المغرب غير مجبر على قبول الإذعان للإملاءات الترابية بحثًا عن التوافق الدولي أو الإقليمي . ولهذا يبادر لحسم النزاع بإرادته المنفردة.
ومن ثم فإن إلغاء محكمة العدل الأوروبية لاتفاقيتي الصيد البحري والاتفاق الزراعي بين الاتحاد الأوروبي والمغرب هو من موقع محاولات صد نجاح المغرب في خلخلة حالة الجمود في علاقته بالاتحاد الأوروبي.
لا شك فعلاً أن المغرب ليس طرفًا في الدعوى القضائية من الناحية القانونية، لكنه يتأثر بنسبية آثار الأحكام في مواجهة الغير مع ما قد يسفر عنه القانوني من تداعيات على السياسي والدبلوماسي.
والقرار، مثار التعليق، يعكس انقسامًا بارزًا وشقاقًا صعبًا بين مجموعة الاتحاد الأوروبي بين الجنوب والوسط والشمال.
فدول الشمال والشرق الأوروبي تنظر إلى العلاقات مع المغرب غير معنية بها حسب الاختلاف في استحضار المصالح الاقتصادية حيال كل دولة على حده، سيما أن القضاء الأوروبي اليوم لم يأخذ بعين الاعتبار الديناميكية الأوروبية لصالح سيادة المغرب، السبب الذي يحد المحكمة قانونًا من حق الخوض في مسألة حسم فيها على الأقل واحد من أعضاء الاتحاد باعترافه بسيادة المغرب (فرنسا). إضافة إلى ما يقدمه المغرب من خدمات دقيقة للأمن الجيو-استراتيجي لأوروبا منذ توقيع اتفاقية شينغن عام 1986، رغم إقرارنا كون مناط التعليق الحالي قانونيًا محضًا.
وبناءً على كل ذلك فإن القرار سياسي أكثر منه قانوني وبالتالي ستحصل حلحلة العمل قريبًا بناءً على معالجات سياسية لا قانونية صرفًا خدمة لمصالح طالما شكلت بالون اختبار في علاقات المغرب – الاتحاد الأوروبي منذ معاهدة ماستريخت عام 1992.
وبالرجوع إلى نصوص القانون والمسطرة ومقارنتها بحيثيات القرار، يتبين أن القضاء الأوروبي يغرد خارج الرأي الاستشاري للاتحاد الأوروبي لسنة 2006، وخارج الرأي القانوني الاستشاري (هانس كوريل) للأمم المتحدة سنة 2002؛ لا يمنعان الاتفاق والتعاقد مع المغرب بخصوص المنتجات مصدر مجال وإقليم الصحراء المغربية شريطة إنفاق الناتج المادي في تنمية الإقليم وفي صالح الساكنة، وهو التنمية والنهضة التي أجمع عليها دول الاتحاد الأوروبي والمجموعة الدولية وقرارات ولوائح الأمم المتحدة على الاعتراف بها لصالح المغرب.
وعليه وبالنتيجة يتشكل المآل من خلف هذا القرار الصادر عن القضاء الأوروبي ضمن ابتزاز فاضح طالما تمارسه دول الاتحاد ضد المغرب الذي يرفض مواصلة لعبة الضغط الناعم وفق شروط لعبة رديئة جدًا بمقياس العنجهية الأوروبية، وفي محاولات للجم صعود المغرب الذي بات منافسًا لمصالح أوروبا في المحال الإفريقي. تجب محاربته بطرق شتى منها تسخير القضاء الأوروبي.
والقرار يُعيد نقاش تمثيلية البوليساريو إلى الواجهة مجددًا؟ مع تجاهل التمثيلية الشرعية لسكان الصحراء المغربية كما يمثلها رؤساء الجهات، الذين يحضرون جلسات مناقشات الموائد المستديرة التي تشرف عليها الأمم المتحدة. وتمثيلية المجالس الإقليمية والجماعات الترابية؟ والقرار سياسي أيضًا لأن مآل القضية هو عدم القبول بالنظر إلى عدم استمرار الصفة حتى تاريخ الحكم بالنظر إلى أنها العمل بالاتفاقات منذ صيف 2023، ومع ذلك استمرت المحكمة في وضع يدها على القضية رغم غياب محل الدعوى.
وعليه أعتقد أنه حان الوقت وآلأوان للاحتجاج بتدخل القضاء الأوروبي في الشؤون الداخلية للمغرب؟ ضمن هدر الأمن القانوني للمغرب. وفي إقامة تمييز وتقسيم اعتباطي لمجاله الإقليمي؟ والمس بحقوقه السيادية؟ في وقت يكشف الحكم عن تجاهله لقرارات الدول الأعضاء التي تعترف بشرعية سيادة المغرب على صحرائه.
وعليه أزعم أن الاتحاد الأوروبي يكرر نفس خطوات اللعب على وتر قضية الأمن القانوني للإساءة إلى علاقات حسن الجوار ضدا على ما راكمه المغرب في باب حماية التقارب مع كل بلدان الاتحاد، كما يمس بالرأي الاستشاري للاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وبالتقدم الذي أحرزته الأمم المتحدة على مستوى مجلس الأمن باعتمادها مقاربة سياسية وتجاوز خطة التسوية ذات الطابع القانوني المرتبط بمفهوم تقرير المصير، الذي بقي الحكم حبيسًا دون مراعاة لكل التقدم المحرز ولا إقامة اعتبار لإرادة شعب أوروبا.
ليبقى التساؤل محقًا للكشف عن خلفيات الحكم والقرار الأوروبيين خارج نصوص القانون المعتمدة التي تجاوزتها أوروبا نفسها والأمم المتحدة وأمريكا والدول الإفريقية التي تعترف بسيادة المغرب.