في حوار له مع برنامج إذاعي شهير، قال السيد مصطفى بايتاس الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان، مقدما حصيلة منتصف ولاية الحكومة الحالية، أن مدارس الريادة بالتعليم العمومي كفيلة بأن تشكل المدرسة العمومية مصعدا اجتماعيا، كما كانت وسيلة للترقي الإجتماعي مع الأجيال السابقة.
وهنا في حديث السيد الوزير تخصيص لنموذج من المدارس تسعى ربما الحكومة لتعميمه، لكن واقع حال المدرسة العمومية في شموليتها هو غير ذلك. ولها فرص كثيرة لإنتاج العطالة والانحراف والهجرة السرية، من إنتاج الكفاءة والإستحقاق والترقي الإجتماعي.
تتناسى الحكومة ربما مشهد تعطل المدرسة العمومية لشهور والأسباب التي قادت الأساتذة للإضرابات. ولا تتحدث إلا عن نجاح الحوار معهم وما أدى إليه من مخرجات. ولا مقارنة بين المدرسة العمومية التي أعطت إلى بداية الألفين، كفاءات لها نبوغ مشهود به في مختلف مجالات اشتغالها. والمدرسة العمومية الآن، وهي مهترئة المرافق وذات برامج تربوية متقادمة، أو في أحسن الأحوال يطبعها التجريب.
في فرنسا بعد أزمة الأحياء الهامشية والضواحي في 2005 ألف شاب مغربي خريبكي الأصل اسمه عزيز سني، كتابا يفوح أملا بعنوان فريد :” المصعد الإجتماعي معطل، لقد أخدت الدرج”، يتحدث عن تجربته كرئيس مقاولة ناجح وعمره أنذاك 28 سنة. وعن طفولته ونشأته والنظرة التي يواجهها المواطن الفرنسي ذو الأصول المغاربية.
في المغرب المصعد الإجتماعي أصابته عطالة مهولة، بعدما تفاقمت مشاكل التعليم بكل مستوياته والتشغيل، ناهيك عن الفساد الإداري الذي لا يجعل للكفاءة مكانا للبروز ولإستثمارها الحقيقي من طرف الدولة.
القابعون في الأدراج المتسللون لكل فكرة جديدة والمحاربون لها، أو المقرصنون لها بشكل مشوه، المشوشون على بروز الإبداع في مختلف المجالات، المعدون لتقارير ملفقة وواهية للتعتيم على المشاكل الحقيقية والتحديات الأساسية، الذين لا تهمهم إلا مصلحتهم الشخصية ولا قلب لهم على مصلحة البلاد والعباد. هاته الكائنات المعروفة من لحم ودم، والتي سبق لكل واحد منا أن صادفها في مساره وليست “تماسيحا وعفاريت” والتي تتلبس لبوس الأناقة والخير، وتضمر شرها اتجاه القطار التنموي للبلد، الذي تعيقه بتعطيل عجلة التقدم، يجب تطهير الإدارات العمومية منها.
كيف يمكن للمصعد الإجتماعي أن يشتغل بسلاسة، وهؤلاء قابعون في أماكنهم لا يتحركون؟ وكأن المغرب عاجزعن ولادة وجوه وأسماء جديدة، يمكنها في عز شبابها أن تخدم مصالح الوطن وتسير مرافقه الحيوية. الرموز التي قاومت وناضلت من أجل الإستقلال في بلادنا، كانت في ريعان الشباب. الذين سيروا البلاد في فجر الإستقلال كانوا شبابا، ومعهم أخدت الدولة الحديثة تشكل معالمها. هل جئنا حتى الآن لنعلن عن أزمة تجديد نخب؟ أم أنها فقط صعوبة مغادرة الكراسي من طرف موظفين في شتى القطاعات، وليس فقط المنتخبين، ابتدعوا ألف سبب وسبب وخلقوا ألف دسيسة ودسيسة ليتعطل معها المصعد الإجتماعي.
و” النموذج التنموي الجديد” وهو مبادرة ملكية سامية، تماما كالحماية الإجتماعية والدعم المباشر للسكن، من يتحدث عن هذا النموذج التنموي الجديد داخل الحكومة، ويتخده مرجعا لبلورة السياسات العمومية؟ لا حديث إلا عن “الدولة الإجتماعية” ليذكرنا هؤلاء أنهم “ديموقراطيون جدد” يقفون في الوسط بين الليبرالية وتحقيق العدالة الإجتماعية. لكن البلاد لا يمكنها أن تظل واقفة في وسط الطريق، يجبها أن تسير! دعوها تسير!! ادفعوا عجلة التنمية بكل ما أوتيتم من قوة، فهناك من يتصيدنا في الجوار من الحاسدين الذين ابتلانا الله بهم، وجوابنا الوحيد لا يمكنه أن يكون سوى: التقدم.. التقدم.