رأي

خطورة فتاوى القنوات الفضائية والمواقع الإلكترونية

باحث في الفكر الإسلامي وقضايا التطرف الديني

الفتاوى الدينية الإلكترونية وفتاوى الفضائيات الدينية، هي الفتاوى التي يصدرها دعاة أو شخصيات دينية من سياقات ثقافية وجغرافية مختلفة عن المجتمعات التي تُوجَّه إليها، قد تحمل هذه الفتاوى مخاطر متعددة؛ لكونها لا تراعي الخصوصيات الاجتماعية والثقافية والدينية للدول المسلمة، فالمجتمعات المسلمة كما نعلم جميعا، تختلف في تقاليدها وأعرافها، وتلك الخصوصيات والأعراف تؤثر على تطبيق الشريعة الإسلامية بمرونة تراعي الزمان والمكان. فالفتوى الصادرة من سياق ثقافي معين قد لا تناسب مجتمعًا آخر، مما قد يسبب ارتباكًا أو صراعًا داخل المجتمع المتلقي، كما أن الشيخ أو الفقيه أو المفتي البعيد قد يفتقر إلى معرفة دقيقة بالواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والديني للمجتمع الذي يصدر له الفتوى. هذه الفجوة قد تؤدي إلى تقديم فتاوى وحلول غير واقعية أو غير قابلة للتطبيق، مما تنعكس سلبا على الوحدة الدينية والمجتمعية لهذا البلد أو تلك، 

فتعدد الفتاوى وتناقضاتها قد يؤدي إلى انقسامات داخل المجتمعات المسلمة، حيث يميل البعض لتبني فتوى معينة بناءً على مرجعية خارجية، مما يثير الجدل ويضعف الوحدة الوطنية.

علما أن بعض الجهات المسؤولة عن هذه الفضائيات والمواقع الإلكترونية قد تستخدم هذه الفتاوى كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية أو أيديولوجية، مما يزيد من حدة الاستقطاب داخل المجتمعات المسلمة، وتفاديا لهذه المشاكل والصرعات الناتجة عن فتاوى الشبكات العنكبوتية ينبغي على السلطات والمراجع الدينية في كل بلد إسلامي التصدي لنوعية هذه الفتاوى العابرة للقارات والحدود؛ لأن جلها لا تتماشى وقيم العصر، بالإضافة إلى مخالفتها للقوانين المحلية الجاري بها العمل في كل بلد، كما تخلق انطباعًا سلبيًا عن الإسلام والمسلمين في المجتمعات غير المسلمة، مما يفاقم مشاعر الإسلاموفوبيا، وهذا ما هو حاصل اليوم للأسف، في الدول الغربية، وأوروبا على وجه التحديد. فإذا كانت السلطات المعنية المختصة في الدول الإسلامية والعربية لها الرغبة الصادقة في الحد من هذه المخاطر والمشاكل الناتجة عن هذه الفتواى العائمة لابد من تعزيز دور المؤسسات الدينية المحلية والوطنية، ودعم السادة العلماء والمشايخ والمفتين المحليين الذين يفهمون خصوصيات مجتمعاتهم، وأن تناط مسؤولية الفتوى للعلماء المشهود لهم بالتبحر في علوم الدين ومقاصد الشريعة الإسلامية؛ لأن علماء المقاصد لهم فهم وإلمام بالواقع المحيط مما يضمن إصدار فتاوى واقعية وعملية، وفي هذا السياق يجب تعزيز الحوار بين علماء المناطق المختلفة لضمان فهم أعمق للاختلافات الثقافية .

ختاما، فالفتوى أمانة عظيمة، ونجاحها يتطلب فهمًا عميقًا للشريعة الإسلامية والواقع على حد سواء، ولهذا يحبذ أن يتم إصدارها بشكل جماعي من هيئات دينية علمية تضم متخصصين وخبراء من خلفيات وقطاعات متعددة.