تحليل

التعليم في المغرب والاختيارات اللاشعبية

صافي الدين البدالي

رغم التسويق الإعلامي السياسي الذي أحاطت به وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة للدخول المدرسي الجديد 2022 /2023 ، فإن المدارس العمومية لا زالت تعيش ارتباكا على مستوى توفير الكتب المدرسية والأطر والبنايات مما خلق استياء وسط الآباء والأمهات، لقد سجل هذا الدخول سابقة خطيرة وهي ارتفاع عدد التلاميذ و التلميذات ببعد الفصول الدراسية في جميع الأسلاك إلى أزيد من خمسين تلميذ وتلميذة وتضاعفت ظاهرة الأقسام المشتركة في الوسط القروي. إن هذا الارتباك يطرح علينا الأسئلة التالية: 

1ـ هل هذا الارباك ناتج عن الارتباك الذي تعرفه حكومة أخنوش فيما يتعلق بتدبير الشأن العام للبلاد؟ أم نتيجة السياسة التعليمية في المغرب؟.

2- أم هو ارتباك ناتج عن الإختيارات الإرتجالية لتدبير قطاع التربية والتكوين؟.

إن الإجابة على هذه الأسئلة  تجعلنا نستحضر أولا، قطاع التعليم بين الأزمة الإجتماعية والإقتصادية والثقافية والإرتباك الحكومي ثم ثانيا النظام التربوي والاختيارات اللاشعبية .

1ـ  قطاع التعليم بين  الأزمة الإجتماعية  والإرتباك الحكومي:

في سياق الأزمة الإقتصادية والإجتماعية التي يعيشها المغرب نتيجة السياسة اللاشعبية واللاديمقراطية التي تتبعها الدولة والتي تتجلى في ركوب مخاطر إقتصاد الريع على حساب التنمية وتبديد المال العام في مشاريع غير منتجة وتفشي الرشوة ومظاهر الفساد في كل أبعاده، مما أدى إلى فشل أي نموذج تنموي، تخضع الحكومة المغربية إلى ضغوطات اللوبيات المالية والإقطاعيين الجدد وإلى إملاءات بنك النقد الدولي والإتحاد الأوربي، ومن هذه الإملاءات  التخلص من خدمات القطاعات الاجتماعية وفي مقدمتها التعليم وذلك على حساب المدرسة العمومية التي لم تعد قادرة على استقبال الأطفال في غياب بنية تحتية مناسبة وبرامج تعليمية تستجيب لحاجيات المجتمع وأطر تعليمية  مكونة تكوينا قويا يجعلها  قادرة على تحدي الإكراهات المادية والمعنوية لأداء الرسالة التربوية. إنه بالرغم من ادعاء الحكومة بترميم  الجسم التعليمي، فإن وضع القطاع يزداد ترديا،مما يكرس بجلاء استمرار فشل  السياسة الحكومية في تدبير ملف التعليم تدبيرا عقلانيا يكون مبنيا على المقاربة التشاركية وعلى المنهجية العلمية في التعاطي مع القطاع، لإخراجه من الضبابية والإرتجالية ومن الارتباك الحكومي في الشأن العام .إذ لا يمكن فصل الإرتباك الحكومي عن  قطاع التعليم وعن الوضع العام الإقتصادي والإجتماعي و السياسي، لأن الكل يوجد في علاقة جدلية لها انعكاسات على أية تنموية شاملة ومندمجة. فالحكومة لا تتعامل مع هذه العلاقة بالمنطق العلمي حتى لا تعرف أي ارتباك، بل هي تتعاطى مع كل قطاع بمنطق ضيق تتحكم فيه النزعة الفردية  من جهة والنظرة أحادية الجانب من جهة اخرى ،و كذلك كان حظ قطاع التعليم في بلادنا . 

2 ـ النظام التربوي والاختيارات أللا شعبية:

ما يعرفه التعليم اليوم  في بلادنا من فشل لم يكن وليد الصدفة أو بسبب حرب مدمرة أو بسبب حروب اهلية أو بسبب عطب تقني  قد أصاب الآلة التربوية ، بل هو رغبة النظام المغربي في عزل التعليم عن المجتمع و جعله يخضع للنمطية المخزنية والإستمرار في نهج سياسة أسس لها الإستعمار الفرنسي وأتباعه و دأب عليها الحاكمون في البلاد ، وهي سياسة ظلت تنفذها الحكومات المتعاقبة  منذ نهاية الخمسينات من القرن الماضي إلى الآن ،أي عزل النظام التربوي عن النظام الإجتماعي و الإقتصادي وعن الصيرورة الثقافية والفنية وجعله يخضع لسياسة النظام المخزني واختياراته التي جعلت المدرسة لاتؤدي إلا وظيفة إيديولوجية للطبقة الحاكمة وأداة لتمرير سياستها وإخفاء الواقع الإجتماعي وإبراز الجانب الذي يريده النظام ،مما بجعل التلميذ يقتنع بحقيقة غيرالحقيقة التي يعيشها في حياته اليومية، ويعاني من صعوبة الإدراك والتحصيل الإيجابي كما يعاني من الإنغلاق الفكري والإكراه النفسي والبدني. لقد ظل التعليم في بلادنا بعيدا كل البعدعما يعرفه المجتمع المغربي ومن حوله من تحولات عميقة الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والرياضية والفنية، فظل النظام التربوي بدون ارتباط  بالتطور الاجتماعي بكل أبعاده حتى أصبح من القطاعات التي تتلاشى أطرافه مع مرور السنين. 

