في المحطات التاريخية للمدونة (1958، 1993، 2004)، ولكل واحدة منها قصة تستحق أن تُروى، كانت هناك منهجيات مختلفة لوضع القانون المنظم للأحوال الشخصية، لكنها تلتقي جميعها في المسار التالي: لجنة يتم اختيار أعضائها من قبل الملك، تُعد نصاً يأخذ فيما بعد شكل ظهير يتم تطبيقه حال صدوره.
في هذه المرة، تم اتباع منهجية أخرى تحترم دستور 2011: بما أن وضع القوانين أصبح اختصاصاً حصرياً للبرلمان وبمبادرة من الحكومة، والملك لم يعد يُصدر القوانين عبر الظهائر، فقد أصبحت مسؤولية إخراج قانون الأسرة الجديد من نصيب البرلمان والحكومة. الملك أعطى توجيهاته، وطلب رأي المجلس العلمي الأعلى فيما يخص المسائل ذات الطابع الديني، وقام بدوره كأمير للمؤمنين وسلّم المبادرة لرئيس الحكومة للتواصل وصياغة القانون والدفاع عنه أمام المجتمع وأمام البرلمان، وهنا بدأت المشاكل!
منذ اليوم الأول، بدأت الأخطاء التواصلية القاتلة: ندوة صحفية للحكومة خلقت مساحات كبيرة من الخلط والإبهام، حيث اكتفى أعضاء الحكومة بقراءة خطابات فيها عدة نقاط غير واضحة وذهبوا لحال سبيلهم، ولم يُسمح للصحفيين الحاضرين بطرح أدنى سؤال لمحاولة الفهم والتوضيح. خلال هذا الأسبوع الذي غابت فيه الحكومة ولم تقم بدورها التواصلي، تناسلت الإشاعات وانتشرت المخاوف - المشروعة والمفتعلة - وما كان في جوهره إصلاحاً مجتمعياً مهماً، صار مدعاة للتنكيت والتندر، ودخلت على الخط أطراف لا يهمها لا النقاش العام ولا القانون ولا الإصلاح.
الكل يعرف أننا أمام أضعف حكومة على مستوى التواصل: رئيس الحكومة لا يتكلم إلا نادراً وهو غير قادر، نتيجة انخفاض شعبيته، على الدفاع عن قانون بمثل هذه الأهمية.
الوزراء أغلبيتهم لا نعرف حتى أسماءهم، والأحزاب لم يعد فيها أشخاص مثقفون و سياسيون قادرون على النقاش الفكري والقانوني، وسيبقى عبد اللطيف وهبي وحيداً للحديث عن هذا الورش المجتمعي. ونحن نعرف أن وهبي ببهلوانياته الكلامية وتسرعه قد يكون عبئاً لا عوناً للدفاع عن قانون الأسرة الجديد، ويمكن أن "يثقب الورقة" في أي وقت.
وهنا يأتي ربما دور "أصحاب العقل" وذوي النوايا الحسنة من السياسيين والفقهاء والمثقفين والإعلاميين وصانعي الرأي العام لحمل هذا القانون المهم، الذي سيرفع مظالم كثيرة، عبر النقاش الهادئ والتوضيح والشرح ومحاربة الأخبار الكاذبة ورفع أي لبس أو سوء فهم، ومن أجل تجويد مشروع القانون الذي ما زال الآن مجرد توجهات وأفكار. أمامنا عدة أشهر للقيام بذلك، وفي النهاية سيكون المغرب فخوراً بقانون متقدم، في مصلحة الأسرة بأطفالها ونسائها ورجالها.