(تأمّلوا مليّا في الفقرة ما قبل الأخيرة من هذا المقال)
حسب آخر تقرير لوزارة الاقتصاد والمالية حول الدين العمومي، فإن حجم الدين الخارجي العمومي ارتفع بـ 151 مليار درهم، أي %3,6 في متم سنة 2023، ليصل إلى 438,8 مليار درهم (43,879 مليار دولار).. وحسب التقرير المرفق لمشروع قانون المالية برسم 2025، فإن دفعات أصل الدين الخارجي العمومي بلغت ما يقارب 24,5 مليار درهم في متم سنة 2023... هذا دون الحديث عن الدين الداخلي.
إن المشكل الكبير الذي يعاني منه الاقتصاد المغربي، بالإضافة إلى نهب المال العام والتهرُّب الضريبي وتهريب الأموال وسوء التسيير والتدبير وغياب ربط المسؤولية بالمحاسبة، هو غياب الإرادة لإيجاد بدائل لتقليل الاعتماد على القروض وتحقيق التوازن المالي.. ولعل من ابرز واهم هذه البدائل هو الإصلاح الضريبي الذي لا يمكنه ان يكون ناجعا بدون إصلاح سياسي حقيقي.
للأسف الشديد، اختار المغرب منذ عقود الحل الأسهل لتغطية احتياجاته المالية، ألا وهو الاقتراض عوض الإصلاح الضريبي الذي ربما لا يخدم مصالح الطبقة البورجوازية وذوي السلطة والمال.. وللأسف كذلك ان القروض تُستخدم في الغالب لتمويل إنفاق ومشاريع غير منتجة.
ربما تغيب عنا، ونحن لسنا من ذوي الاختصاص، معلومات ومعطيات تتعلق بإعداد الميزانية العامة وتدبيرها وتأثير ارتفاع المديونية على تحقيق التوازن المالي، لذلك نتساءل :
هل ستستمر الحكومة على نفس النهج، الذي لا يمكنه إلا أن يؤدي إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، ويهدد سيادة الاقتصاد المغربي واستقراره ؟
نطرح هذا السؤال بعد أن صادق مجلس النواب، بالأغلبية، على مشروع قانون المالية لسنة 2025 (الميزانية العامة برسم 2025 تقدر ب 72.1 مليار دولار فقط)، وهو مشروع عنوانه العريض هو المزيد من التقشف والاقتراض، في الوقت الذي يُتداول فيه بعض الأرقام الفلكية، منها ما يتعلق بالمشاريع الطموحة لتعزيز وتطوير البنية التحتية الرياضية والطرقية والسككية استعدادا لاستضافة كأس العالم 2030، ومنها ما يهم الصفقات العسكرية، نذكر منها على سبيل المثال :
الصفقة الأولى : حسب موقع الدفاع العربي، فإن المغرب سيحصل رسميًا على نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي “باراك إم إكس” (Barak MX) المضاد للصواريخ الباليستية والطائرات، بقيمة تبلغ 500 مليون دولار.
وبالإضافة إلى اقتناء النظام، يتضمن الاتفاق نقلا للمعرفة وتدريبًا مكثفًا للكوادر المغربية، لضمان استقلالية كاملة في استخدام وصيانة هذا النظام.
الصفقة الثانية : أوردت صحيفة "لاراثون" الإسبانية نقلا عن وسائل إعلام عبرية، أن الرباط أبدت اهتمامها بشراء طائرات "إف 35"، الطائرة المقاتلة التي تُعتبر الأكثر تقدمًا في العالم، بعد ان حصل المغرب على الضوء الأخضر من تل أبيب والولايات المتحدة الأمريكية لاقتناء 32 طائرة بتكلفة قد تصل إلى 17 مليار دولار.
وقالت كيرستن جيليبراند، عضو مجلس الشيوخ الأمريكي عن الحزب الديمقراطي، في تصريح لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، إن على الولايات المتحدة الأمريكية أن تحث الدول العربية التي وقعت اتفاقيات دبلوماسية مع إسرائيل على الاستثمار في المشاريع الإنسانية لفائدة الفلسطينيين، مقابل بيعها طائرات "إف 35" وغيرها من التقنيات العسكرية.
صحيح ان المغرب بحاجة إلى تعزيز وتطوير البنية التحتية الرياضية والطرقية والسككية، وبحاجة إلى تقوية قوته العسكرية وحماية حدوده وأراضيه ووو... هذا لا نقاش فيه. ما نطمح إليه ونناضل من أجله هو مغرب ديمقراطي متقدم واقتصاد قوي. وهذا لن يتأتى إلا عبر إصلاحات دستورية حقيقية، من مداخلها فصل السلط والقطع مع زواح المال والسلطة وإصلاح ضريبي شامل وربط المسؤولية بالمحاسبة.