حرية الصحافة ليست معزولة عن وضع مهني عام، إنها حلقة من حلقات مسلسل مترابط. فمن حيث الشكل، تهم حرية الصحافة، بالمفهوم العام، الفاعل السياسي والنقابي والحقوقي، أي المجتمع برمته، وليست حصرا على الإعلاميين.
ومن حيث المضمون، فهذه الحرية لا تستقيم في ظل وضع مهني هش، يتسم بالخوف السائد وسط المهنيين وبانتشار الرشوة والفقر وبتسيب تحريري.
حرية الصحافة هي بنيان، له أسس من دونها يبقى الحديث عنها ناقصا. وتنطلق هذه الأسس من المقاولات الإعلامية التي تتميز عن باقي المقاولات والإدارات، نظرا لطابعها الفكري والخدماتي، ونظرا لمسؤوليتها الجسيمة في نقل الحقيقة وترويج الأفكار والمعلومة.
في زمن انتشار الميوعة والتفاهة والانبطاح، جردنا، أو جردوا، حرية الصحافة من روافدها ومرتكزاتها، بل ومن شروطها. والمؤسف والمحزن هو أن الهيئات المفروض فيها حماية هذه الشروط تاهت بدورها في انشغالات أخرى…
من منا، يا ترى، يسمع الآن، بل ومنذ سنوات خلت حتى، عن مطالب وشعارات ترفع وتردد، من قبيل دمقرطة هيئات التحرير، ميثاق التحرير، نظام داخلي يضبط الحقوق والواجبات، نظام ترقيات وسلم للأجور يسمح بتطوير الكفاءة والاستحقاق ويحدد التطور المهني... الاتفاقيات الجماعية، على علتها، بقيت حبرا على ورق، جُمّدت أحيانا وأُقبرت واقعيا.
كيف تستقيم حرية الصحافة، إذن، وشروطها المادية والأدبية منعدمة في سائر المؤسسات والمقاولات الإعلامية؟ ومنها تلك المؤسسات التي لا يتردد مدراؤها في التباكي والتحسر على واقع حرية الصحافة في افتتاحياتهم ومقالاتهم.
إن دعاة حرية الصحافة والمدافعين عن حرية الصحافة، بالشكل العام و الفضفاض، هم في الواقع يدافعون عن حرية الرأي والتعبير.. وهذا أمر جيد، أما حرية الصحافة فتشترط في البداية والنهاية تحرير الجسم الإعلامي من العوامل المذكورة، كما تشترط دمقرطة المقاولات والمؤسسات الإعلامية وتحويلها لفضاءات للحرية ونموذجا لحماية الوضع الاعتباري.
عندما تتحقق هذه الحقوق، وقتها سيسود وضع جديد بالتأكيد، وسيكون بمثابة جرعة فعالة وقوية للكرامة وللحرية.