قضايا

الأسرة بين وجع اعتقاد ومخاض حقوق (1)

سامر أبو القاسم

-استهلال:

في إدراك تام لضرورة تجسير تلك الحدود الفاصلة بين الثقافات والمرجعيات، وتفاديا لأية ردود فعل قد تكون غير مُدرِكة للأبعاد العميقة لهذه الخطوة، وتجنبا لأية مواجهات قد تكون مغلوطة حول الحرية الدينية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وجب العمل على تجسير العلاقة بين التنشئة الدينية وحقوق الإنسان عبر التساؤل عن علاقة الفهم الديني بمفاهيم الحق وترسيخها بموازاة مع تعزيز مفهومي التّكليف والواجب.

فهذه القراءة لم يكن لها من مقصد سوى شغف التعرف على ما يعتري الوضع الأسري بالعديد من البلدان الإسلامية من تعرض أبنائها وبناتها لتهميش وظلم وتعنيف وفقدان للكرامة جراء ممارسات وتصرفات لا إنسانية، عبر حالات ووضعيات ووقائع اعتادت مختلف وسائل الإعلام وقنوات التواصل على نقلها بشكل دائم، إلى درجة حصول نوع من التطبيع معها في التفكير وإصدار المواقف وقبولها في الواقع والتعايش معها في المعيش اليومي.

وهي قراءة لا تهدف إلى تقليب المواجع، بقدر ما تبحث عن سبل المساعدة على إدراك ما يضغط على الأسر من عوامل وجعلها متخفية في ثنايا عقلية مكوناتها وموجِّهة لسلوكاتها، بالشكل الذي أصبحت معه لا تطاق، بالنظر إلى ما يعتمل في الواقع من أحداث وإلى ما تشكله من علامات دالة على الابتعاد عن العمق الإنساني كمناط لكل قواعد انتظام الوجود البشري.

فالعيش المشترك على قاعدة المواطنة، وطرق تنشئة الأفراد على أسس منظومة القيم الإنسانية، وتجسيد الاتجاهات المعززة للعلاقات الإنسانية، والشعور بتقدير الذوات واحترامها، والإحساس بالقدرة على التمتع بالحقوق والحريات على قدر متساوي بين الجميع، هو ما ينبغي أن يترسخ ويتجذر في عمق وعي المواطنات والمواطنين، لتجاوز مطبات التهديد والتوتر والشعور بغياب الأمن والإحباط، وللقطع مع ميول الإمعان في الانتهاك والاعتداء والإهانة وتبخيس التواجد والأدوار داخل الإطارات والمؤسسات.

فالأسرة بالبلدان الإسلامية مُعرَّضة باستمرار للوقوع في وضعيات مأساوية، ويتطلب الأمر صرف جهد من أجل إبراز أدوار الدولة ومختلف الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والثقافيين، وكذا المواطنات والمواطنين داخل أسرهم، في الارتقاء بالقيم والاتجاهات الإيجابية لدى الأجيال الناشئة، عبر ضمان وإعمال الحقوق والحريات في واقع معيشهم اليومي، وتفعيل القانون ومساطره في حالات الخرق والانتهاك المؤديين إلى وقوع مآسي مادية ونفسية واجتماعية مضرة بأحوال الأسرة، ومرخية بضلال انعكاساتها السلبية على المجتمع والدولة بصفة عامة.

وتكمن أهمية هذه القراءة في الوقوف على معيقات الاستقرار الأسري، ومحاولة تحديد القضايا والمشاكل التي ينبغي التغلب عليها، لتفادي الوقوع في وضعيات التنافي مع حقوق وحريات الأفراد بسبب كمون تلك المشاكل في قلب وثنايا العلاقات، ولاختصار تلك المسافات التي تفصلنا عن تيسير سبل العيش المشترك وعن إدراك حجم المسؤوليات التي تنتظرنا تجاه الأسرة لإيجاد مخارج إيجابية لمشاكلها، دون تيه في مطب التراشق بالشعارات.

فالوضع الراهن للأسرة بالبلدان الإسلامية يتطلب إعادة نظر في كيفية التعاطي مع مشاكلها، بالشكل الذي يسهل مأمورية تحديد معالم أفق ينعم بتحسين شروط عيش المواطنات والمواطنين داخل أسرهم في أمن وطمأنينة واستقرار وسلام، وتيسير شروط وظروف وتدبير ناجع للعلاقات داخل الدولة والمجتمع.