تحليل

الاحتجاجات الاجتماعية بين الوعي والعدمية

عبد السلام المساوي

   ينبغي التأكيد هنا أولا، وقبل كل شيء، على أن المجتمعات الحية في مختلف بلاد العالم الديمقراطي تعرف احتجاجات سياسية واجتماعية بوتائر متفاوتة، وحول قضايا ذات البعد الاجتماعي الفئوي تارة وقضايا ذات البعد السياسي تارة، وأحيانا ذات البعد الاخلاقي. ولعل تفاوت مدى حضور عنصر التنظيم أو انعدامه في تلك الاحتجاجات مرتبط بمدى تطور الوعي الاجتماعي والنقابي والسياسي داخل كل مجتمع وهو يؤثر على وتيرة تلك الاحتجاجات وعمقها واتساع مساحاتها.

والمغرب من بين هذه المجتمعات الحية التي تعيش على وقع عدد من الاحتجاجات على مر الأيام وخاصة بعد التطور الدستوري النوعي الذي عرفته البلاد والذي فتح المجال أمام اوسع الفئات الاجتماعية للتعبير عن مطالبها بمختلف الطرق والوسائل الاحتجاجية. ولعل اوضاع النقابات والأحزاب السياسية غير المريحة على مستوى التأطير لتلك الاحتجاجات قد فتح المجال لتحولها الى اُسلوب طاغ خارج كل تنظيم، بالمعنى التقليدي. ولهذا الأسلوب تبعاته المباشرة وغير المباشرة منها: اعتقاد شرائح واسعة من الشباب خاصة أنه لا مستقبل لأي عمل منظم، لأنه يتم استغلاله سياسيا من قبل أحزاب يعتقد البعض أنها لم تعد تقوم بدورها وأنها تستغل مآسي المواطنين لخدمة أعضائها عامة وقياداتها على وجه الخصوص. غير أن ما غاب ويغيب عن الكثيرين أن كل احتجاج اجتماعي أو سياسي معرض دائما لمحاولة الاستثمار لخدمة أجندات سياسية، ليست بالضرورة واضحة كل الوضوح. وإن مجرد مقارنة بسيطة بين الاستثمار الممارس من قبل النقابات والأحزاب السياسية التي تدور في فلكها وبين طبيعة الاستثمار في الاحتجاجات التي تقدم نفسها على انها عفوية وذات عمق شعبي مستقل، تبين، بما لا يدع مجالا للشك، أن الوضوح العام السائد في الحالة الاولى والذي يسمح بالتدخل لتصحيح الاتجاه، أهون بكثير من محاولات الاستثمار التي تتعرض لها الحركات الاحتجاجية التي قد تبدو عفوية غير انها تخضع لتوجيهات وتأثيرات قلما يمكن الوقوف عليها في حينها وأن تأثيرها السلبي على الاحتجاج أخطر بكثير مما يمكن تصوره خاصة إذا وجدت تيارات الفوضى والعدمية السياسية مداخل إليها وغالبا ما يكون هذا هو الواقع .

   يوجد في مجالات الفكر والسياسة ما يمكن اعتباره عدمية في مجاله، وخاصة داخل الحقل السياسي. وتقوم هذه العدمية على ما يمكن النظر اليه بانه غياب الجدوى وانعدام المعنى لكل عمل سياسي او اي قيم عليا تؤطر المجتمعات وتحدد لها بوصلتها. والعدمية السياسية في بعدها هذا شكل من أشكال الفوضوية التي ترفض كل مؤسسة تساهم في تأطير المجتمعات على اي مستوى من المستويات، وأساسا مؤسسة الدولة بمختلف اجهزتها. 

غير ان الملاحظ اليوم ان هذا البعد الفكري والنظري اصبح غائبا تماما ليفسح المجال امام نوع من العدمية الجاهلة، كما يتبين من خلال بعض الشعارات التي يرددها الكثيرون لتبرير انعزالهم عن الحياة السياسية. 

وهنا تكمن الطامة الكبرى. ذلك ان هذه العدمية الجاهلة تمنع حتى إمكانية مقارعتها على المستوى الفكري والسياسي لانها عدمية دون أفق تماما.