تحليل

قرار محكمة العدل الأوروبية والفهم المسطّح السائد!!

محمد عزيز الوكيلي (إطار تربوي)
معظم المتلقّين للقرار الأخير الصادر عن محكمة العدل الأوروبية، والقاضي بعدم إقرار اتفاقيتي الصيد البحري والزراعة المبرمتين بين المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي، ذهبوا في تعليقاتهم وتحليلاتهم إلى أنّ ذلك القرار صدر "ضد المغرب"، ولم يفكر أحد منهم بأن المغرب لم يكن طرفاً في القضية لدى عرضها على المحكمة المذكورة حتى يكون قرار هذه الأخيرة ضدَّه أو في صالحه!!

نعم... لم يسبق للمغرب ان أقام دعوى او استأنف حكماً ابتدائياً يؤيده القرار الذي نحن بصدده، ولم يكن بالتالي معنياً بهذا الموضوع من أساسه، رغم كونِه طرفاً في الاتفاقيتين... ولعل كونه طرفا فيهما بالذات، هو الذي جعل المحللين يعتبرونه معنياً، وبالتالي متضرراً من القرار السالف ذكره!!

إن الذي وقع في حقيقة الأمر، أنّ المحكمة الأوروبية الابتدائية أصدرت حكماً ابتدائياً بإلغاء الاتفاقيتين، وأن الذي استأنف الحكم معتبراً إياه مُضِرّاً بصالحه إنما هو الاتحاد الأوروبي، عن طريق مفوضيته، وبواسطة محامييه اامشاهير، المتقاضين لأعلى المُرَتّبات وأضخم الأتعاب، وعلى رأس أعضاء هذا الاتحاد تأتي إسبانيا بوصفها الأكثر استفادة من اتفاقية الصيد البحري، بينما تتقاسم فرنسا معها مواقع الصدارة فيما يتعلق بالاتفاقية الخاصة بالمنتجات الزراعية... أما المغرب فمنتجاته في حوزته يصدّرها متى شاء لمن يشاء، علما بأنّ في وسعه أن يستمر في تصديرها لكل زبنائه الأوروبيين بشكل ثنائي، وبذلك يضمن تصريف منتجاته، وفي الوقت ذاته يضمن لزبائنِه التزودَ باحتياجاتهم المعتادة خارج نطاق النفوذ القضائي لمحاكم أوروبا بالكامل!!

بيد أنّ هناك بالمناسبة ملاحظة مبدئية ينبغي التذكير بها، وهي أن المغرب هو الذي يلح على أن تكون مبادلاته التجارية مع الدول الأوروبية مندرجةً في إطار "الاتحاد الأوروبي" تحديداً، وليس على أصعدة ثنائية، حتى يتسنى له أن يخاطب كياناُ واحداً، فيقتصد بذلك الكثير من الجهد والوقت ويضيّق من هامش المَخاطر والخسائر...

الموضوع إذَن، أن المشكل القائم والذي أفضى إليه قرارُ محكمة العدل الأوروبية إنما هو مشكل "أوروبي/أوروبي" بامتياز، ولا دخل للمغرب فيه إلاّ من حيث كونُه الطرفَ المموّنَ، الممارس لسيادته كاملةً على كامل ترابه، ومِن ثَمَّ فعلى الدولِ الأوروبية واتحادِها ومفوضيةِ هذا الاتحاد أن يجدوا حلا لمعضلتهم مع محكمة نسيت اختصاصاتها كجهاز للعدالة، فأخذت تتلبس بأردية السياسة، وشرعت في إصدار توصيفات تناست فيها أن الشعب الصحراوي الحقيقي يقيم في صحرائه المغربية ويمارس فيها كل حقوقه بلا استثناء، وأن له ممثليه ومسؤوليه ومؤسساتِه ومرافقَه العموميةَ ونشاطاتِه الإنمائيةَ وخططَه ومشاريعَه المستقبليةَ بحيث لا يفصله عن الوضع القانوني للحكم الذاتي إلا بعض التفاصيل والجزئيات، وأن ما تُسَمّيه تلك المحكمة "شعبا صحراويا لم تقع استشارته"، على حد زعمها، ما هو إلى مجموعة يسيرة من المواطنين المحتجزين في مخيمات الذل والعار تحت الحراستين المشددتين لميليشيا مرتزقة البوليساريو من جهة، ووحدات الدرك والجيش الجزائريين من جهة ثانية!!

والأغرب من هذا، أن تلك المحكمة وهي تصدر ذلك التوصيف السطحي والأرعن، لا تستطيع بتاتا أن تقول لنا كم تعداد أفراد ذلك الشعب المفترَى عليه، والذي تدّعي في منطوق حكمها الغريب عدم استشارته!!

على محكمة العدل الأوروبية أن تقول لنا مَن هؤلاء الذين تريد منا أن نستشيرهم؟ كم عددهم؟ وما هي أصولهم القبلية الصحراوية؟ وهل ستضم المحكمة إليهم المرتزقة الجزائريين والموريتانيين والماليين والتشاديين والنيجريين... ولاشك أن من بينهم أيضا بقايا فُتاتٍ بشريٍّ من فينزويلا وكوبا وبوليفيا ومن كل الأجناس التي وظّفها "الغازُودولار" الجزائري لخدمة أجندة جزائرية لا تخفى حقيقتها على أحد من العالمين!!

ونعود إلى التفسير والتأويل السطحيَيْن لقرار محكمة العدل الأوروبية، لنؤكد أن هذا القرار فجّر الأزمة بين الاتحاد الأوروبي ومحكمته هو، التي أنشأها هو ذاتُهُ، لتحمي مصالحه وتدافع عن حقوقه المشروعة، ومن بين هذه الحقوق أن يعقد اتفاقياته ويقيم شراكاته ليُلبّيَ احتياجات شعوبِه إلى منتجات وسلع وخدمات مغربية لا توجد لها بدائل في جغرافيا الزمان والمكان الراهنَيْن!!

أما المغرب، فالأمر لا يمسّه من قريب ولا من بعيد، لأن في وسعه أن يبحث له عن شركاء وزبناء غير ذلك الاتحاد، وما أكثرهم، أو أن يعقد اتفاقاته وصفقاته بشكل ثنائي مع بعض شركائه من داخل الاتحاد ذاته، من الأوروبيين الأكثر تعاملاً معه مثل فرنسا وأسبانيا على الخصوص، وبلدان أخرى عُظمى من خارج الاتحاد كالمملكة المتحدة، وروسيا الاتحادية، والصين، فضلا عن دول الخليج العربي التي تجمعنا بها أكثرُ مِن آصرة...

نهايتُه... إنّ القرار القضائي الأوروبي لا يضر إلا أهله، وعلى أهلِه أن يتعاملوا معه بما يخدم مصالح شعوبهم... أمّا نحن فما علينا سوى انتظار ما سيُبدعه العقل والذكاء الأوروبيان في هذا الاتجاه... والأيام القادمة كفيلة بالمجيء إلينا بما قد لا يدور بالبال!!!