إن الدولة المغربية ظلت رهينة المخطط الإستعماري الذي ظل يهدف إلى تكريس التبعية وطمس الهوية الثقافية وتكريس نظام تعليم طبقي حيث تم الإعتماد فيه على وصفات تعلمية / تعليمية جاهزة وخارج السياق الإجتماعي والثقافي للمغرب، وصفات جاهزة  مستوردة من فرنسا أومن  بلجيكا أومن كندا تحمل في طياتها التخطيط لتعليم طبقي، يكرس لتدريس خارج أي ميثاق وطني لنظام تربوي يستجيب لمتطلبات الحاضر والمستقبل ويرمي إلى بناء المدرسة الوطنية التي تضمن تعليما موحدا لأبناء الشعب المغربي يمكنهم من كل أنواع العلوم وفروعها وفق برامج دراسية تراعى فيها القدرات الفكرية والحملات العقلية عند المتعلم والإستعداد النفسي والفكري  وفق منهجية تجعل من التلميذ باحثا ومبدعا وفنانا ورياضيا وله القدرة على اكتساب العلوم الحديثة بالاعتماد على اللغة المناسبة لكل فرع تعليمي .إلا أن الدولة تخلت عن هذه  المرتكزات من أجل مدرسة وطنية وغيرت الاتجاه نحو التعليم الخصوصي كريع مالي  يدرعلى أصحابه أموالا طائلة على حساب المدرسة العمومية التي اصبحت ملاذا لأبناء الفقراء فقط واصبحت تقوم بالتلقين والحشو والإنغلاق الفكري دون  تكوين فعلي للمدرس ومشاركته الفعلية في بناء المناهج والبرامج ودون مشاركة الآباء أوالقطاعات ذات الإرتباط بالمدرسة ، مما انعكس سلبا على الأطفال /التلاميذ والشباب / الطلبة، حتى أصبحت المغادرة والهدر المدرسي من سمات الصيرورة التربوية في المغرب ، وقد جاء في  تقرير الأمم المتحدة حول التعليم بالمغرب سنة 1966 (إن التعليم في المغرب يفتقد التوازن بين اسلاك التعليم والأهداف الإجتماعية و الثقافية والإقتصادية). 

فبالرغم من أن أي نظام تربوي يظل خيارا  استراتيجيا يهدف إلى تعليم الأجيال وفق المتطلبات العلمية والثقافية والأدبية و الدراسات الإجتماعية للمرحلة،خاصة منها القطاعات الإجتماعية والإقتصادية والثقافية. اتخذ النظام سياسة تعليمية تهدف إلى تكريس الأمية الثقافية ومحاربة الفلسفة والبحث العلمي وعزل المدرسة عن محيطها الإجتماعي والثقافي والسياسي، وقد أكد عدد من الباحثين بأن المدرسة هي مجتمع مصغر لا يقبل الإرهاب الفكري أوالإملاءات الإيديولوجية للسلطة الحاكمة ،بل مجالا تتفاعل فيه الأفكار والتجارب والإبداعات والتكيف مع المحيط الإجتماعي والثقافي. 

لكن المدرسة المغربية ظلت توجد ومنذ بداية الستينات من القرن الماضي خارج السياق العام الذي يعرفه العالم من تطورات على مستوى البحث العلمي والتنافسية التكنولوجية و تطوير المناهج الدراسية و آليات البحث وطرائق التدريس والتكوين ،فالبرغم مماعرفه العالم من تحولات على مستوى النظم التربوية في علاقة مع التحولات الاجتماعية و الاقتصادية ،فإن النظام التربوي في المغرب ظل يكتنفه الغموض والنزعات  بعيدا عن المشاركة للفاعلين التربويين والممثلين السياسيين. فأصبح قطاع التعليم في بلادنا مسرحا لإعادة التجارب التي فشلت في دول اخرى .. 

في هذا السياق والإرتباك الحكومي يأتي التوظيف بالتعاقد كمدخل من مداخل ضرب التعليم العمومي حتى  لا يكون رافعة اقتصادية و اجتماعية وثقافية ،فالتخلي عن مبدأ تكوين الأطر الضرورية وتأهيلها انسجاما مع التحولات التي تعرفها التطورات على مستوى البدائل البيداغوجية والوسائط الديداكتيكية والعلوم التربوية والإنسانية وعلوم التكنولوجية الحديثة ، مخاطرة تهدف إلى دفن المدرسة العمومية. وحتى لاترقى إلى مستوى طموحات الشعب المغربي، ومسايرة ظاهرة الإنتقال الإجتماعي والإنتقال الإقتصادي والصناعي والتكنولوجي في علاقة مع صيرورة الانتقال التربوي الذي يفرض  نتائج تربوية هامة . لكن مقاصد النظام المغربي بالنسبة للنظام التربوي هي إلغاء المدرسة العمومية بعد أن نجح وبشكل كبير في إجبار الطبقة الوسطى على توجيه ابنائها إلى التعليم الخصوصي وإفراغ مبدأ تكوين الأطر من محتواه باعتماد سياسة التشغيل بالتعاقد بدل إعادة فنج مدارس التكوين والمراكز الجهوية للتربية والتكوين و المدارس العليا للأساتذة في إطار استراتيجية واضحة المعالم من أجل تقدم البلاد و ازدهارها .