تسبح عيناها في بحر من الدمع أبى أن يفيض على خديها. وراء مقلتيها تكبر جبال من الحزن. وجهها الناعم نبع الكرم والعزة. ملامحها الممشوجة بالألم، لم يقهرها غدر الزمان. تمشي فوق سطح مشقوق آيل للسقوط ولا تبالي. ترحب بضيفها وتطلعه على عالمها الذي تغشاه الوحدة والغياب. لا أحد لها في الوجود. لا زوج يعليها، لا أخ يعضدها، لا أخت تواسيها. ما أقسى هذا العالم!
حينما همّ ضيفها بالمغادرة، خاطبته بفطرة الأطفال: "قل لي، كيف أبعث لك بقليل من الزعفران"؟
أيعيش مثل هؤلاء البشر بيننا؟ في عز المأساة، لم تنس إكرام الضيف. هي المحتاجة، غلبتها عزة نفسها، فالعطاء أسمى من مد اليد والتذلل.
تذكرت بيتا من الشعر لسيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقارن فيه بين غني النفس وغني المال، حينما قال:
يعزّ غني النفس إن قلّ مالُه
ويغنى غني المال وهو ذليل
ما أعظمكم يا أهلنا في أطلس العزة والنبل!