فن وإعلام

نقد نقد النص وتحليل في نص الناقد سعيد فرحاوي

حميد بركي

 

النص الذي نقده سعيد فرحاوي للنص السردي لبديعة الراضي يعرض مفاهيم معقدة حول تطور وتحوّل السارد والمسرود له، بالإضافة إلى التفكيك الرمزي للعلاقات السردية، في محاولة لخرق الميثاق السردي التقليدي. هذا النقد يعكس عناية دقيقة في تتبع التحولات داخل النص.

النقد:

تفكيك الرموز السردية:

فرحاوي يبدأ بتفكيك العبارة "ونوضو تكعدو وقتكم سلات" ويحاول استخراج أبعادها المتعددة. ينظر إليها كعلامة ذات أبعاد فلسفية معقدة تشير إلى وقت منتهي، أي لحظة انهيار أو تحوّل، مما يعكس تحوّلات في الوعي السردي. هذه العبارة تفتح بابًا لتفسير مختلف لحالة زمنية مكثفة، ولكن في نفس الوقت يمكن أن تكون لغزًا غامضًا يربك المتلقي.

 الذات الساردة ودورها:

يتناول الناقد فرحاوي مفهوم الذات الساردة ويشدد على تحول الساردة من كونها مجرد ناقلة للقصة إلى كونها فاعلة فعليّة تتجاوز حدود الحكي التقليدي. الساردة تصبح "صورة" تمثل المؤلف الضمني، وتكشف عن الدور الغامض للمؤلف الفعلي. هذا التحول يؤدي إلى نوع من التشويش أو الارتباك في العلاقة بين السارد والمسرود له، حيث تخرج الساردة عن الميثاق السردي التقليدي وتهدم الحدود التي تفصل بين السارد والمسرود له.

. إعادة تعريف الميثاق السردي:

النص يسلط الضوء على كيف أن الساردة تتجاوز التقاليد السردية التي تفترض وجود ميثاق سردي مشترك بين السارد والمسرود له. وفي هذا السياق، يُفهم النص على أنه محاولة لخلخلة الميثاق السردي، مما يخلق نوعًا من اللايقين والتشويش داخل بنية النص. وهذا يشير إلى بحث الساردة عن طرق جديدة لبناء علاقتها بالقارئ، دون التقيد بالقواعد التقليدية.

 الهدم وإعادة البناء:

تَعتبر الرواية بمثابة هدم للأطر السردية التقليدية، ومن ثم تأسيس رؤى جديدة ترتكز على فهم مختلف للغة والعلاقات بين عناصر النص. الفراغ الذي يتركه التخلي عن "المسرود له" يُفهم كعلامة على تحوّل كبير في بنية الخطاب السردي. هذا التحوّل يعكس العودة إلى البدايات، حيث لا يكون النص مجرد انعكاس لواقع معين، بل إعادة تشكيل للمعرفة والتمثيلات الاجتماعية.

التحليل الفلسفي:

من زاوية فلسفية، يمكن أن نطبق مفاهيم من فلسفة فوكو، خصوصًا نظرته حول "السلطة والمعرفة". في هذا السياق، يَظهر النص كمجال لتحرير الساردة من السلطة التقليدية للسارد. فوكو يشير إلى أن المعرفة تُنتج عبر شبكات السلطة، وفي هذه الرواية، يظهر السارد كعنصر فاعل يُعيد تشكيل معارفه وعلاقاته مع المتلقي بطريقة جديدة، مما يُمكن أن يُفهم على أنه تمرد على البنى السردية الموروثة.

من ناحية أخرى، يمكن الاستعانة بـ هيدغر لفهم كيفية تجاوز الساردة للعلاقات التقليدية في السرد، حيث أن الذات الساردة تعيد اكتشاف وجودها بشكل مختلف. هيدغر يؤكد على أن الفهم الفلسفي للوجود يتطلب الهدم المستمر للمفاهيم والحدود المألوفة. في هذا السياق، الرواية تكون بمثابة إعادة بناء للفهم السردي من خلال تجاوز الثوابت السردية المألوفة.

