إن أزمة السياسة في الوضع الراهن لم تعد مشكلة شح في البروفيلات والكوادر القادرة على رفع التحدي والإبقاء على الدور الريادي للسياسة من أجل تمثيل الشعب لدى السلطة، وخلق توازن يحافظ على استقرار البلد، ولا هي ضحالة في الفكر والمشاريع المنبعثة من حوار حقيقي ينسجم مع انتظارات الوطن، بل تحولت بفعل فاعل إلى ضيعة خاصة لبعض منتحلي صفة السياسي. بعدما تسللوا وهم يعلمون أنهم لا يمتلكون ما يكفي من مؤهلات للاشتغال بحقل يتطلب الكثير من القدرات، ومسارا طويلا وتدرج في المسؤوليات وليس السقوط بال"الباراشوت " جعلوا السياسة في الآونة الأخيرة مجالا للإغتناء وحصنا للتشربع من أجل حماية مصالحهم الخاصة على حساب هموم وانشغالات الشعب.
نعيش في الآونة الأخيرة تراجعا ملفتا في الاهتمام بملفات لها راهنيتها بل رأينا كيف تأخذ نقاط هامشية حيزا معتبرا على حساب ملفات ترهن مستقبل البلد بأكمله. رأينا كيف غطى نقاش لائحة المتغيبين عن جلسات البرلمان على أهم نقاط وفقرات قانون المالية برسم سنة 2025 وهي لحظة مفصيلة في الآونة الأخيرة والحكومة تناقش مقتضياته التي سترهن مصير الجميع لسنة كاملة، قبل الدخول في صراع مواقع للانتخابات المقبلة 2026.
فإذا كان الغياب عن جلسات البرلمان إخلال بواجب أخلاقي اتجاه من صوتوا فهو في المقابل هندسة لقرار محسوم تتحكم فيه الأغلبية بالعدد. لكن رغم ضعف المعارضة من حيث العدد والمرافعات التي يطبعها الجانب الشكلي الذي يتجه في غالبه نحو بعد فلكلوري لايؤدي دوره بقدر ما يتجه بخطابه نحو الخارج وهو في الحقيقة لايتعدى أسوار قبة البرلمان من حيث الأثر.
ضعف المعارضة ليس مرده بالأساس للعدد فقط بل تعداه إلى جانب أهم، يتعلق الأمر ببعدين أساسين في نظري. هناك بداية تنحية الجانب الإعلامي فيما يتعلق بمهنية وحياد هذا الأخير والدفع بتقوية صف المعارضة لخلق التوازن في النقاش والتواجد من خلال سلطة الدعم . الأمر الثاني رقي المضامين والقوة الاقتراحية وصناعة البدائل بما يمكن من تجميع الشتات ووحدة الصف والملف. وهو أمر إذا وحدته اساليب التضييق والاستهداف، فلاشك أن الأهواء والرغبات تفرقه، بل هناك انتهازية تبرز في كل مرحلة تناقش فيها المناصب والمكاسب .
ما أثارني في الآونة الأخيرة مداخلة الناطق الرسمي الوزير بايتاس وهو يمارس خرجاته كالعادة في عملية تقطير الشمع على المعارضة رغم أن السيناريو في مجمل مضمونه متدنيا وبدون أثر يذكر على الفعل السياسي لكن لاتخلو المداخلة من حقائق صادمة من قبيل توجيه رسائل تقريع للجميع والأغرب في تدخله أن يستدعى أخلاق المرحوم عبدالرحمان اليوسفي وهو يشكك في القرابة الحزبية والانتماء في طرح يغلب عليه كثير من الاستغراب ويوحي أن خلط الاوراق في النقاش السياسي توجيه مذموم لايخدم السياسة في شيء والحال أننا في مؤسسة تشريعية للأسف الشديد يبدو أن بعض المنتسبين إلى حزب اليوسفي لم يعودوا ملتزمين بتلك المبادئ فاللعب على الحبلين سياسة فاشلة .لم يدع الفرصة تمر دون أن يعرج على حزب دبر عشر سنوات والحصيلة ناطقة لاتحتاج لدليل.
الشجاعة التي تكلم بها الوزير توحي بأمرين بداية المعارضة لم تعد لها القدرة على المواجهة لأنها تجر وراءها صور فشل لسنوات من التدبير التي راكمتها ولم تستطع التخلص منها، ثانيا غياب وحدة الموقف بين كل الأطياف المكتوية من سوء تدبير مرحلة عرفت اكبر عملية غلاء للاسعار وفشل في كل المخططات بكل الوانها. كما جاء على لسان الوزير دون أن نشهد محاسبة المسؤول عليها . الضعف أصبح ملمحا عاما نتيجته الطبيعية تغول سلطة المال على السياسة، والضحية في المعادلة إجمالا المواطن، الذي غاب صوته وسط زحمة ضجيج سياسي يدافع عن مصالح ذاتية ضيقة .