يُرمي الحكم الذاتي، وهو شكل من أشكال تقرير المصير، وفقًا للخبير السياسي عبد الفاضل قنيدل (1)، في النموذج المغربي، إلى تحقيق هدف الحفاظ على الوحدة الترابية للمملكة، وفي الوقت نفسه، تحقيق وإرساء دمقرطة المجتمع المغربي في العمق من خلال المشروع الكبير للجهوية المتقدمة.
لا يُمكن تصوّر الحكم الذاتي، في هذه الحالة ، كما هو الحال في دول أخرى، لا سيما إسبانيا، إلا في ظل سيادة المملكة المغربية، التي، من خلال منح السكان المحليين فرصة إدارة شؤونهم بأنفسهم في مجالات متعددة، تحتفظ بصلاحياتها السيادية على الإقليم، بما في ذلك الأمن والدفاع والدبلوماسية والدين والاتصالات، إلخ.
كما أنه تم اعتماد الحكم الذاتي كشكل من أشكال تقرير المصير في عدة حالات (إسبانيا، الدول الاسكندينافية، بريطانيا العظمى)، لمواجهة تفكك الدول أو نشوء إنشاء دويلات صغيرة الحجم تكون معرضة، لهذا السبب ، لمشاكل جسيمة، لاسيما هشاشتها في مواجهة الكوارث الطبيعية وتبعيتها الاقتصادية والجيوسياسية.
بحسب الدكتور عبد الفاضل قنيدل، شهد مبدأ تقرير المصير تطورًا عميقا منذ انهيار الكتلة الشرقية، إذ أصبح شكلًا من أشكال التعبير الديمقراطي الداخلي للدول. بمعنى آخر، يُمارس تقرير المصير داخل الدول، لا خارجها. والهدف هو منع تفكك الدول والحفاظ على وحدة أراضيها وهي مدعوة الآن إلى تعزيز جهوية أكثر تطورًا، تراعي خصوصيات كل منطقة.
اختار المغرب هذا الحل الوسط لإنهاء الصراع الذي اختلقه "أشقاؤنا" الجزائريون منذ خمسين عامًا، والذين ما زالوا يرفضون العرض المغربي بعناد، رغم اعتماده من قبل ثلاث دول أعضاء في مجلس الأمن ونحو 117 دولة عضو في الأمم المتحدة.
نعلم جميعًا هنا في المغرب، ويعترف بذلك سرًا عدد من كبار المسؤولين في الدولة الجزائرية، أن صراع الصحراء ما كان ليوجد لولا التدخل غير المناسب والغير العقلاني ، والذي كانت له عواقب وخيمة غير محسوبة على هذا البلد المجاور، الذي سقط في الإفلاس ، رغم موارده الطبيعية الهائلة.
إذا كان المغرب يتواجد على أرض الصحراء وقضيته تكسب مساندة متزايدة على الصعيد الدبلوماسي، فإن الجزائر، من خلال هدر 500 مليار دولار في هذه القضية، تخلفت عن ركب التطور وتدهورت أوضاعها في نهاية المطاف ، حتى أصبح الشعب يصطف في طوابير طويلة للحصول على قنينة الزيت أو أكياس العدس أو علب الحليب المجفف أو حتى أغنام العيد المدعومة المستوردة من رومانيا. إذا كانت هناك معجزة وانبعث الشهداء من جديد فسوف يمنعون الطبقة الحاكمة من الإدعاء بالانتساب لثورة نونبر 1954 بسبب الحالة الكارثية والمتداعية لبلدهم. لقد تم استثمار جميع إمكانات الجزائر من أجل منع المغرب من التقدم والمضي قدمًا، وفقًا لرئيس حكومة جزائري سابق عند مثوله أمام المحكمة بتهمة اختلاس الممتلكات العامة. وقد تلقى تعليمات من بوتفليقة ببذل كل ما في وسعه حتى لا يتحقق مصنع رونو في طنجة على الأرض . كان حكام الجزائر يرهقون عقولهم، ليس من أجل تنمية بلادهم، بل من أجل تعطيل تقدم جيرانهم!
يأمل الجزائريون، وخاصةً النخب الغارقة في الدعاية، بمن فيهم بعض المثقفين في المنفى، أن تبقى قضية الصحراء معلقة إلى سنة 2030 أو ما بعد. وبالنظر إلى السرعة التي تسير عليها الأمور، ، فإن هناك ما يدعو للاعتقاد، على العكس من ذلك، بأن اجتماع مجلس الأمن القادم، في أكتوبر ، سيكون حاسمًا.
ولا تزال وزارة الخارجية الجزائرية تأمل في أن تواصل لندن، التي لم "تعترف" ، حسب ادعاءاتها، رسميًا بالسيادة المغربية على المنطقة، دعم الشرعية الدولية. فماذا يعني إذن الحكم الذاتي في الصحراء بالنسبة للندن، إن لم تكن هذه المنطقة تحت السيادة المغربية ؟
لحد الآن ، لم تفسر الجزائر تصورها لموقف لندن المساند للحكم الذاتي، والذي لا يعني ،حسب اجتهادها وفهمها، الاعتراف بالسيادة المغربية على الإقليم.
إننا نستغرب هذه القراءة المتحيزة والخاطئة لتصريحات الوزير البريطاني في الرباط، وتصريحات الحكومة الإسبانية سابقًا إذ أخبرنا تبون، مما أثار دهشة الإسبان انفسهم، أن مدريد قد سحبت دعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي.
هل ستأخذ الجزائر وقفة تأمل، التي أصبحت ضرورية اليوم ، لإعادة تقييم سياستها الخارجية وموقفها، في وقت تستعد فيه ثلاثة دول أعضاء في مجلس الأمن على تأسيس جبهة موحدة لدعم المبادرة المغربية ؟ أم ستتمسك الجزائر، كعادتها، بمواقفها التي تعود إلى قرن مضى (1975)، آملة أن تحرك جمعيات المجتمع المدني الإسباني وبعض دول الشمال الأوروبي ستغير مسار القضية ؟
1. مؤلف كتاب "مقترح الحكم الذاتي: شكل من أشكال تقرير المصير". دار الرسالة، الرباط، 132 صفحة. النسخة العربية. 2011.