الخلاصة:

النقد الذي قدمه سعيد فرحاوي يفتح المجال أمام قراءة أعمق لرواية بديعة الراضي من خلال إعادة تحليل دور الساردة في النص، وتفكيك أبعادها الرمزية والفلسفية. هذه المقاربة النقدية تجعلنا نفهم كيف أن النص لا يقتصر فقط على نقل الحكاية بل على إعادة بناء العلاقات السردية وخلخلة القواعد التقليدية من خلال الهدم وإعادة البناء.

وعلى هذا لابد من قراءة في علاقة الحروف وبناء الجسر

في الأدب والفلسفة، إذ يمكننا أن نرى الحروف والجسر كرمزين يتداخلان في عدة مستويات. فالحروف هي اللبنات الأساسية التي تُبنى منها الكلمات والعبارات، بينما الجسر يمثل الرابط أو الصلة بين نقطتين، سواء كانت مادية أو معنوية. بناءً على ذلك، يمكن استكشاف العلاقة بين الحروف وبناء الجسر في سياقات متعددة، منها الأدبية والفلسفية.

الحروف كوحدات بنائية:

الحروف تشكل الأساس الذي تُبنى عليه الكلمات والنصوص. إذا كانت الحروف تمثل اللبنات الأولية للغة، فإنها تحمل بذور المعنى في تكوينها وتركيبتها. الحروف هي أشكال رمزية تترابط لتشكل البنية اللغوية التي تنقل الفكر والمشاعر. بهذا المعنى، يمكن اعتبار الحروف بمثابة العناصر التي يبنى منها "الجسر" بين المرسل والمستقبل، بين الفكرة والواقع.

الجسر كرمز للصلة:

الجسر ليس مجرد هيكل مادي يصل بين مكانين؛ إنه رمز للاتصال والتواصل بين ضفتين مختلفتين، يمكن أن تكونا زمانيتين أو مكانيّتين أو فكريّتين. في الأدب والفلسفة، يمكن اعتبار الجسر رمزًا للصلة بين المتكلم والمستمع، بين الفكرة والمفهوم. وبالطريقة نفسها، الحروف تنشئ جسورًا بين المعاني والكلمات، وتربط بين الذات والمجتمع، أو بين الذات والفكر.

 الربط بين الحروف والجسر في الأدب:

من خلال هذه النظرة الرمزية، يمكننا رؤية الحروف كعناصر تبني الجسر الذي يصل بين القارئ والنص. اللغة، بما تحتويه من حروف وكلمات، هي الجسر الذي يعبر عبره المعنى من عقل الكاتب إلى عقل القارئ. وعندما يُستخدم الجسر كإشارة في النص الأدبي، فإنه يشير إلى عملية التواصل بين العالم الداخلي (الفكرة) والعالم الخارجي (الواقع الملموس). كما أن بناء الجسر في النص الأدبي يشمل إعادة تشكيل الفكرة في صورة متجددة، تتفاعل مع السياق الثقافي والاجتماعي.

... الفلسفة واللغة كجسر:

على الصعيد الفلسفي، يمكننا استحضار أفكار فريدريك نيتشه حول اللغة كأداة لصنع الجسور بين الأفكار والمفاهيم. اللغة بالنسبة لنيتشه ليست مجرد وسيلة للتعبير، بل هي التي تحدد وتشكّل الواقع. بالتالي، الحروف هي الوسيلة التي تُبنى منها تلك الجسور بين الذات والعالم، بين الفكر والممارسة. كما يمكننا النظر إلى مارتن هايدغر الذي يرى أن اللغة هي بيت الوجود، مما يربط الحروف في أفق الفهم الوجودي كجسر بين الإنسان ووجوده.

