث لعبت دوراً بارزاً في تشكيل ملامح الهوية الوطنية المغربية. هذه الأحياء ليست مجرد تجمعات سكنية، بل ذاكرة حية تربط الماضي بالحاضر، وشاهد على فصول من الكفاح والتطور.

منذ عهد السلطان محمد الخامس، الذي قاد المغرب نحو الاستقلال، وصولاً إلى الملك الحسن الثاني الذي رسّخ نهج البناء والتطوير، وانتهاءً بالعهد الجديد للملك محمد السادس الذي يولي أهمية خاصة للتنمية البشرية، كانت مقاطعة اليوسفية حاضرة في المشهد التاريخي. زيارات الملوك المتكررة لهذا الحي تحمل دلالات رمزية كبيرة، تعكس الاهتمام بهذا الموروث الاجتماعي والثقافي.

ورغم هذا الإرث الغني، فإن أحياء مقاطعة اليوسفية تعاني اليوم من تحديات تنموية تعيق تحقيق نهضتها المنشودة. فهي ليست مجرد أحياء قديمة، بل قلب نابض بالطاقة والإمكانات، يحتاج إلى خطط إصلاحية شجاعة تعيد لها مكانتها التاريخية وتفتح لها أبواب المستقبل.

الشباب في هذه الأحياء يحملون طاقة متفجرة، فمن هنا خرج رياضيون، فنانين، مثقفون، وصحفيون أثروا الساحة المغربية. ولكن اليوم، تجد هذه الطاقات نفسها مقيدة بواقع يفرض البطالة، الإجرام، والانحراف كخيارات مفروضة بدل أن تكون هناك فرص للتنمية والنهضة. بل إن الدعارة، التي لطالما ارتبطت بهذه الأحياء المهمشة لعقود، أصبحت نتائجها تتحكم في المشهد العام.

ورغم كل هذا، يبقى الأمل حاضراً في قلوب الساكنة. مقاطعة اليوسفية تحتاج إلى إرادة قوية للخروج من هذا النفق المظلم. الإصلاح ليس سهلاً، فهو معركة تستلزم تضحيات وصموداً في وجه التحديات. ستُواجه المحاولات ضرباتٍ تحت الحزام من أولئك المستفيدين من الفساد، ولكن الإصرار على النهوض لن يتوقف

ورغم كل ما تعانيه مقاطعة اليوسفية من تهميش وصعوبات، تبقى هذه الأحياء شاهدة على قوة التحمل والصمود الذي تميز به سكانها عبر الزمن. ففي كل زاوية من زواياها، يمكن أن ترى تاريخاً حياً وتجربة إنسانية عميقة. أحياء مثل هذه ليست فقط مناطق جغرافية، بل هي مزيج من الثقافة، القيم، والآمال التي لم تنطفئ رغم قسوة الظروف.

نحن اليوم أمام لحظة مفصلية تتطلب إرادة جماعية للعمل على إعادة هيكلة هذه الأحياء، وتحسين ظروف العيش فيها، ليس فقط من خلال إصلاح البنية التحتية أو توفير الخدمات الأساسية، ولكن أيضاً بخلق فرص للشباب الذي يمثل القلب النابض للمقاطعة. هؤلاء الشباب يحملون في داخلهم طاقات كامنة قادرة على النهوض بهذه الأحياء لتصبح نموذجاً يحتذى به في التنمية والنهضة.

قد تكون المهمة صعبة، وقد تكون التحديات جسيمة، لكن الأمل دائماً موجود. لا يمكن أن نترك أحياء مثل دوار الدوم ، دوار الحاجة ، التقدم، المعاضيض، جبل الرايسي أسيرة الماضي ومشاكله، بل يجب أن نجعل منها رمزاً للمستقبل الذي يطمح إليه الجميع. هذا المستقبل يبدأ بإيماننا بقدرتنا على التغيير، وبإطلاق مشاريع تنموية حقيقية، وبالتواصل الصادق بين السلطات المحلية والمجتمع المدني والساكنة

إن أحياء مقاطعة اليوسفية تحمل في طياتها تاريخاً مشرفاً وإمكانات واعدة تجعلها جديرة بكل الجهود التي تبذل لتحقيق تنميتها. نحن اليوم نكتب فصلاً جديداً من تاريخها، فصلاً يفتح آفاق الخير والازدهار. أنا على يقين أن التغيير ممكن، وأن اليوسفية ستصبح نموذجاً يحتذى به، ليس فقط في الرباط بل على مستوى المملكة.

أتطلع لأن أترك بصمتي هنا، بين أزقة هذه الأحياء، وبين أحلام شبابها وطموحاتهم. أؤمن بأن العمل الجاد والإخلاص في النوايا قادران على تجاوز كل العقبات. وسنبقى على العهد، نعمل من أجل مجتمع أفضل، ونحلم بغدٍ أكثر إشراقاً لكل أبناء هذه المقاطعة. ولتحيا اليوسفية رمزاً للصمود والنهوض.