قضايا

ترامب وماسك: زواج السياسة والتكنولوجيا الذكية

عبد الغفور دهشور ( إعلامي/ حقوقي)

 

إلى وقت قريب جدا لم يكن التقارب بين ترامب وماسك، أو توفير إطار مؤسساتي لاستيعاب أفكار ماسك، يدخل في خانة المؤكد.

وكان أكبر الاحتمالات وأقربها إلى "الواقعية" لا يتجاوز كون الإطار الوحيد لعلاقة الاثنين هو الدعم الانتخابي، دعم صاحب TESLA للعائد إلى البيت الأبيض. بيد أن تعيين ماسك ضمن فريق العمل في إدارة ترامب ليتولى “وزارة” الفعالية الحكومية”(efficacité gouvernementale) ، يؤشر على كثير من الأشياء:

1- يتجاوز الأمر مجرد تعيين ترامب لـ"صديقه"، كما وصفت الصحافة الحدث حين الإعلان عنه. لأن ترامب ليس له أصدقاء، وهو يقيم علاقاته بمنظار القيمة المضافة التي سيجلبها له كل من سيتعامل معه؛

2- عن هذا التعيين قال ترامب، إنه "سيعبد الطريق أمام إدارتي لتفكيك البيروقراطية الحكومية، وتقليص القوانين التنظيمية المفرطة، وخفض الإنفاق المسرف، وإعادة هيكلة الوكالات الفيدرالية - وهو أمر ضروري لحركة "أنقذوا أمريكا"؛

3- أصبح لماسك إطار مؤسساتي، دستوري، لإعمال أفكاره وتصوراته، عن أمريكا وعن العالم ودوله وشعوبه؛

 4- تبرير ترامب لهذا التعيين، إلى جانب اسم القطاع/ الوزارة، ينطوي على تصور للعمل السياسي يحتل فيه المهندس - التقنوقراطي الدور المحوري، بل يحتكر لوحده فضاء الفعل السياسي برمته. فمن نتائج الثورة الرقمية، أن التكنولوجيا جاءت مع إيديولوجيتها، ولذا قدمت على أنها تحمل حلولا لجل المشاكل. لكنها حملت قيمها أيضا: تصورها عن الفعالية وعن العقلنة والحكامة..إلخ. لم تعد أسباب مشاكل المجتمع (الفقر، والتخلف، والتغير المناخي) وطبيعة قضاياه سياسية بالأساس (علاقات الهيمنة والسطة..) بل سببها هو سوء في التدبير التقني، وحلولها لن تكون سوى تقنية،  يلعب فيها الذكاء الاصطناعي دورا حاسما. ألم يقترح ماسك، نفسه، لحل الصراع الروسي - الأوكراني عبر “وكالته” Space X؟

5- منطق التكنولوجيا ينسى المجتمع ويضع السياسة جانبا، يقتل السياسة (بتعبير الدكتور عبد الله ساعف). لا يجعل حل القضايا وتجاوز التحديات موضوعا للصراع والتنافس وإشراك جميع وجهات النظر والاستماع إليها، وإعمال مؤسسات الديمقراطية للحسم بين الأفكار والتوجهات والبدائل والبرامج. بل نترك التكنولوجيا تقول كلمتها وعلينا، نحن، أن نصمت ونصيغ السمع.

6- هذا التوجه نحو إقحام الذكاء الاصطناعي، جربناه على المستوى المحلي، على سبيل المثال، ألم يقدم العديد منا نماذج صنعها الذكاء الاصطناعي لإعادة بناء ما دمره زلزال الحوز، في حين هناك من قال بضرورة استحضار البعد الثقافي للبلاد والاستماع للسكان؟