فن وإعلام

معالم كبرى قد تعزز الثقافة بطنجة وبمدن أخرى… والباقي مسؤولية مدبري الشأن العام ببلادنا

إدريس الأندلسي

كان حلم كثير من المثقفين، و مبدعي المسرح و الموسيقي أن يتمكنوا من عرض انتاجاتهم على مسارح، و في قاعات عروض، و في فضاءات قد تتسع لأكبر معارض الكتاب عبر تراب المملكة المغربية. و من غرائب الصدف ذات البعد المكاني في زمن تراجع الإبداع بفعل " فاعلين" من ذوي القرار، أصبحت المسارح جاهزة، و أماكن العروض الفنية متعددة، و ضعفت قدرة صمود أهل الفن و الثقافة على مواجهة من حاربوا الثقافة و الفن منذ سنين. كانت الإنتاجات كثيرة خلال قمة عطاء " مسرح الهواة" ، الذي كانت تشرف عليه وزارة الشبيبة و الرياضة خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين. كان التلاميذ يحجون بالمئات إلى القاعات السينمائية و قاعات دور الشباب لتتبع مسرحيات يؤديها شباب بحرفية عالية. و لم تخلو هذه العروض من جمالية في تناول موضوعات سياسية و إجتماعية بكثير من النقد و التحليل. و لم تخلو التظاهرات الثقافية من آثار على المس بحرية المبدعين من التلاميذ و الطلبة بسبب نص، و سيناريو، و أداء دور في مسرحية.

و اختلفت أمور الثقافة في وقتنا الحالي. لم يعد هناك خصاص في قاعات العروض. تكاد كل جهات المغرب أن تتوفر على مسارح و مركبات ثقافية. و أصبح الأهم هو خلق العرض الفني و الثقافي. و ما يهم الآن هو التعريف بالبنيات الثقافية التي تم إنجازها في بلادنا بكل حرفية. و الأمر يتعلق في هذا المقال بما اكتشفته في طنجة من إنجاز يتضمن التقدم في إعادة الحياة لمسرح " سيرفانتيس " الذي يبلغ من العمر أكثر من قرن ، و يتعلق الاكتشاف الثاني بإنجاز كل الأعمال المتعلقة " بحلبة مصارعة التيران" التي يعرفها أهل طنجة " ببلاصا طورو . زرت أكبر معلمة في طنجة تتسع لاستقبال أكبر المعارض الثقافية و التجارية بشمال المغرب. تأكدت بأن طنجة يمكن أن تستقبل أكبر التظاهرات التجارية و الثقافية في مركزها الجديد الذي كان مركزا تجاريا للخضروات و الفواكه . تعتبر هذه المعالم مكملة لما تم إنجازه في إطار المشروع الملكي لإعادة هيكلة المدن المغربية ذات التاريخ الموغل في القدم. تم تكليف وكالة تنمية لأقاليم الشمال بتنفيذ مشاريع كثير من مدن الشمال، مثل تطوان و الحسيمة و شفشاون و طنجة، و كانت النتائج في مطابقة للتوجيهات الملكية على مدى سنوات من متابعة إنجاز المشاريع.

زرت مسرح سيرفانتيس التاريخي، و رأيت ما تم إنجازه في وقت وجيز. و لكن إصرار وكالة تنمية اقاليم الشمال على أن يتم التنفيذ على أن إعادة الحياة إلى هذه المعلمة الفنية تتطلب اعمالا فنية تطابق ما كان عليه هذا المسرح قبل دخوله في مرحلة غياب طالت . و يظل مستوى الإنجاز مثيرا للاهتمام. و سيظل الإصرار على إعادة الروح إلى كافة اللوحات الفنية التي توجد في سقف المسرح، و في كواليسه و خشبته ورشا مفتوحا لإعادة رونق جماله الذي هام به فنانون عالميون قبل عقود من الزمن. و من جميل الصدف اقتران هذا الورش الثقافي مع إعادة هيكلة " سوق الشجرة" القريب من مسرح ذو تاريخ ، و تحويل الفضاء المحيط به إلى مجمع تجاري عصري ، و مستودع للسيارات و حدائق في قلب الأحياء العتيقة لطنجة.

و سيظل السؤال، بعد هذه الإنجازات، هو كيفية تدبير البنيات التي أصبحت واقعا يؤشر على وجود بنيات تحتاج إلى مبدعين و مدبرين للشأن الثقافي المحلي و الوطني. سيظل هذا السؤال مركزيا و محرجا للحكومة و لكافة القيادات السياسية محليا و وطنيا. سيظل غياب تشغيل مسرحين كبيرين في الرباط و الدار البيضاء محرجا لنا جميعا بعد أن كنا نشتكي من غياب المسارح. نعم يجب أن نستمر في بناء كل مكان يستوعب مبدعي الثقافة، و لكن الضرورة، في الوقت الراهن، تفرض أن نهتم جميعا بدعم الإبداع في كل المجالات. لقد أصبحت واجهة المسرح الملكي بمراكش صورة تقابل محطة القطار الجميلة. و لكن هذا المسرح الذي بني قبل ثلاثة عقود ، و لا زال يشكو من تشوهات فنية و معمارية، و أخطاء في تتبع الإنجاز منذ زمن طال ، و كرس غياب كفاءة المجالس البلدية التي لا زالت تتوالى، بضعف، على القرار في مراكش .و لا زال الأمر على ما هو عليه. و لهذا لا يجب أن يظل مستوى إنجاز ما تم بطنجة حبيس ملفات تخضع لمقاييس لا علاقة لها بالتنمية الثقافية. و لا زال الإستثمار في الحقل الثقافي ضروريا ما دام يربط بين المكان و بين الإنسان. المكان ضروري لاحتضان التعبير ، و الإنسان سيظل هو منبع خلق المسرحية، و صنع و توزيع موسيقى الأغنية ، و رسم اللوحة بكل ألوان الحياة. و المكان يكتسب روحه بفعل ذلك الذي يحمل فكرا يتسع لحمل مشاريع اقتصادية و ثقافية. و لا يتمنى المواطنون المغاربة سوى تجدد النخب المسيرة للشأن العام على أسس الولاء للوطن، و التسلح بالكفاءة و تملك فكر ذو أبعاد إستراتيجية.