قضايا

أحداث الفنيدق.. تفند خطاب الحكومة حول "الدولة الاجتماعية"

إلهام بلفحيلي (فاعلة جمعوية)
الأمر وصل نهايته، والصبر بلغ منتهاه. المشاهد التي نتابعها في مواقع التواصل الاجتماعي من الفنيدق والهجرة الجماعية للشباب والأطفال والنساء تنخر قلوبنا وتؤلم مشاعرنا، وتجعلنا نتحسر على واقعنا. هذه المشاهد تدعونا جميعًا لمراجعة الواقع والبحث عن الحلول، لا الهجوم من أجل الهجوم أو الدفاع من أجل الدفاع.

هناك مشكل حقيقي في المغرب نعيشه.

أولا، غلاء الأسعار وارتفاع كلفة الخدمات وانهيار الطبقة الوسطى التي كانت صمام الأمان أصبح يهدد الأمن والسلم المجتمعي.

ثانيا، هناك خطاب متناقض بين خطاب حكومي وإعلام رسمي يظهر لك أن المغرب يسير بسرعة قصوى ويحمل معه فقراءه من خلال نظام الحماية الاجتماعية والأوراش والفرص وغيرها، مقابل واقع مرير وإعلام بديل يظهر الواقع الحقيقي حيث الفقر المدقع والهشاشة والتهميش والتركيع والتهديم.

ثالثا، الإحساس بالظلم والمس بالكرامة. هناك ضغط إعلامي واقعي لتطبيق القانون فقط على الشعب الكادح. فأصبح الأمن متشددًا صارمًا أكثر من اللزوم، يطبق القانون ناسيًا روحه. مديرية الضرائب لا ترحم وتقطع من الأجور دون إنذار أو إخبار، نظام الغاب في دولة الحق والقانون. والقروض لا تنتظر، فأصبح المواطن البسيط محاصرًا بمنطق القانون، مع أنه يرى ويعلم أن تطبيق القانون يعنيه وحده، إلا في حالات نادرة حيث يعتقل بعض التماسيح، لكن أخبارهم تنقطع كما وقع مع برلماني الفقيه بن صالح والناصري وغيرهم.

رابعا، الصحة. اليوم، هي معضلة كبيرة. فالفقير عندما يذهب إلى المستشفى يواجه بضرورة الأداء إذا لم يكن يتوفر على ضمان اجتماعي، أو يُعطى له موعد بعيد وهو لا يستطيع حتى تحمل ألم ليلة. إذن، الصحة تحتاج لمراجعة شاملة، وليس تخصيصًا وتحفيزًا ودفعًا بالشعب إلى المصحات الخاصة.

خامسا، التعليم. هذه السنة تم حرمان الأسر المغربية من المبادرة الملكية "مليون محفظة" وتعويضها بمبلغ بخس. ولغاية الآن، أعرف أسرًا عجزت عن توفير لوازم المدرسة لأبنائها، حتى المكتسبات ألغوها، وحقوق الطفل انتهكت، والمبادرات الملكية الفعالة ألغيت.

سادسا، الأحزاب السياسية ودورها في تأطير المواطن الشاب والطفل والمرأة غائبة. صراعها فقط على المقاعد الانتخابية والكراسي الوزارية، أما الشباب وتأطيره فهو بعيد عن اهتماماتها. وحتى الأحزاب التي تريد التأطير، وعلى قلتها، لا توفر لها الدولة أي دعم للقيام بمهامها الدستورية. الدعم موجه للانتخابات والتسيير، وغياب دعم التكوين، فغابت الجودة وحل محلها انعدام الثقة بين الفاعل السياسي الموسوم بأبشع الصفات وبين المواطن المشكك في كل شيء.

سابعًا، المناخ العام تسوده غياب الطمأنينة النفسية والأمل في الغد. صار الهاجس والتخوف من القوانين القادمة، كقانون التقاعد البعبع، الذي يذهب النوم من عيون الأجراء والموظفين، والقرارات الارتجالية وما سيأتي به الغد في ظل حكومة أرادت أن تسمي نفسها اجتماعية وحكومة الكفاءات، رغم أن الواقع يجعلها حكومة التراجعات وحكومة الشرارات والتشاؤمات.

طبعًا، ما وقع من هجرة جماعية كان له وقع سيء على صورة وطن يحاول تلميع صورته، وطن مستهدف وله قضايا مصيرية يتربص بنا الأعداء للبحث عن الهفوات. فالمغرب، يا سادة، يكافح من أجل بناء وطن كامل من طنجة إلى الكويرة بشرعية التاريخ وشرعية الواقع وشرعية الشعب والملك. أكيد أن ما وقع ليس هينًا ولا سهلًا، لكن لو أردنا الإصلاح لأمكننا ذلك. فقط نحتاج لمسؤولين لهم من الوطنية الكثير، مسؤولين عشقهم الوطن وحبهم لشعبه وشغفهم بنصرة فقرائه ومهمشيه، مسؤولين همهم كرامة الشعب وصيانتها وتطبيق روح القانون. مسؤولون يؤمنون بشعار الله فلا يخالفوا ما أمرنا به، فيعملوا بصدق وأمانة ونكران الذات، ولا يخونون ولا يتهاونون عن نصرة الوطن والدفاع عن وحدته، وعن الولاء والبيعة للملك، فيولون له الولاء والبيعة ويتبعون أوامره ويطبقون تعليماته التي نراها في خطبه الصادقة التي تحمل توجيهات لو طبقت لما وجدنا شبابنا يختارون الموت على الوطن.

الوضع يعرف احتقان اجتماعي يحتاج من صناع القرار في الدولة التفاعل مع هذا المعطي لأن الحكومة عاجزة وتغطي الشمس بالغربال عن الحقائق التي يكابدها المواطنين .