رأي

زكية لعروسي: مغاربة المهجر أينما حلوا شرفوا

حيثما حلّ المغاربة، حلّ معهم المجد، وحملوا معهم عبق الوطن وجلاله، وكانوا سفراء للكرامة والعروبة. إن جذورهم ثابتة في أرض الوطن، وثمارهم يانعة في كل بقاع العالم، يؤكدون مقولة أجدادنا: “المغربي كالشجرة الطيبة، ما تطرح غي الخير”

في أمسية ثقافية فريدة، جمعت تحت سماء الإبداع شعراء المهجر، كان المشهد بمثابة مرآة عكست، ورسمت ملامح الهوية العربية، بألوان من فلسطين الجريحة، وغزة الصمود، ولبنان الكرامة. ووسط حضور مهيب لأبناء الجاليات ونخب الفكر، تألق المغاربة بأصواتهم التي نسجت حكايات التاريخ والمستقبل والشخصية الوطنية.

في مشهد أدبي فريد، تسامت الكلمة لتصبح راية تجسد قوة البلاغة ونبض العروبة، حيث اجتمع الفكر والشعر ليضيئا فضاء الأدب بوهج الحروف وجمال الإبداع. كان الشاعر اليمني وسفير اليونيسكو، محمد جميح، نجمًا في هذا المشهد، بسطوع كلماته التي تجسد روح العروبة وهمّة الأمة. إلى جانبه، أطلق الأستاذ كاظم عاصي، رئيس شعراء المهجر، والشاعر الجزائري أحمد أمين، العنان لإبداعاتهما التي جسدت مشهداً لأمة لا تعرف الانكسار، فيما جاءت أبيات المهندس والشاعر حميد الطاهير كنبض حي لعروبة متقدة تحدت الصمت، ونسجت جبة الانتماء.

وفي جانب آخر من هذه اللوحة الشعرية الرائعة، تألق المهندس المغربي علاء فجري بصوته الذي تخطى حدود اللهجات، وجاء كملحمة شعرية استلهمت من عزّة غزة وشموخ لبنان، وتزينت بروح مغربية أصيلة مازجاً عبير العروبة برائحة أرض المغرب. كانت أغانيه أشبه بنسيم عذب تسلل إلى أعماق القلوب، ليخلق لحظة فريدة من التوحد والاعتزاز. بذلك، تحول الحفل إلى سيمفونية أمل، تجسد فيها حب العروبة، وذابت فيها المسافات لتتوحد المشاعر.

لم تكن الأمسية مجرد لحظة شعرية عابرة، أو احتفاء بالكلمة والموسيقى، بل كانت شاهداً على حضور المغرب في كل زاوايا القاعة، ورفعاً لرايته في قلوب كل الحاضرين. فالمغاربة، مهما باعدت بينهم المسافات، يحملون الوطن في قلوبهم. مغربيتهم ليست فقط جنسية، بل هي هوية وشخصية حاضرة أينما ولّوا وجوههم، وتجسيد للمثل المغربي: “المغربي ما يخلف وعد، ولا تُكسر ليه راية.”

وفي لحظة تأمل عميقة، ووهج فخر بعروبتي، و”وْلادْ بْلادي” كنت اريد ان اصرخ :

“أنا عربية الجذور، فلسطينية الروح، ولبنانية الكرامة، لكن قبل كل ذلك، أنا مغربية. أنتمي لوطن لا تنطفئ جذوته، وأحمل في نبضي كبرياء الراية الحمراء والنجمة الخضراء. أبناء المغرب في المهجر ليسوا مجرد جالية، بل هم سفراء الهوية العربية، ونجوم الشخصية الوطنية المغربية. هم حماة التراث الفني والادبي بالغرب، وعنوان لوطن لا يعرف الانكسار. ولا تهز هويته العواصف من اي جهة اتت ومتى حلت.”

ولهذا بصوت مغربي شامخ بالإيمان وثقة لا تهتز، أقول لمسؤولينا داخل وطننا العزيز، وخارجه: “تحمّلوا الأمانة إذا أُودِعَت إليكم بما يليق بكم وبوطنكم العزيز، التزامًا بخطاب جلالة الملك محمد السادس، نصره الله وأيده، داعين الله أن يثبت دعائم عرشه المكين بسمو ولي عهده الأمير مولاي الحسن، وبوفاء شعبه الأبي. ففي خطابه الأخير، وضع جلالته النقاط على الحروف، وبيّن لنا السبيل برؤيته الثاقبة. فالوطن قائم بابنائه “ديال الداخل والخارج، والثابت ما تفرطوا فيه، والمتحول ما تتركوه حتى يذبال ويحول.”

ثوابتنا هي الحصن المنيع الذي يحمي كياننا، والبوصلة التي ترشد خطانا في خضم التغيرات والتحولات. التفريط في هذه الثوابت لا يعني مجرد التخلي عن قيم، بل هو تخاذل عن أداء أمانة الوطن. إن مواجهة تحديات التحول بتهاون لا تضيع الفرص فحسب، بل تقضي على أحلام أجيالنا المقبلة.

واجبنا أن نكون حراسًا أمناء لإرثنا وهويتنا، وأن لا نسمح للوهن بأن ينال من عزيمتنا، سواء داخل الوطن أو خارجه. يجب أن نعمل بلا هوادة على صقل حاضرنا وبناء مستقبلنا بأيدينا، ومن داخل كياننا الممتد عبر العالم.

هذا الوطن الغالي، كما أكد جلالة الملك، يقوم على أسس راسخة يجب أن نصونها. وأبناء المهجر “هم من يعمرون جنبات مغربنا”، لا ينبغي أن يُتركوا للضياع أو الإهمال. التهاون في دعمهم تفريط في ركائز قوتنا وامتدادنا. فلنكن أوفياء للوطن، ولنبنِ مستقبله معًا بإرادة لا تلين.