قضايا

هل مازال للنقد معنى في عصر المتاهة التي نعيشها؟

محمد بهضوض

 

في كتابه الصغير "العرق والتاريخ"  الصادر سنة 1956 ، قدم كلود ليفي شتراوس مقاربة مختلفة  للتنوير،   انتقد فيها الاثنومركزية الغربية السائدة في زمنه، مدافعا، مقابل ذلك، عن تنوع الثقافات والحضارات.

حيث ليس هناك، في رأيه، حضارة أفضل من أخرى (من الناحية الإنسانية)، ولا شعب أفضل من شعب. فالإنسان هو الإنسان في كل مكان، وليس هناك تمييزا:   من جهة "غربا متقدما" ومن جهة أخرى "مجتمعات متوحشة".

بل وذهب، ليفي شتراوس، في حوار له مع جريدة "لوفيجارو" ( 22 يوليوز 1989)، إلى حد القول، في إجابته عن سؤال : هل يمكن اعتبار البربرية النازية نهاية الحضارة؟:  "إن البربري هو الآخر دائما".

بمعنى، أن الغرب الذي يدعي "الإنسانية" هو ذاته الذي اقترف جرائم ضدها (الاستعمار، الحروب، الاستغلال..). كما لا يخلو تاريخه من بشاعات، تم فرض تجاهلها (مثل التجار بالعبيد والقضاء على الهنود في أمريكا...).

 ميزة هذه النظرية النسبية، دون شك،  هي نقدها المنهجي للإثنومركزية الغربية ودفاعها  المستميت عن الاختلاف، والحث على الانفتاح على كل الحضارات والثقافات، بدل الاستعلاء الحضاري أو الانغلاق على الذات.

 لكن   مشكلة هذه النظرية، الما بعد حداثية، هي "تفكيك"، أو بالأحرى "تنسيب" كل شيء. مثل تضخيم الهويات والخصوصيات، التي وصلت أحيانا إلى حد تبرير تصرفات مشينة، بل وجرائم، باسم الدين أو الأرض أو الإثنية أو العرق. 

ما يفيد أنه، كما نحن في حاجة لنقد التمركز الغربي ودعوته الى الكونية المجردة أو الاستعلائية، نحن في حاجة لنقد التمركز المحلي ودعوته الى الخصوصية المريضة ( الأصولية، العرقية، الهوية...)، كما أضحت تمثله بعض أشكال الاختلاف الجذري اليوم.

لكن السؤال: هل مازال للنقد معنى في عصر المتاهة التي نعيشها؟