قضايا

شماعة حقوق الإنسان والأروقة المظلمة للبرلمان الأوروبي

إدريس الكتامي

ان ما أقدم عليه أعضاء البرلمان الأوروبي، بالتصويت على القرار الذي يدين من خلاله انتهاك المغرب لحقوق الإنسان والتضييق على حرية الصحافة، ويدعو إلى الإفراج الفوري وغير المشروط على النشطاء السياسيين، يعد تدخلا سافرا في الشؤون الداخلية لبلد مستقل وتطاولا على مؤسساته القضائية والحقوقية، في الوقت الذي تؤكد فيه جميع المؤسسات والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان ان المغرب حقق تقدما كبيرا وملحوضا في هذا المجال (مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ووزارة الخارجية الأمريكية وبعض الهيئات الأوروبية..)

كما أن جميع القوى الحية بالمغرب من أحزاب وطنية ومركزيات نقابية أصيلة ومنظمات حقوقية وصحافيين شرفاء كانوا دائما في طليعة المدافعين عن الحقوق الكونية للشعب المغربي بكل مكوناته، والمناصرين لحقوق الإنسان ولحرية التعبير والمطالبين بالإفراج عن النشطاء السياسيين ومعتقلي الرأي، لكن بالمقابل كانوا دائما مناهضين لأعداء الوحدة الترابية ولناهبي الثروات الوطنية، لذلك لن يقبلوا أن يتزايد عليهم أحد، باعتبار أن للمغرب نساء ورجال يحمونه ويدافعون عن حقوق ابنائه ولن يقبلوا اطلاقا بأن يكون أحدا وصيام عليهم خاصة إذا كان هذا الأخير اجنبي ....

 لذلك فإن القرار المذكور مجانب للصواب ومردود عليه ومرفوض من طرف جميع المؤسسات الرسمية والقوى الحية بالمغرب باعتبار أنه حق أريد به باطل، بحيت ان المتتبع للشان المغربي وخاصة على مستوى السياسة الخارجية، يدرك بشكل ملموس ان هذا الهجوم هو موجه بالأساس ضد القرارات السيادية التي تبناها المغرب في السنوات الأخيرة وكذا انفتاحه على شركاء استراتيجيين جدد لحماية مصالحه الوطنية والسياسية، تحت شعار: "مغرب اليوم ليس كمغرب الأمس" وهو ما اغضب وازعج بعض الحلفاء التقليديين الذين لازالوا يحملون الفكر الاستعماري القائم على التدخل في سيادة الدول واستغلال ثروات الشعوب، وعلى رأسهم الحليف التجاري الأول للمغرب الذي أصبح يستشعر خطر تضرر مصالحه وتراجع نفوذه، وهو ما جعله يحرك أدوات الضغط الأوروبية في محاولة يائسة لثني المغرب للتراجع عن خياراته الاستراتيجية وسياسته التحررية ومواقفه السيادية ...

وهو ما يجعلنا نجزم بأن القرار النشاز الصادر عن البرلمان ماهو الا مؤامرة مفضوحة ومحبوكة بشكل رديء من طرف خصوم المغرب وأعداء وحدته الترابية ...

كان بالأخرى ان يتداول أعضاء البرلمان المذكور الانتهاكات الجسيمة والتجاوزات الخطيرة لحقوق الإنسان بدول الاتحاد الأوروبي التي وردت بشكل خاص بمجلة "هيومن راتس ورتش" على الشكل التالي: 

* انحسار الحريات المدنية بأوروبا 

* النقاش المتطرف الدائر بالمؤسسات الرسمية لدول الاتحاد الأوروبي حول وضعية الأقليات والمهاجرين 

* صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة 

* تراجع فعاليات ومؤسسات وادوات الدفاع عن حقوق الإنسان بكل دول الاتحاد 

هذا وقد استفحلت ضاهرة الانتهاكات والتجاوزات لحقوق الإنسان بدول الاتحاد الأوروبي بعد هجمات الحادي عشر من شتنبر، بحيت سعت جل الحكومات بهذه الدول إلى اعتماد منهج جديد تكون فيه حقوق الإنسان وراء الأمن او تتنحى جانبا من الاساس ،بحيت أصبحت عمليات ما يسمى بمكافحة الإرهاب دريعة للقمع والاستبداد والاعتقالات التعسفية والتعذيب والترحيل القسري في خرق سافل وخطير لحقوق الإنسان، وهو ما أكدته وكالة حقوق الإنسان التابعة للاتحاد الأوروبي في أحد تقاريرها والذي جاء فيه: ان الأقلية المسلمة في أوروبا تعاني من عدوانية متزايدة وخطيرة وتمييز عنصري كبير، وأن المهاجرين الأفارقة يعانون من التمييز والعنصرية والعنف كما أن الأقليات من "الروما" او "الغجر" يتعرضون لانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، من خلال  تعرضهم للاخلاءات القسرية والطرد والتهميش علما انهم من مواطني الاتحاد الأوروبي.

هذا وقد أصبحت ضاهرة التطرف وصعود الأحزاب اليمينية الشعبوية المتطرفة إلى مراكز القرار بجل الدول الأوروبية (ايطاليا، السويد، فرنسا..)

تشكل خطرا كبيرا على حقوق الإنسان بهذه الدول ،باعتبار أن اليمين المتطرف ارتبط تاريخيا بالدكتاتورية والقهر والعنصرية ومعاداة الاقليات العرقية والدينية والأجانب...

هذا وقد بلغ التطرف أوجه بدول الاتحاد الأوروبي مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية لما خلفته هذه الحرب من تداعيات اقتصادية وسياسة على المجتمعات الأوروبية الشيء الذي نتج عنه تحولات راديكالية عميقة تجلت في وصول "النيوفاشية الجديدة" إلى السلطة في معظم العواصم الأوروبية، مما أدى إلى بروز سياسات عنصرية تقوم على مفهوم الدمج الجبري ورفض استيعاب المجتمع الأوسع للاقليات، واعتماد صناع القرار السياسي على تخويف الشعوب بالارهاب وتحذيرهم من فقدان الهوية الدينية والثقافية، وهو ما عبرت عنه المستشارة الألمانية السابقة في أحد خطاباتها: "أنه يتعين على الأقليات قبول تقافة الأغلبية وإذا رفضوا فسوف تنحى حقوقهم جانبا من أجل المصلحة العامة"

وهو ما يتناغم مع ما قامت به فرنسا في صيف 2010 من انتهاكات كبيرة لحقوق الإنسان في حق أقلية "الروما باقدامها على طردهم قسرا وبشكل تعسفي رغم قرارات التنديد الصادرة آنذاك عن الأمم المتحدة والمجلس والبرلمان الأوروبي والمنظمات الحقوقية...

وكذلك الخطاب العنصري الاستعماري الذي ألقاه كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي "جوزيب بوريل" والذي جاء فيه: "ان اوروبا حديقة وان معظم دول العالم غابة...." 

لذلك كله ندعو البرلمان الأوروبي إلى الاهتمام بقضايا حقوق الإنسان وحرية التعبير بدول الاتحاد ،وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة ،باعتبار أن زمن الوصاية قد قطع معه المغرب بشكل قطعي ولارجعة فيه وان الشراكة التي تربط المغرب والاتحاد الأوروبي يجب أن يكون اساسها الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة فقط.

وفي الختام فإننا نعتبر أن هذه المؤامرة والمزايدة المجانية على المغرب هي مجرد "زوبعة في فنجان" لن ولن تنال من سعيه على فرض سيادته والحفاظ على مصالحه ...

كما نطالب بإصدار العفو على جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي الوطنيين الغيورين على بلدهم، المملكة المغربية الشريفة.