تحليل

فقه واقع الأسرة المغربية بين العقل الفقهي المنضبط وبين الاعتلال الأيديولوجي

يوسف حميتو (باحث في الدراسات الإسلامية)

التيارات المحافظة: إشكالية الجمود والتأطير الأحادي

تتعامل التيارات المحافظة مع قضايا الأسرة من منطلق الثبات المطلق للأحكام الشرعية المتعلقة بها، مما يؤدي إلى تبني مقاربات دفاعية تجاه أي محاولات للنقاش أو التجديد. يتمثل ذلك في اعتبار كل مبادرة لإعادة النظر في الأحكام المتعلقة بالزواج أو الطلاق أو أدوار الجنسين تهديدًا للثوابت الدينية. هذه المقاربة تعتمد أحيانا على قراءة انتقائية للنصوص الشرعية، حيث يتم تجاهل السياقات التاريخية والاجتماعية التي أثرت على الاجتهادات السابقة، وأحيانا تعتمد على انفعالات وجدانية غير واقعية إن لم نقل غير ضرورية، وهو ما يؤدي إلى انفصال بين الواقع ومتطلبات الخطاب الفقهي، مما يضعف القدرة على التفاعل مع التحولات الاجتماعية مثل زيادة نسب التعليم والعمل لدى النساء، وتغير مفهوم الأسرة الممتدة إلى النووية، وكذلك يعزز حالة من الجمود المجتمعي، حيث يصبح الالتزام الجاف بالنصوص على حساب البحث عن حلول عملية لمشكلات معاصرة مثل ارتفاع معدلات الطلاق، أو تأخر سن الزواج.، ما قد يولد مشاعر التذمر أو النفور لدى الأجيال الشابة التي تبحث عن فهم ديني أكثر اتساعًا وشمولاً.

التيارات الحداثية: فخ التفكيك والفردانية

على الجانب الآخر، تتبنى التيارات الحداثية توجهات تهدف إلى إعادة تعريف الأسرة استنادًا إلى معايير الحداثة الغربية التي تُركز على الفردانية المطلقة. تعتبر هذه التيارات أي قيود تُفرض باسم الدين والفقه أو القيم المجتمعية قمعًا لحرية الفرد، مما يؤدي إلى تصادم مع القيم الثقافية المغربية. هذه التيارات تُغفل الطبيعة التكاملية للأسرة، وتُقدم تصورًا يعتمد على تحرير الأفراد من أي التزام جماعي. يخلق هذا التوجه انفصالًا بين الحرية الفردية والمسؤولية الاجتماعية، ويؤدي إلى تآكل الروابط الأسرية والمجتمعية، كما يؤدي هذا التفكيك إلى ظهور نماذج جديدة للأسرة تتعارض مع التقاليد المغربية، مثل العلاقات غير الموثقة، أو الأسر التي تفتقر إلى دور واضح للأب أو الأم. هذه النماذج قد تُضعف الانسجام الاجتماعي وتؤثر سلبًا على استقرار النسيج الثقافي والقيمي.

بين المحافظين والحداثيين: الحاجة إلى منهج وسطي

إن التحدي الحقيقي لا يكمن في الانحياز لطرف دون الآخر، بل في بناء نموذج وسطي يجمع بين مرونة الاجتهاد الفقهي ومراعاة القيم والخصوصيات العقدية والمذهبية، والسياسية، والاجتماعية، والثقافية. هذا النموذج يتطلب دراسة قضايا الأسرة ضمن سياقها الاجتماعي والاقتصادي المعاصر، مع استحضار المقاصد الشرعية التي تهدف إلى تحقيق العدل والاستقرار.

إن على الخطاب الحداثي باعتباره جزءا من الواقع، أن يركز على الجمع بين حرية الأفراد والمسؤولية تجاه الأسرة والمجتمع، بحيث تكون الحرية وسيلة لتقوية الروابط الاجتماعية وليس لتفكيكها، فالمجتمع المغربي يحتاج إلى خطاب ثقافي جديد يُعيد تعريف دور الأسرة بما يحافظ على هويتها، ويعترف في الوقت ذاته بالتغيرات الحديثة. هذا الإصلاح يمكن أن يكون أداة لتحقيق التوازن بين الطرفين يقوم على ثبات الاجتماع على الإسلام، والوطن وعلى المذهب المالكي، وعلى الملكية، وعلى الأسرة، باعتبارها أمورا لا تقبل ولا تصلح أن تكون عليها أو حولها مزايدات من أي نوع.

الحكومة خادمة لا متحكمة

على الجميع أن يفهم أن وصولهم إلى السلطتين التشريعية والتنفيذية هو أمر مرتبط بمؤسستين: مؤسسة المجتمع الناخب، ومؤسسة الملكية باعتبارها أولا جزءا من هذا المجتمع، وثانيا باعتبارها خادمة له وساهرة على وحدته ومقدساته، ورمزا لوحدة مكوناته العرقية واللغوية.

نعترف بأن الدولة تعيش تحت ظل السيادة المنقوصة، أي: إن الدولة بمفهومها وصورتها وعلاقاتها الدولية ترتبط بالمؤسسات والمنظمات الدولية، وتوقع على اتفاقيات قد تتصادم مع القوانين المحلية بل ومع الدستور نفسه أعلى قانون مؤطر للدولة، هي إكراهات لا بد من التعامل معها بمنطق الواقع، لكن أيضا على أي وزير أو برلماني أن يعلم أن توكيله من الشعب ليس مطلقا، بل هو توكيل تنطبق عليه جملة وتفصيلا القاعدة الفقهية والقانونية التي تقول: الوكالة إذا طالت قصرت، وإذا قصرت طالت، وتوكيل الشعب له ضمنا هو وكالة مقصورة وإن لم يصرح بها، مقصورة على أن تحفظ سيادته، وهويته، وكرامته، وحضارته، وإرثه، وعلى تحديثه وعصرنته، لكنها لا تتعدى أبدا إلى أن تغير تركيبته، لا تتعدى أبدا إلى ينظر وزير إلى نفسه باعتبار منصبه أنه متحكم، مهما كانت إمكانياته في معرفة لون الجوارب التي يلبسها المواطن المغربي.