أما إذا كان لابد من إشارة إلى الحروف والجسر في السياق اللغوي والرمزي، يمكن فهم الجسر على أنه الرابط الذي يوحد أجزاء النص أو الفكرة التي قد تكون متناثرة أو مفككة. الحروف تشكل الجسر الذي يربط هذه الأجزاء معًا لتكوين معنى متماسك. إذا تم أخذ هذا المعنى في الأدب السردي، فقد تكون الحروف هي الأدوات التي تخلق التوتر بين ما هو مألوف وما هو غريب، وبين ما هو مغلق وما هو مفتوح. وهذا يشير إلى أن النص يمكن أن يكون جسرًا بين العوالم المختلفة – سواء بين الأفراد أو بين الزمان والمكان.

وهنا لابد من ذكر العلاقة بين الحروف وبناء الجسر وهو أمر يتعلق بمفهوم التواصل والتواصلية في اللغة، باعتبار الحروف هي الوحدات التي تُبنى منها الكلمات والجمل، والتي تشكل فيما بعد الجسر الذي يربط بين الأفكار والمشاعر والعوالم المتنوعة. يمكن أن نجد في الأدب والفلسفة مفهوم الجسر كأداة تمكّن من التجاوز والتواصل بين التناقضات والأبعاد المختلفة.

التحليل الذي قدمه سعيد فرحاوي يتناول بشكل عميق كيفية استخدام بديعة الراضي للغة السرد في روايتها "لماذا هدمنا الجسر". تبرز في هذا التحليل عدة عناصر أساسية، ويمكن تلخيصها كالتالي:

بناء على الذات المتكلمة والمرسل إليها إذ يميز فرحاوي بين الساردة كمؤلف فعلي وضمني وفعل السرد الذي تقوم به. الساردة ليست مجرد ناقلة للحكاية، بل هي عنصر فاعل في بناء الرسالة السردية التي تتوجه إلى "الذات المرسل إليها" أو المتلقي. هذا الإجراء يبرز تحولًا من نموذج سردي تقليدي، حيث كان المرسل إليه عادة طرفًا يتم تجاهله أو موازنته مع الساردة.

تفكيك الرموز: فرحاوي يعرض المقطع الذي يتضمن العبارة "ونوضو تكعدوا وقتكم سالات"، معتبرًا إياها نقطة تحول في الخطاب السردي. العبارة ليست مجرد جملة عابرة، بل تشكل علامة ذات أبعاد متعددة، تكسر القوالب السردية التقليدية، وتدفع القارئ إلى تجاوز المواصفات الميثاقية المعتادة بين السارد والمسرود له.

    الرسالة الفعلية: يبرز الجسر كممر يجب هدمه، لكن هذه الفكرة تكتسب بعدًا فلسفيًا ومعنويًا. الهدم هنا لا يشير فقط إلى الجسر المادي، بل إلى الهدم الرمزي للمواثيق السردية المألوفة. إذ يتم تجاوزه لصالح عملية سردية جديدة تخدم فكرة النقد والتحول داخل النص، أما التجاوز السردي: يعتبر مبدأ النتيجة التي يتوصل إليها فرحاوي هي أن الساردة في الرواية لا تقتصر على وظيفة الإخبار أو السرد التقليدي، بل تنفتح على تفاعلات جديدة مع المتلقي. هذا الانفتاح يقوض العلاقات السردية التقليدية بين السارد والمسرود له، ويفتح المجال لتفكيك المواثيق السردية، مما يعيد الاعتبار للساردة كمؤلف فاعل على جميع المستويات، وهي النتيجة والتأثير: بحسب فرحاوي، فإن هذه العملية تؤدي إلى بناء "رواية ذات موضوع خلخل المواثيق الإجرائية"، وهو نوع من التمرد على الأسس السردية القديمة، وإعادة تشكيلها بما يتناسب مع أسلوب جديد يدعو إلى إعادة النظر في العلاقة بين العناصر السردية. في هذا السياق، تصبح العبارة المذكورة بمثابة رمز لفك القيود على الرواية وتقديمها بشكل يتجاوز ما هو تقليدي إذ إن خلاصة القول، التحليل يقدم نظرة نقدية تعتمد على التفكيك السردي وقراءة عميقة للغة المستخدمة في الرواية، ويظهر كيف يمكن للأدب أن يعيد تشكيل مفاهيم السرد التقليدية.