لم يكن الوزير الجزائري الراحل، أحمد طالب الابراهيمي، صقرا عنيدا بخصوص العلاقات بين بلاده و المغرب، وخاصة فيما يتعلق بنزاع الصحراء، لكن اعتداله ولباقته، وعدم تنكره لما قدمه المغرب لبلده، أيام الكفاح المسلح؛ لم يذهب به بعيدا عن توجهات العسكر؛ وظل على مسافة حذرة من الذين توالوا على السلطة بعد رحيل "بومدين" الذي كان يكن تقديرا للابراهيمي، دون أن يأخذ برأيه دائما في كل القضايا.
وكان بإمكان الوزير الراحل، بحكم ماضيه الوطني وثقافته وانتسابه إلى العالم الفقيه: البشير الابراهيم؛ أن يسدي النصيحة الصريحة للعسكريين والمدنيين على السواء، بحكم دوره الوطني وقامته الفكرية، لكنه لم يجرؤ، على مواجهتهم ونقدهم علانية، فاستغلوا حياده السلبي، مستمرين في مناكفة الرباط، حتى ضعف وتوارى صوته في غضون السنوات الأخيرة، بالنظر إلى التقدم في السن واستمرار تصلب الجنرالات في مواقعهم ومواقفهم. وبالتالي يمكن القول إن "الطالب" لم يرفع في وجههم سلاحه الفكري، كمثقف، وماضيه الوطني، كمحارب سياسي وازن، تقلد مناصب وزارية رفيعة في الدولة المستقلة أهمها الخارجية، فضلا عن كونه طبيبا أسعف المقاتلين ضد فرنسا.
ولما خيل إليه، أن ينال نصيبه من مجد السلطة، أقدم أواخر التسعينيات على الترشح لرئاسة الجمهورية ليجد نفسه أعزل، بدون سند، إلا من أوفياء قليلين، وربما كانوا في وضع اسوأ منه، فآثر الابتعاد.
لقد منعه كبرياء المثقف أن يكون أداة طيعة في يد العسكر، ولم تكن له الوسيلة والقدرة على الانخراط في براثين الصراع ضد قوى لا ترحم، مفضلا هجر السياسة إلى أن لقي ربه.
لم ينل الراحل ما يستحقه لقاء كفاحه وإخلاصه، كان اسما معروفا يشار إليه خلال خمسينات القرن الماضي، في القاهرة ، باريس. تونس والرباط، التي آوته وعولج فيها من آثار السجن، وفيها لقي الحفاوة دون أن يتمكن من رد الجميل.
رحل الإبراهيمي بعد ان أمد الله في عمره 93 سنة. لم ينل كل ما استحقه، أسلم الروح وكأنه يردد: يضيع الحق ولو كان وراءه طالب.
رحمه الله.






