تحليل

المنتدى الوطني للمدرس.. بين المبادرة ومنهجية تجديد المنظومة التربوية

أحمد بومعيز

تحت الرعاية السامية للملك محمد السادس ، نظمت وزارة التربية والتعليم والتعليم الأولي والرياضة ، بشراكة مع مؤسسة محمد السادس للأعمال الإجتماعية للتربية والتكوين، يومي 26 و27 شتنبر 2024 بالرباط ، النسخة الأولى للمنتدى الوطني للمدرس تحت شعار " المدرس ..محرك تحول التربية والتعليم" .

وهنا ، وفي إطار فعاليات هذا المنتدى الوطني، والذي يعتبره المنظمون الأول من نوعه في المغرب ، و في سياق النقاش الذي أثاره، والذي يعد في نظرنا نقاشا إيجابيا من شأنه إغناء وإثراء النقاش العام الذي يؤطر أو يحاصر منذ مدة منظومة التربية والتكوين بالمغرب عموما ، والمدرسة العمومية على وجه الخصوص .وإذا افترضنا أن هذا النقاش في أساسه ومكوناته، نقاشا مفتوحا على كل الآراء والمواقف، ارتباطا بالحق في التعبير والرأي أولا، وثانيا لكون منظومة التربية والتكوين تعد شأنا عاما يهم ويشمل كل الأسر وكل المواطنين، فهذا يفرض بالضرورة أن يكون النقاش هادفا وموضوعيا ، متجنبا ما أمكن كل التطارحات الشعبوية والمزاجية ،وحتى السياسيوة ، التي تكاد تلازم شأن التربية والتكوين،على الأقل منذ الاستقلال إلى الآن، مع الإشارة إلى 

أن المقال هنا لا يسمح بالتوسع في هذه التوطئة ، وتحديد إشكال وأشكال النقاش المرتبط بقطاع التعليم .

لكن، وفي علاقة بذات النقاش وموضوع المنتدى الوطني للمدرس المنظم مؤخرا ، لا بأس من التداول في شأن بعض العناصر والملاحظات التي من شأنها إغناء النقاش من جهة ، ومن جهة أخرى قد تؤشر على مستوى نجاح هذا المنتدى ، وذلك مساهمة في تقييمه ، بصرف النظر عن الإكراه الذي قد يعيق عملية التقييم من حيث المفهوم و المنهجية . وهنا لا بد أن نشير إلى ما نعتبره مؤشرات دالة على نجاح المنتدى وبالتالي يمكن اعتبارها نقط قوة ، ومن أهمها :  

 - كون المنتدى يأتي في بداية الموسم الدراسي ،وبعد حوالي سنة من الحركات الاحتجاجية التي عرفها القطاع في بداية الموسم الماضي ،والتي اعتبرت في وقتها تحديا كبيرا للمنظومة برمتها . فالشكل والجو العام الذي طبع المنتدى ، والانسجام و التفاعل الإيجابي الذي عرفته أشغاله كلها ،رغم العدد الكبير للمشاركين والذي تجاوز 3000 من مختلف الأسلاك والمهام والهيئات ، فهذا الجو العام الإيجابي يعد في ذاته مؤشرا على تجاوز أزمة الثقة، التي طبعت المرحلة السابقة والتي أطرت على كل مكونات القطاع . كما يعد أيضا مؤشرا على مصداقية الخطاب الذي بدأت تتبناه الوزارة في علاقة وتماس مع مختلف هيئات القطاع، ومن بينها ، هيئة التدريس وهيئة الإدارة التربوية وهيئة التأطير والمراقبة والتفتيش. 

ـ انخراط وتفاعل المسؤولين الإقليميين والجهويين والمركزيين في فعاليات المنتدى بشكل مباشر وفعال ،سواء في المداخلات والتأطير ، أو في المشاركة في مختلف الورشات والأشغال، وهو ما ساهم في إعادة رسم "بروفايلات" جديدة للقيادة في القطاع ، وذلك قد يساهم في خلق دينامية جديدة داخل القطاع إقليميا وجهويا ووطنيا . 

 ـ جودة المداخلات والورشات والمواضيع التي تم اختيارها - رغم العدد الكبير - يمكن أن يساهم في إطلاق وإغناء النقاش بين مختلف الهيئات . 

ـ الإخراج العام والهندسة الجيدة لفضاء المنتدى ساهمت في خلق روح إيجابية بين مختلف المشاركين . 

ـ حضور أسماء وازنة من مختلف التخصصات والمجالات والجنسيات جعلت من المنتدى فضاء لتبادل الآراء والانفتاح على مختلف التجارب.

وإذا اعتبرنا كل هذه النقط ،نقط قوة سجلها المنتدى والمنظمون في دورته الأولى ، فهذا لا يلغي ولا يحجب بعض الملاحظات التي يمكن الإشارة إليها ليس كنقط ضعف، ولكن كوضعيات يمكن الوقوف عندها من أجل تجويد المنتدى واستدامته وتفعيل أدواره، ومن بينها نذكر :  

- يعد عدد المشاركين - 3000 ـ عددا مرتفعا إذ أثر هذا العدد الكبير على اللوجستيك وتدبير الورشات وجودة بعض الخدمات. 

ـ يمكن أيضا اعتبار عدد المداخلات ـ 150ـ فيه الكثير من الضغط على المشاركين والمشاركات الذين لن يتمكنوا أو لم يتوفقوا في اختيار التيمات التي يرغبون في تتبعها . 

ـ يلاحظ خلال المنتدى ومن خلال المداخلات ارتفاع نسبة المداخلات في شكل خطاب عمودي لا يمنح فرصة للتفاعل بين المشاركين والمتدخلين وخصوصا في المواضيع الأساسية، والأخرى المرتبطة بالاستراتيجيات ، وحصرت اللقاءات التفاعلية في الورشات الصغيرة ذات الطابع التكويني . 

ـ لم تتم بلورة توصيات ولو بشكل عام حول المنتدى ومخرجاته ومدى تحقيق أهدافه ، وهو أمر كان من شأنه فتح آفاق للدورات الجديدة ،وأيضا لأجرأة بعض ما تم تداوله خلال الدورة . 

ـ لم يتم منح كل الشركاء الأساسيين والفرقاء الاجتماعيين فرصا للتدخل والمشاركة ، وفق السياق الجديد ، خلال المنتدى 

- النقابات التعليمية نموذجا . 

وعلى سبيل الختم ، ومن خلال ما سبق ذكره ، وأيضا من خلال ملاحظات أخرى لعدد من المشاركين والمتتبعين للشأن التعليمي بالمغرب ، يمكن اعتبار المنتدى الوطني للمدرس ملتقى وطنيا ناجحا . واعتباره أيضا فرصة لرص الصفوف وإعادة الثقة للمنظومة ،وإعادة الاعتبار لكل هيئاتها ومكوناتها ، وفرصة لفتح النقاش الجاد والمسؤول بين كل المتدخلين في المنظومة. كما يمكن أن نقول أن المنهجية المعتمدة و التي تمت بها هندسة المنتدى ، من شأنها أن تفتح أفاقا جديدة للمنظومة، في إطار التشارك والتفاعل على والمبادرة .