تحليل

رئيس الحكومة و الخلط بين مفهوم السياسة العامة والسياسات العمومية

كمال الهشومي ( أستاذ جامعي)

أعتقد شيء جيد أن يتفق مكتب مجلس النواب ورئيس الحكومة على تخصيص موضوع المساءلة الشهرية حول:

“البنيات التحتية الأساسية رافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية”،

تطبيقًا لأحكام الفقرة الثالثة من الفصل 100 من الدستور، ومقتضيات النظام الداخلي، بخصوص الأسئلة الشفهية الشهرية الموجهة إلى رئيس الحكومة حول السياسة العامة.

فهذا الموضوع يعد مهمًا وذا أهمية خاصة بالنظر إلى ما هو مقبل عليه المغرب من مشاريع ضخمة مهيكلة، وما يتطلبه ذلك من تجاوب مع الاستحقاقات المستقبلية.

ما يثير الانتباه في رد رئيس الحكومة عند مساءلته من طرف المعارضة، استنادًا إلى الأدوار التي يضمنها لهم الدستور، هو طرحهم لنماذج من الإقصاء الاجتماعي والتهميش، مع الإتيان بأمثلة حقيقية وملحوظة في مختلف المجالات، والتي يعود أساسها إلى غياب البنيات التحتية الأساسية، خاصة تعبيد الطرق في الجبال والقرى النائية بعيدًا عن محور التنمية، بالإضافة إلى غياب مرافق عمومية كالمستشفيات والمؤسسات التعليمية، التي تقع على عاتق الدولة مسؤولية إنشائها وتدبيرها وتطويرها.

في المقابل، يرد  رئيس الحكومة على هذه الانتقادات بوصفها “خطاب تيئيس” و”محاولة للطعن في مصداقية البلد”، معتبرًا ذلك ضربًا في إنجازات الدولة ومؤشرًا على غياب الروح الوطنية. رابطا ما قدمه هو باسم الدولة والسياسة العامة وأنه أمر مطلق ولا يجب انتقاده وهو ما يتضح من جوابه هذا. والحال أن المعارضة تمارس دورها الدستوري.

يبدو أن هناك خلطًا واضحًا لدى  رئيس الحكومة بين مفهوم السياسة العامة والسياسات العمومية، فالسياسة العامة السيد الرئيس هي تُعبر عن الرؤية الاستراتيجية للدولة، وتشكل إطارًا مرجعيًا يتم في ظله وضع السياسات العمومية.أما السياسات العمومية، التي هي اختصاص أصيل للحكومة فهي أدوات تنفيذية تُترجم هذه التوجهات إلى مشاريع وبرامج ملموسة على أرض الواقع.

من جهة أخرى، أعتقد أنه ينبغي على رئيس الحكومة أن يفرق بين الدولة والحكومة على المستوى السياسي؛ فالدولة تمثل الكيان الدائم والمؤسسات السيادية، ويجسدها الملك باعتباره رمز الوحدة والسيادة. أما الحكومة، فهي جهاز تنفيذي متغير مكلف بتسيير الشأن العام وتنفيذ سياسات الدولة في إطار توجيهات الملك وأحكام الدستور.

هذا التمييز يعكس الخصوصية المغربية، حيث تلعب الملكية دورًا محوريًا في ضمان استمرارية الدولة واستقرارها، في حين تعمل الحكومة على إدارة الشؤون اليومية بناءً على انتخابات دورية.

أي أن نقد المعارضة موجه للسياسات العمومية باعتبارها ترجمة للبرنامج الحكومي الذي على أساسه بُنيت شرعية الحكومة، التي تسعى إلى تحقيق المزيد من المشروعية إلى جانب شرعيتها الانتخابية. وليس انتقاد المشاريع المرتبطة بالرؤية الملكية التي تُعد المنبع الأصيل لهذه السياسات العمومية.

والحال أن مساءلة الحكومة هي في العمق تنطلق من إشكالية تنزيل السياسات العمومية في ظل الرؤية الاستراتيجية للدولة.